السبت، 6 فبراير 2016

يعني إيه عواجيز؟

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 9 فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة: يعني إيه عواجيز- موقع زائد 18- 2016


        في أوائل نشوة الانتصار الأولى لثورة يناير، دعتني إحدى الصديقات للمشاركة في وقفة احتجاجية لدعم إضراب الأطباء في ذلك الوقت. بالرغم من أني لا أمتهن الطب، إلا أني أذكر أن ما حدث وقتها هو إعادة تخليق مساحات رحبة بداخل كل منا مفادها أن كل شيء ممكن فقط إذا ما تمكنا من الإشارة بأصبع اليد إلى موضع الألم وأن الاشتباك في حلم التغيير يجب أن يتعدى ما تعرفه، إلى ما تؤمن به حقا، وأن ترسم دائرة أكبر من "شيل الهم" اللي طالنا كلنا بعد كده.


أذكر حينها أني كتبت علي ورقة إيه فور بالعرض "ارحلي يا دولة العواجيز"، تلك الجملة السحرية التي تختصر مفهومي عن الثورة وقتها، المناطحة في كل من تعدى الخمسين وتحميله وحده ما نعانيه من العجز والفشل والهزائم المتتالية. 

كنت أحمل ما أؤمن به، "ثورتي الصغيرة" وأستعد للتقدم بها في صفوف من لاأعرفهم ولم تجمعني بهم مفارق الحياة.
في الوقفة الاحتجاجية قبل التصعيد لعقد جمعية عمومية لاحقاً، أتذكر أن هناك شخصا مال على كتفي قائلاً "أنتي لازم تجيبي اليافطة بتاعتك دي وتحضري معانا الجمعية العمومية الجاية علشان العواجيز" وانطلق ضاحكا مخلفا وراءه جملة بلا أية علامة ترقيم. لم ألب دعوته في حضور الجمعية العمومية متعللة إنها هتبقى دكاترة في بعض، أنا بقى إيه اللي هيحشرني في وسطيهم، انخرطنا في دوائرنا الصغيرة والمختلفة للتوعية بأهمية الإضراب، واشتبكنا في مناقشات عن جدواه، وهل من حق الطبيب أن يصحو صبيحة يوم وأن يعلنها أنه لن يقدم رعاية طبية لمريض يحتاجها؟ كان لدينا من الأمل الوفير الذي يحدونا لأن نصطبر ونستمع ونعيد على الأذهان ما نؤمن به من حق وبيئة آمنة للعمل كحق أصيل بديهي.

منى مينا نقيب أطباء مصر 2016


        في مساء أحد الأيام التالية أرسل لي نفس الشخص الحساب الشخصي لدكتورة تسمى "منى مينا" مذيلة برسالة لطيفة "مش كنتي تيجي علشان تقابلي العواجيز". حين وقعت عيناي على دكتورة منى من وراء الشاشة لأول مرة، أنارت في ذهني الأخت سيمون إحدى الراهبات اللاتي كرسن حياتهن لتدريس الأطفال في مدرسة الآباء اليسوعيين بمدينتي النائية في الصعيد، فهي لديها نفس الشعر القصير الرمادي، ملامح الوجه الهادئة، القرط المستدير الذهبي، ولأنني كنت في أولى مراحلي لرفض قداسة البشر، أزحت صورتها كـ "قديسة" من ذهني وبدأت في التلصص عليها ومتابعة ما تقوم به فيما يتعلق بإضراب الأطباء. كنت أتلصص عليها لأستخدمها كوسادة أوجه لها لكمات غضبي المتراكم من كل ما يمثله جيلها في ذهني، و"فعل خذلان" متكامل الأركان خذل الثورة حين تمسك بالعمل من داخل أروقة نظام قامت الثورة بالأساس عليه، فإذا بي أفاجأ أن هناك ثورة "عواجيز" وأنا المعتدة بسنين عمري الأقل لم أفهمها حينئذ.

        في تقاطعات الحياة التالية، حين تهاوت الملحمة وسقطنا جميعا معها، حكت لي صديقة طبيبة قررت بشكل قاطع أن تبدأ في إجراءات الهجرة وانخرطت في بكاء مرير لأنها اليوم شعرت أنها مثل الجرذ الهارب من بالوعة الشارع حين حاصر مستشفاها التعليمي عدد من أهالي المرضى، لم يكن هناك مجال لتقصي حقيقة الأمر.. من المخطيء؟ أتراه الطبيب أم أهل المريض؟ ولم يكن هناك مجال للخوض في حديث جدلي لا طائل منه، ربما سينتهي إلى أننا سنصل إلى إلقاء اللوم كله على آدم اللي أكل التفاحة ونزلنا الأرض كما تتغنى إحدى المهرجانات الشهيرة حالياً.

        كانت لحظة هزيمة صفرية بامتياز، وكانت الصديقة تحمل خيبة مضاعفة من الإهانة والعجز.. ذكرت لي الصديقة أنها قبل البدء في خطوات الهجرة  قابلت دكتورة منى مينا، وها هي تعود لأضواء ذاكرتي تارة أخرى "منى مينا"، وأخبرتها أنها بصدد الهجرة. تقمصت شخصية دكتورة منى وقمت بالرد الفوري على صديقتي "وطبعا قالتلك لأ متسافريش وخليكي في البلد وابنيها"، لكن ما حدث والعهدة على رواية الصديقة، أنها أثنت على قرارها بجملة مقتضبة "سافري يا بنتي.. أنتوا تستاهلوا حياة أحسن من كده، سيبونا نحاول نلحقها".

        كنت لا زلت اتأرجح في بندول الانتماء والوطن واختيارات الرحيل والبحث بلاجدوى عن سبب للبقاء، فجاء ردها باترا حاسماً، فهي ترى أننا جميعا "نستحق خيارا أفضل". استوقفني أنها بالرغم من تشجيعها لسفر الصديقة، إلا أنها لازالت تؤمن أن من لم يستطع الخروج، فلا مجال للمساومة على خيار الحياة الأفضل.استوقفني أنها اختارت أن تنحاز لمعسكر "الخسرانين" الذي تم وصم معسكر الثورة به لاحقاً.. المعسكر الذي يتجرع هزائمه ويعترف بها ويتطهر منها كما لم يفعل ممن دشنوا لتلك الهزيمة المروعة.


        ما جعلني التصق بها كقديسة هذه المرة، أنها صفعتني على وجهي بالحقيقة التي لابد من الاعتراف بها: هناك عواجيز مؤمنون أن هناك خيارا أفضل، وأننا جميعا نستحقه، وأن الثورة لم تكن مقتصرة على من يستطيع الهرولة في الشوارع فقط وقت الاشتباك، بقدر ما تعنيه لي الثورة الآن: القدرة  على المقاومة، الاختيار الواعي، المحاولة المتتالية إننا "نحاول نلحقها".

        ما اكتبه ليس تمجيداً في دكتورة منى وإن كانت تستحق وأكثر، لكن تمجيدا لما يحدث في نقابة الأطباء التي ستشهد حدثا مهما يوم الجمعة المقبل. لسنا بحاجة لأن نكون أطباء أو متضررين بشكل مباشر مما يحدث من انتهاكات جسيمة بحق الأطباء في مستشفى المطرية وغيرها من الانتهاكات التي يتم تمريرها بدون أدنى محاسبة. 

لسنا بحاجة لأن نخوض ذلك الجدل البيزنطي "الأطباء ماينفعش أصلا يعملوا إضراب"، لأننا بصدد اختيار واضح، أن الأمن على حياة الطبيب يجُب كل ما يليه من تبريرات واهية.


لسنا بصدد التذكير بممارسات القوة.

لسنا بصدد السقوط في بالوعة الأفواه التي تلقت أمرا شفاهيا ارتدته ما تيسر لها من بدل الرقص، وانهالت على آذاننا في غناء نشاز عن إهمال الأطباء في هذا التوقيت تحديدا، لكننا بحاجة لأن نعلنها واضحة صريحة مدوية #ادعم_إضراب_الأطباء.

قد نكون مجرد أفراد عابرين هامشيين على مشهد الحدث، لكننا لا زلنا قادرين علي رؤية "ثورة" تشبهنا هنا في هذا الكادر من الفيلم، ولدينا اختيار واع للانتصار لها، لسبب أبسط مما يتخيله الكثيرين "علشان نحاول نلحق البلد دي"، لو نقدر، 

وإلا هنبقى "عجزنا" فعلاً.

هما اللي بيرازوا فيا- حكايات عن البيزنس، التطور المهني!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 6 فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- هُمّا اللي بيرازوا فيّا- موقع زائد 18


كان ياما كان يا سادة يا كرام، وكل من له نبي من قلبه يبعت له السلام، واللي مالوش خليه قاعد برضه منورنا، مايضرش.

تقول الحدوتة إن كان فيه كتاكيت عايشين في كرتونة، أي أربع حيطان بيتحركوا جواها، واحد من الكتاكيت كانت مؤخرته أكبر من الكتاكيت التانيين، وكان بيعيق حركتهم في الرايحة والجاية جوه الكرتونة، فاجتمع الكتاكيت في ذات ليلة وقرروا إنهم يخلعوا أحد حيطان الكرتونة ويحطوها حاجز بينهم وبين الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة، علشان يعرف يتحرك براحته، وفي نفس الوقت هما كمان يتحركوا براحتهم من غير ما يتكعبلوا في مؤخرته العظيمة.. بس وقعوا في قرار ملعبك.. يا ترى دلوقتي الكرتونة هتتقسم جزئين.. جزء يتحركوا فيه براحتهم وجزء تاني هينفوا فيه الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة علشان مايقعش عليهم يفطسهم، المشكلة هنا كانت يا ترى أي جزء هم هيقعدوا فيه؟ هل الجزء اللي هيبقى متحوط بـ”أربع” حيطان، ولا الجزء التاني اللي هيبقى عبارة عن تلات حيطان وحتة مفتوحة على الهواء الطلق.

الكتاكيت في نفس ذات الليلة المشئومة، حسموا أمرهم، وقرروا إن يعني إيه نقعد من غير أربع حيطان؟ لا.. كده نستهوى، فاختاروا الجزء "الآمن"، وتلوا حيثيات الحكم والقرار بتاعهم على الكتكوت أبو مؤخرة مرهرطة اللي حس بغصة في نفسه، مش علشان مؤخرته اللي هتفضل منكدة عليه عيشته طول عمره، لكن علشان ماكنش عارف الجزء التاني المجهول بالنسبة له هيكون إيه.

تاني يوم ابتدا التنفيذ واشتغلت الكتاكيت بكل قدم وساق علشان يتخلصوا من المؤخرة الملظلظة اللي مكدرة عيشتهم.. الأيام الأولى شهدت فرحة غامرة ونشوة الانتصار وصوصوات متتالية من الكتاكيت في الركن المنتصر، ومن كتر فرحتهم ابتدوا يزعقوا في الكتكوت الكبير من ورا الحيطة ويتريقوا عليه.. الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة ابتدت تتراكم عليه مخاوفه وينجرح الإيجو بتاعه، مش بس إن مؤخرته بتكبر وإنه مقدرش يداريها، لأ لأن كمان دلوقتي بقى في مكان من غير أربع حيطان ومكان الحيطة الرابعة بقي مخيف بالنسبة له لأنه مشافوش قبل كده، ولأن عقله كان مشغول طول الوقت بـ”اللية” ماكنش قادر إنه يشوف الفرصة اللي قدامه.

بمرور الأيام مؤخرة الكتكوت كانت بتكبر وكان خوفه بيكبر معاه، فكل ما كانت مؤخرته تؤرقه وخوفه يشوكه، كان بيرجع بضهره ويسند على الحيطة اللي بتفصل بينه وبين الكتاكيت على الناحية التانية.. لاحظ أن كل سندة بيعملها على الحيطة، بتتزق بفعل تقل المؤخرة، والأغرب أن كل زقة بتخلي الكتاكيت يسكتوا ويتوقفوا عن التريقة عليه وعلى مؤخرته.

في الأول كان بيزق الحيطة خايف، لكن بعد ما قرر إنه خلاص هيعيش جوه الكرتونة دي للأبد، قرر إنه يمارس لعبة "ياللا نزق الحيطة كمان وكمان وكمان"، مرة و را التانية الصمت بتاع الكتاكيت اللي ورا الحيطة ابتدا يكتر بس الزعيق المرة دي ماكنش عليه، والأدهى إنهم نسيوا موضوع مؤخرته وإنها سبب أزمتهم، وابتدوا يزعقوا في بعض، وهنا اكتشف متعته الجديدة اللي خلته يتعافى من عقدة مؤخرته الأزلية، متعة الفرجة على الكتاكيت وهم بيتزنقوا أكتر و بيخانقوا في بعض أكتر، ونسيوا أو تناسوا موضوع الكتكوت التاني على الناحية التانية، بس كانوا دايما بيسمعوا صوت ضحكه، وماكنوش عارفين هو بيضحك على إيه.. لما ضاقت عليهم المساحة بشكل مستحيل إنهم يقدروا يتعايشوا، ولما ابتدى صوت الكتكوت صاحب المؤخرة يعلا من الضحك، فكروا إنه ربما يكون لقي “براح” وحياة أحسن الناحية التانية، ويمكن أخطأوا في قرارهم بنفيه من الأول، وأصلا بقت الحياة في ضيق جزمة مقاس 12.

في اليوم اللي بعده استقر الحال بالكتاكيت إنهم ابتدوا ينقروا في الحيطة اللي بتفصلهم عن الكتكوت الملظلظ.. كان كل ما يسمع صوت نقرهم على الحيطة يخاف أكتر من رجوعهم، ويفتكر معايرتهم له بمؤخرته، فيستخدمها علشان يزق الحيطة عليهم، فالكتاكيت تتزنق أكتر ومساحتهم تقل بزيادة، فيزودوا بالنقر في الحيطة لغاية ما في يوم حصلت المفاجأة!

وهم بينقروا لقوا حاجة طرية ماتشبهش الحيطة اللي كانوا بينقروا فيها طول الأيام اللي فاتت، لكن ده إداهم أمل كتاكيتي إن خلاص هانت وهيشوفوا الناحية التانية فيها إيه.. الحقيقة إنهم كانوا بينقروا في طيز الكتكوت الغبي (آه بقى أنا تعبت غني اقول مؤخرته.. دي حاجة بيض والله) ولما اكتشفوا إنها طيز الأفندي وإنه هو اللي كان بيزق عليهم الحيطة طول الوقت، ماقدروش يعطفوا عليه ولقوا نفسهم بيكملوا تنقير في الكتكوت الغبي، وكل ما بتراودهم مشاعر الكتاكيت في التعاطف أو الشفقة، كانوا بيفتكروا الأيام السودة اللي عيشهالهم وكان بيزق عليهم الحيطة وبيقعد يضحك على الناحية التانية، فكملوا تنقير فيه لغاية ما خلصوا عليه تماما، وأكلوه بسنانهم، بس سابوا منقاره علشان يكون عبرة لأي كتكوت عنده مؤخرة كبيرة هيجي يتغابى عليهم في يوم من الأيام.. الكتاكيت مش بس هدوا الحيطة واتخلصوا من غباء الكتكوت، لكنهم كمان اكتشفوا أن الكرتونة اتفتحت على عالم أكبر من اللي عرفوه قبل كده، وابتدوا يجروا في كل الاتجاهات.
توتة توتة، خلصت الحدوتة.

******
الحدوتة  دي كانت اتحكت لي من زميل في شغل قديم، وكنا بنستخدمها لما بنحب نعمل تمرد كده محندق على ما قوسم علشان نحسن ظروف العمل اللاإنسانية في البلد البعيد.. عملنا جروب سري على الواتس آب سميناه "كتاكيتو بُني"، مش تكريما بس لزينات صدقي، لكن كمان علشان نفكر روحنا إن "الكتاكيت قادمون" وإننا هنفضل ننقر في مؤخرة الإدارة لغاية ما نلاقي مخرج، علي الرغم من أن كل محاولاتنا كانت كوميدية وبنحاول بيها نمتص طاقة الغضب اللي جوانا، لكننا فضلنا في "التنقير" لغاية ما لأول مرة الإدراة ابتدت تعمل مراجعات حقيقية وتم تسريح عدد لا بأس بيه مننا.. كان بودي و الله الحياة تبقى شبيهة بالحواديت، بس معلش.. أهلا بيكم في سيت كوم "الحياة صعبة يا ولدي"، وعلي الرغم من أن كل حد فينا في بلد دلوقتي، لكن الجروب كان أول محاولة متعددة الجنسيات للنقر في مؤخرة كل وضع ظالم.


على عكس الحواديت، كان بودي والله إننا نزرع الأمل والخير يجيب الشر من لغلوغه ويطرحه أرضا ويقعد عليه يبططه، لكن يبدو إن جيلنا العظيم التعيس اللي بيتقبض على أحد أفراده علشان خفة دمه، مبقاش قدامه غير خيار واحد، وهو الخيار الكتاكيتي.. نفضل ننقر، ونزن ونترازل ونرازي في الكتكوت أبو لية، اللي هيقع علينا يفطسنا كلنا.. مش علشان لا سمح الله شايفين النور في نهاية النفق، أبسلوتلي علشان مبقاش فيه خيار غير كده، والمساحة بتضيق وعددنا بيختفي في ظروف غامضة.

مبقاش عندنا اختيار غير المرازية، حتى لو في يوم كتاكيت في كتفنا اختاروا اختيارات آمنة مش هيلاقوا قصادهم غير المرازية، ويحضرنا مشهد روبي البديع في مسلسل "سجن النسا" وعنيها بتعكس كل تراكمات الغضب اللي اتحاشت جواها طول الوقت لغاية ما فجأة هتنفجر وتزعق فيهم كلهم بلا استثناء "همّا اللي بيرازوا فيا".
هنفضل ننقر ونرازي وغالبا البقاء هيكون للي نفسه أطول في المرازية، زي ما قال آينشتاين في قعدة رواق على قهوة كرمش بضواحي الجيزة، وأيده


نيوتن
في زيارته الخاطفة بعد كده في قانونه الشهير المدفون تحت كرسي في نفس القهوة: "إن كل مرازية يقابلها مرازية مضادة لها في الاتجاه وبنفس القوة والغضب".
مش هنبطل نرازي في اللي بيرازوا فينا.
و توتة توتة مابتخلصش الحدوتة.

الاثنين، 25 يناير 2016

إحنا ليه مش بنمشي جنب الحيط؟!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 25 يناير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- ليه مش بنمشي جنب الحيط؟- موقع زائد 18


لما شفت الهاشتاج عن المشاركة في ثورة يناير، وشوفت القصص اللي اتكتبت، وباراهن إن فيه غيرها أكتر لسه متشال، وفي يوم راح يطلع من شكمجية الحواديت ويتوثق كما يليق بـ”عبور” حقيقي يليق بجيل كامل تمّ تجهيله وتهميشه وتقزيمه لكنه انتصر، رغم الهزيمة المؤقتة، وتخطي  كل محاولات الإنهاك والتركيع، بس للأسف لم يحظ بفيلم ملحمي يحتفظ فيه البطل برصاصة ويفضل يذلنا بيها طول عمرنا.
تابعت الهاشتاج بفضول وترقب، وأنا بقول لروحي: "هتروح فين يا صعلوك وسط الملوك".. الحقيقة إني ماكنتش موجودة في مصر وقت الثورة تحديدا، ومشاركتي كما سأرويها كانت هزلية وهزيلة لو هتتقارن بالأبطال المنسيين في ملحمة يناير.
لكن جملة  الهاشتاج نفسها "أنا شاركت في يناير"، وقت قراءتها لازم تلاقي فلاش باك نوّر في دماغك، وتسرح في خمس سنين فاتوا.. ركبت فيهم الحلزونة في أفكارك واتشقلبت كام مرة و كام مرة عافرت علشان ترجع تتوازن وتنتصر للي اطمأن قلبك ليه.. ذكرى يناير مش هتكون زيارة موسمية لتدشين العادات المصرية الأصيلة في زيارة القرافة وقراءة ما تيسر من مانيفستو الخائفين على روح الثورة، لكن هتكون اللحظة اللي بنقف فيها ونسأل: يعني إحنا دلوقتي فين؟!

في لحظة يناير الأولى، كانت مشاركتنا، وعدد من الأصدقاء، عبارة عن فيديوهات بنركب فيها إيفيهات أفلام مصرية مشهورة على خطابات مبارك، واللي انتشرت بشكل أوسع وبخيال أصيع فيما بعد باسم السف والألش على السوشيال ميديا.
كان نفسي أقول إننا كنا بنعمل ده بوعي، أو علشان عندنا تاريخ نضالي عظيم، فاختيارنا للسف والقلش هو نوع مبتكر من النضال والكفاح وشوية حاجات فوق بعض، لكن الحقيقة أن الطريقة دي لو اعتبرناها يعني مقاومة، كانت الطريقة اللي تشبهنا وقتها.. مجرد صعاليك عابرين اختاروا إنهم مش عايزين ينتموا للبلد دي، ونفذوا قرارهم بالفعل جغرافيا، وابتدوا يتعاملوا مع كل ما يتعلق بيها أو بناسها بمزيد من التسخيف والتضحيك، وكأننا ماكناش لاقيين غير القشرة دي اللي تربطنا بيها.
في فترة صناعة الفيديوهات، كنا محاطين بجرعات مكثفة من أهالينا "امشوا جنب الحيط"، واللي بالمناسبة أهالينا ذاتهم مشيوا جنب الحيط طول الخمس سنين، لغاية ما ما شاء الله باختياراتهم، لبسونا في الحيطة نفسها.. ده إن وجدت يعني.
لحظة يناير اللي شارك فيها وعاشها وآمن بيها، هيعرف إن حلاوتها إنك اكتشفت إن فعليا ماكنش فيه حيطة علشان نتدراى جنبها أو نخبي عجزنا وقلة حيلتنا وغضبنا من وضع ماكناش محتاج تحليل سياسي مخضرم، أو بعد اقتصادي حلزوني علشان نقول: “ميصحش كده بأثر رجعي”.. ماكنش فيه حيطة من الأساس، وده كان الاكتشاف الأهم ليناير.. لما الناس اللي كانت –حرفياً- مش عارفة بعض، مشيت خطوة فوق خوفها، وخلعت حيطتها الوهمية من لغلوغها، ونزلت بيها علشان تشارك في ثورة يناير، ولقت نفسها بتضم على بعض في ميدان واحد، علشان تنادي بعلو صوتها: “ارحل”.
لو جرينا الخط دلوقتي من لحظة السف على النظام متمثلا في رفع الجزمة في وش مبارك العكر، ومطالبته بالرحيل، اعتقد إننا في لحظة ذهبية تانية للسف على نفس النظام باختلاف البدلة، مع الحفاظ على صبغة الشعر كاختيار واع للمقاومة والنضال بقى (لو يعني من نفسي هاستخدم المصطلح)، لكن المرة دي مش هيكون بالاحتشاد في الميادين، ولا هيكون برفع فرد الجزم القديمة، ولا هيكون بالحزق بشعارات اكتشفنا بعد كده إن واحد من أخطائنا الواجب الاعتراف بها إننا كنا بنحزق بيها، بس كل واحد كان مركب فردة جزمة في دماغه، وبيفسرها بطريقته، وعلى حسب قاموس معسكره اللي عايز ينتصر ليه.

ويمكن ده أهم ما في يناير 2011 "إحنا ماكناش عارفين بعض.. بس ضمينا على بعض، وبعد ما عرفنا بعض، مابقناش طايقين بعض"، وغالبا هيفضل ده البندول اللي بيتأرجح بين خانات المكسب والخسارة، لأننا لسه مطورناش نظام يشبه ثورة هتسمح لأفرادها أنهم يسدوا كل فجوات الجهل ويحازوا الصفوف ويتعايشوا، بل الأنكى أفرادها اختاروا أوعر الطرق للوصول لده بعد تكويم فواتير من خسائر فادحة.

الوضوح اللي معظمنا مر بيه في لحظة يناير الأولى 2011 وفي كل مرحلة من ساعتها، وفي كل معركة اشتبكنا فيها وتم التضييق علينا في اختيارين، ولا واحد منهم يشبه الثورة أو معسكرات لا تشبه الأقلية، اللي ارتضينا إننا نعمل ليها لجوء إنساني أبدي، هو ذاته الوضوح اللي بيعيد نفسه دلوقتي، فكل الورق دلوقتي على الترابيزة أو كما قال حسبو: "كل شيجين أنكشفن وبان"، و ده ما يجب استثماره والبناء عليه لو أمكن.. الوضوح ده مش هيستوجب بس إننا نطمن إن بالرغم من مسار الهزيمة أو سيناريو السقوط المحتمل، لكنه هيفرض علينا الحفاظ على ما تبقى من إيمان بالثورة وحمايته، حتى لو كان بالانسحاب الجزئي وإخلاء الملعب لعواجيز الدولة المسعورة، وهم نازلين يسخنوا بشورتات دبلان، يشوطوا في الناس وناسيين إن مفيش كورة أصلا.

الوضوح ده برضه هيخلينا واثقين إن الفعل الثوري في يناير، اللي ماتفهمش لغاية اللحظة دي.. إزاي اتحول لزخم ثوري، مش هيعيد نفسه تاني في يناير 2016 (يااااه.. هو مرت علينا السنين دي كلها)، يمكن لأن السيناريو اتهرس خلاص وإحنا شعب ملول بطبعه، ويمكن لأن الوعي اللي بيتشكل على مدار السنين بقى مدرك طبيعة اللحظة اللي واقفين فيها وطبيعة الرمال المتحركة اللي بنقاوم بيها السقوط المحتم للجميع.

على صعيد آخر (زي ما بيقولوا في نشرة التاسعة) النظام اللي تم التضحيك عليه ورفع الجزمة في وش رمزه في ميدان التحرير في يناير 2011، مش مختلف عن قرينه يا زواوي في 2016،  يناير، وتمّ تشخيص الحالة بتسيب في المفاصل مع علامات قوية على وجود هلاوس سمعية وبصرية تسببت في ضلالات فكرية مفادها أن النظام الحالي عايز الجماهير الغفيرة المؤيدة له تنزل, للمرة اللي بطلنا نعدها، تثبت ولاءها ومباركتها الشعبية له، وتحتفل وتقدم قصرية ورد تترزع على دماغ أذرعة القوة.


المشهدة الحالي بيفكرك بعبد الفتاح القصري لما قرر في لحظة تجلي إنه يفرق راسه ويقول كتاكيت، لكنه اتحول لمريض بالهلاوس، وابتدى يصدق روحه وبيطلب من الجماهير إنها تصدق هلاوسه وتشتريها وتنزل تحارب معاه في معركته ضد الولاحاجة، أو ماتنزلش مش عارفين يعني.. أهو رجل بره ورجل جوه.. بس المهم خليكوا موجودين على العتبة يمكن نعوزكم.

يمكن اللحظة الخيالية الرومانسية اللي اتعاشت في يناير 2011 كانت عظيمة وعصية على التفكيك، لدرجة إننا بنخاف نقف عندها لتفقد بريقها وقداستها عند المؤمنين بيها، واللي بيدفعوا تمن ده لغاية دلوقتي، لكن الخيال هو اللي هنحتاجه علشان نعيد تشكيل الكورة اللي هنشوط بيها، ومين عارف؟! يمكن الجون ييجي.. مش علشان الجون في حد ذاته، ومش علشان إغراء الانتصار لأنه هيفرض علينا تضحيات -يمكن فوق احتمالنا- لكن علشان على الأقل نشوف إن ما آمنا به يطلع له معنى في نهاية الفيلم، لما اخترنا ننحاز ونلعب مع الخسران زي ما قال فارس في فيلم “الحريف”.

حقيقي إحنا مش مش بنختار نخسر، لأننا مهووسين بتعذيب الذات أو مدمنين للتيه في صحاري وطن تفنن القائمون عليه في إفقاره وتركيعه لأبعد مدى، أو لأننا يعني غاويين نخبط دماغنا في الحيطة، لكن لأن لحظة يناير اللي النظام بغباوته وناسه ودراعاته وإعلامه لا هيقدر يفهمها ولا يستوعبها.. كانت لحظة إدراكنا إن في الأصل مفيش حيطة، وإن خوفنا  مالوش أساس، وإيماننا اللي بيتجدد أوقات بينقص وأوقات يزيد، لكنه على مدار الخمس سنوات، وروحها موجودة.

الجمعة، 1 يناير 2016

معاكش كراميلة؟

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 11 يناير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- معاكشي كراميلة؟- موقع زائد 18

"بالأمس بدأ برلمان مصر المرتقب منذ ثلاثة أشهر وسط أجواء احتفالية بمسيرة الديمقراطية في عهد الرئيس المنتخب من الشعب بأكمله"، هكذا ستطالعنا صحف المؤسسات القومية مهللة للحدث العظيم! القلة المندسة التي لا تزال معنية بالشأن العام كلعنة فرعونية لا تستطيع الفكاك منها، وإن حاولت، ترى أن أولى جلسات البرلمان هو بداية متسقة تماما لامتداد خط القبح الذي يختصر كل هزيمة مستحقة في مرحلة اللاثورة والولاحاجة، فتلك الانتخابات التي شهدت جولاتها العودة لكل ما ومن قامت عليه ثورة يناير، والتي استعان فيها المرشحين بذخيرة تملق آملين أن يجدوا لهم مقعدا في سفينة نورماندي قبل أن تهوي بنا جميعا نحو الخراب الكامل، معلنين بكل فجاجة عن انتمائاتهم السياسية التي ثار الناس يوما لهدمها، منتشرين في شوارع الوطن كخلايا سرطانية لا أمل في تحجيم توحشهها ولن يجدِ معها أي تدخل علاجي، منطلقين بفرق الزفة والمزمار البلدي في إعلان فوزهم المؤطر ضد كل قيمة إنسانية حقيقية للعدالة نستحقها جميعا.
يأتي البرلمان في جلسته الافتتاحية كأحد تماثيل القبح التي تنتشر في مداخل مدن جمهورية مصر للولا حاجة العربية، فقد شهدت مصر طيلة الأشهر الأخيرة محاولات كللت بالنجاح منقطع النظير لتأصيل القبح وبخاصة البصري منه، فنجد تمثالا لنفرتيتي بس بعد ما داس على وشها القطر رايح جاي، وأحد ميادين العاصمة قد تفتق ذهن رئاسة الحي بها على جعل زجاجة كاتشب رمزا للميدان، أو تمثال عروسة البحر التي تحولت في غفلة من عمرالزمن وتبادل الأدوار في الأسطورة لتلعب دور الأشكيف المخيف، نهاية بتمثال يقال إنه ينتمي للعصر اليوناني فيما نراه مجرد إعلان لرجل يرتدي لباسا داخليا معلنا عن شركة الملابس القطنية الأشهر في عمر دمّور الوطن.

ها هو الحدث "المرتقب" يقف على مدخل وطن بأكمله كتمثال يجمع في كل زاوية منه قبحا لا تكاد تخطأه العين، وكأن القائمين عليه تعمدوا أن يجمعوا كل هذا القبح في عمل فني واحد ليضعوا عنوانا يليق بإسدال الستار على مسرحية سيضحك فيها الكثيرون، لكننا حينما نغادرها سنبكي مرارة وحزنا على ما وصلنا إليه.. سننظر طويلا إلى أشباه الزومبي النافرة عروقهم أمام الميكروفونات يلوكون بألسنهم كل ما نؤمن به، ويصلون بالابتذال حد السكين، في كل مرة تطالعك وجوههم ستجد نفسك متقمصا القذافي في سؤاله الخالد: "من أنتم؟".. سيصيح البعض أن علينا أن نرضخ ونخضع لاختيارات "الشعب".. لا ندري أي شعب، وأين نحن من هذا الشعب؟ نحن الأرواح الهائمة الرافضة لكل عفن وقبح، وتعاني اغترابا متجذرا منذ سنوات تفتح وعيها، فهي عاجزة أن تجد لنفسها موضعا في طاحونة تهرس كل ما نؤمن به، ذلك الاغتراب الذي ظننا أننا تعافينا منه حين لضمنا في دائرة حلم أكبر، حيث كانت 25 يناير.. الانتماء الأوحد.. نحن المشاهدون بصمت ممرور خيبات متتالية وهزائم لا تنقطع وملل المعارك الخائبة كفيلة بأن تفقد كل منا عقله وبوصلة روحه السليمة في تمييز المواقف والأشياء والأشخاص.
سنزداد اغترابا وانسحابا وستضيق علينا مسام الجلد كملاذات آمنة، لكننا سنظل نرصد ما يحدث غير آملين في التغيير، لكن لربما لأننا سنكون هنا حين تحدث النهاية وسيسدل الستار أو لربما المسرح كله هيقع ويتطربق على دماغ أهالينا.. سنظل ها هنا نرصد ونوثق ونشير إلى خيباتكم وهزائمكم وقبحكم.. سنعاني كثيرا أو لربما سنصل بمعاناتنا حد التبلد، فلا نشعر بشيء وتلك السكين تقتطع من أرواحنا جزءا تلو الجزء.. قد يتجدد وقد يضمر بفعل اليأس المستحق لما نراه.. سنعاني ليس لأن لدينا بقايا أمل تنفر برأسها بين الحين والآخر، فالأمل في أرض الخراب أصبح ترفا لا يقدر عليه عقل يحاول جاهدا ألا يفقد قدرته على أن يبصر ويتمسك بما تمليه فطرته السليمة أو هكذا نظن.
سنعاني لأننا بالفعل كما قال الرئيس المتاخد “مرسي” الله لا يرجعه هو أو عشيرته.. إحنا على منحدر الصعود، بالفعل نحن على منحدر الصعود نحو الهاوية.. حيث السقوط سيصبح مدويا.. للجميع.
لكن قبل أن نسقط، فلنقتبس أحد أشهر الجمل الافتتاحية التي تعود بنا إلى زمن 1919 "معاكشي كراميلة؟"، ميعرفوش إنها اتلغت خلاص ودلوقتي مصر هتبقى أم الدنيا في مضغ وعجن وهرس الـ”أرواح” يا سعادة النائب الـ”محترم”.

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

و عندك ربع كيلو "طاقة إيجابية" و باتنين جنيه "بهجة" و متنساش السلطات!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 15 أكتوبر 2015

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.

مقالة: "وعندك ربع كيلو طاقة إيجابية!"- زائد 18

و عندك ربع كيلو "طاقة إيجابية" و باتنين جنيه "بهجة" و متنساش السلطات!

منذ فترة ليست بالقصيرة ظهر علي مواقع التواصل الاجتماعي مصطلح "الطاقة الإيجابية"،و في بداية ظهوره اقترن بجزء كبير من محاضرات التنمية البشرية الهادفة لإشاعة روح التفاؤل والأمل الداعمة والمطلوبة عند مرور البعض بلحظات إنسانية هشة تتطلب وجود دعم نفسي حينئذ. وعلي الرغم من الجدل الخاص الجدير بالطرح حول "التنمية البشرية" هل هي بالفعل علم حقيقي أم مجرد حالة من الوهم يلجأ إليها بعض المعالجين النفسيين أو المدعيين للإيحاء لمرضاهم أنهم قادرون علي تحمُّل مشقات الحياة، إلا أن المصطلح لم يتم طرحه كجزءٍ من كلٍ يمكن الأخذ به و الرد عليه بقدر ما تمّ التعامل معه شيئا فشيئاً علي أنه نظرية غير قابلة للدحض أو التفنيد، بل و ظهر لدينا أتباع الدين الجديد "ديانة البهجة" و متبعي طقوس "الطاقة الإيجابية". و خلونا نتكلم أن الموضع ابتدى بمجرد تبادل صور يمكن تصنيفها تحت تيكت انها صور "مبهجة" وتكون عادة إما لقطات لأشخاص مبتسمون دون أن يخبرنا أحدهم هل هم مبتسمون بالفعل لأن هناك ما يستحق الابتسام، أم أن لديهم قصة تروى لم نعرفها فهي أعمق من مجرد ابتسامة عابرة أم أن الأمر أتفه من كل توقعاتنا و أن تلك الصور "المبهجة" لم تكن سوى بعض المتطوعين الذين طلب منهم أن يقفوا لأداء مهمتهم أمام الكاميرا وصودف أن مهام وظيفتهم هي الابتسام!

 جميع الاحتمالات ممكنة، و جميع الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة و هي إشاعة جو من التفاؤل و السعادة بألوان قوس قزح، فلا أحد يريد أن يفتح عينيه صباحاً علي مأساة أو خبر مفجع. ثم أخذت الديانة في التشكل لتبدأ مرحلة التبشير بالدعوة و ذلك من خلال هاشتجات توثيقية مثل "بهجة/فرحة/ سعادة/ بلالين/ النور اللي في اخر النفق/ بهججة/ براح/ زقططة" و غيرها مما جعل دائرة المريدين تتسع لتضم الدعوة عدداً لا بأس به من الناس العابرين. قد يبدو الأمر حتي هذه اللحظة لاشيء يدعو للاهتمام أو التوقف، فالأمر لم يخرج من نطاق المشاركة الإنسانية و التواصل و هذا أحد أهم أسباب التواجد علي شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة أن بحث الشخص عن السعادة و ما يروق له هو حق إنساني أصيل.

جاءت اللحظة الحاسمة بانتصار الديانة الجديدة فأصبح لدينا عالما متكامل الأركان  من "البهجة" دون تساؤل هل هي حقيقية أم مجرد لقطة عابرة من كاميرا مصور زهقان و هل تصلح بالفعل كفعل مقاومة حقيقي. من يعمل في مجال الطب يعلم أن هناك ما يسمى ب placebo و يمكن تفسيره بإعطاء بعض أنواع المرضى "دواء" هو في حقيقة الأمر عدد من الفيتامينات التي لا ضرر منها و قد لوحظ أن حالتهم المرضية تتحسن بالفعل. لم تعد ديانة "البهجة" و طقوس "الطاقة الإيجابية" مجرد "دواء" لبعض مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، بل تحولت الديانة الجديدة لأداة تمييزية ونبذ لمن رفضوا إعلان الشهادة أو الطواف حول كعبتها. أصبح لدينا الآن مصطلحاً يتم استخدامه بكل أريحية للنبذ، ألا و هو "الطاقة السلبية" و ذلك يبدو منطقياً للغاية فقد تمً تمرير المصطلح الأولي "الطاقة الإيجابية" دون أدنى مقاومة و لربما في حالة انهزام و سحق جماعية و ظمأ للتشبث بالأمل و النبش عنه في تفاصيل الحياة الصغيرة. فأصبح لدينا طاقة يمكن وصفها بالكراهية لكل ما/ من يمكن تصنيفه علي انه "طاقة سلبية" و أصبح لدينا تواطيء بالصمت علي نبذ كل من يجاهر بالمعصية و يعلنها أنه/ها لا يتبعون "ديانة البهجة"،و أصبح الوصم أن من يلجأ إلي المساحات المفتوحة علي شبكات التواصل الاجتماعي لبث همه و شكواه هم أشخاص يتسولون الاهتمام و يسعون لجذب الانتباه فبالتالي يجب توقيع أغلظ العقوبة عليهم و جلدهم بسياط الوصم أنهم "ناشري ذبذبات الطاقة السلبية" و أنهم اللي "خرموا الأوزون" و يجب أن يتم نبذهم و تجاهلهم. فكانت النتيجة أن البعض أصبح يتحسس موقع قدمه في ذلك الصندوق الأبيض المتقاطع مع الكثير جدا من فقاقيع البهجة، كما أصبح الفرد يتحسس كل كلمة لربما فرقعت بلالين الطاقة الايجابية المنثورة في الأرض بعد أن تمّ الانتهاء من نشر تراتيل السلام بين ربوعها ولم يعد لدينا سوي محاربة الشرذمة الضالة "بتوع الطاقة السلبية" الأوغاد. 

انطلقت كتائب مجاهدي البهجة في ربوع الكوكب الأزرق في ملاحقتهم والتسفيه من محاولة البعض الجديّة في الصراخ التي تتطلب الكثير جدا من الشجاعة النفسية في اعلان علي الملأ الافتراضي "نعم نحن بحاجة للمساعدة، نعم نريد أن نلقي بعض الاهتمام، نعم نحن محبطون لدرجة أننا نكتب عن معاناتنا في تلك المساحة الوحيدة المتبقية، نعم نحن نعاني و نبحث عن قشة للتعلُق". و قد يكون أن شبكات التواصل الاجتماعي قد شهدت من قبل استغاثات من مستخدمين أعلنوا عن إقدامهم عن الانتحار و لم تؤخذ بالجدية الكافية، أو تمّ التفاعل معها بصورة جدية و أسفرت عن مهزلة جديدة لن نتطرق إليها فيكفينا أنها تركت مكسباً إنسانيا لا يجب أن يستهان به ألا و هو أن بداخلنا لازال ذلك الخيط الرقيق القادر علي الاستماع لأنات البشر وتلبيته مهما كان كاذباً أومخادعاً وليكفينا أننا حين نستطيع سنمد لهم يد العون إن أمكننا ذلك فلربما ما يحتاجون إليه في تلك اللحظة مجرد ربتة علي الكتف وإحساس يعيد إليهم إيمانهم أن معجزة الحياة ما زالت موجودة و أن كل شيء ممكن ولربما  "عايزين يحسوا إنهم متشافين يا أخي" و مع كل تلك الاحتمالات فذلك قد يكون يداً تأخذ بهم بعيدا عن قرار الانسحاب أو التقوقع حول الذات أو القرار بمغادرة الحياة بأسرها.

    لم تتوقف ديانة "البهجة" و طقوس "الطاقة الإيجابية" عند مجرد مستخدمين عشوائيين علي شبكات التواصل الاجتماعي قد يُغفر لهم سوء الفهم و التقدير و الكثير جدا ً من الأنانية التي تفرضها قواعد استخدام التكنولوجيا، بقدر ما أصبحت منهجاً تتلقفه الدولة لترويج ما تروج له ليمر بين مؤيديها في سلام و في تواطيء مخجل. حين دشنت الدولة بإعلامها هاشتاج "مصر بتفرح" لم يتوقف أحد للسؤال البسيط الساذج "أيوة يعني ايه؟" انغمس الجميع في الطواف حول كعبة البهجة الجديدة، تكالبت الجماهير في إظهار طقوس "الطاقة الإيجابية" حتى أني رأيت بأم عيني في أحد شوارع البحر الأعظم عربة نقل كبيرة بها عدد من السيدات و الرجال يرقصون بشكل هستيري في منتصف الليل ظننته للوهلة الأولى أنه احتفالاً ب"عفش عروسة" لكن فاجأتني الإجابة "لا يا أبلة، دي مصر بتفرح". أذكر حينها أني لم أكن فرحة،وأذكر حينها أن محاولات البعض للتخفيف من هستيريا "افتعال الفرح" قد تمّ وصمها بأنها عبارات لتكسير الهمم و المجاديف لاتصدر سوى من عملاء أعداء الوطن ويجب معاقبة مروجي الطاقة السلبية بالنفي من جنة الوطن المنتظرة. لم يتساءل و لن يتساءل المؤمنين بديانة البهجة وقتئذ "هو احنا كنا فرحانين بإيه؟" طب و يا تري إحنا لسه فرحانين؟ طب فيه أمارة للفرح طيب" و غيرها من تلك الأسئلة البسيطة المشروعة جدا. تم الاكتفاء و الاحتفاء بانتصار مزيف لل"فرح" و بتدشين الهاشتاج الذي تم الردم عليه كما تمّ الردم علي مناسبة صنعه من الأساس.

فلنعترف أننا في هذه اللحظة نعاني الهزيمة أمام دولة حالفة يمين طلاق تلاتة "إننا نفرح" مع إن يعني مافيش دليل واحد بيشاور علي الفرح و لو من بعيد يعني، وبعدين يعني هو احنا نكره. لكن من ناحية أخرى مافيش مبرر أن نستمرىء هزيمتنا في المساحة الانسانية الوحيدة المتاحة للتنفيس و هي شبكات التواصل الاجتماعي،و إن يكن هناك من فعل يستحق أن نفعله في تلك المساحة المليئة بالوصم و النبذ و المشاجرة والتمييز فهي فعل "أنسنة التكنولوجيا". قد يبدو ذلك مُغرقاً في المثالية، لكن لماذا لا نبدو إنسانيين في عالم افتراضي يثبت يوماً بعد آخر أنه ليس مجرد عالم ينطفيء بمجرد ضغطة إصبع، لماذا لا نخطو خطوات نحو تقديم الدعم لمن يعلنون أنهم في حاجة إليه و يتلمسون آخر بصيص لهم بعد أن ضاقت عليهم الجدران الأربعة في الحياة الحقيقية فهربوا إلي عالم الشاشات، لماذا لا نطرح أنفسنا مجرد بشرعاديين لنا لحظات "فرح" حقيقية و لنا لحظات هشة تستوجب قدراً  من الشجاعة لإعلانها فهل يكون جزاء ذلك الاستهزاء بتلك اللحظة و وصم أصحابها!

و لايُفهم من ذلك أن نتقمص جميعاً دور "دكتور خشبة" و ننطلق لممارسة العمل النفسي فلنتركه للمتخصصين هم أقدر منّا بذلك، لكن أقل دعم ألا نجعل تلك المساحة الضيقة بالفعل تضيق أكثر فنتلفت يوماً و نكن قد فقدنا بالفعل شخصاً عزيزا لدينا لم نكن متنبهين لمعاناتهم و حين تنبهنا تأخرنا جدا في الوصول. دعوا من تصنفونهم بائسين و أصحاب الطاقة السلبية و الشرذمة الغير مؤمنة بديانة البهجة و المتمردة علي طقوس "الطاقة الإيجابية" يعبروا عن أنفسهم و آلامهم و معاناتهم لربما عابر قادر أن يمنحهم معجزة ما،  افسحوا لهم مكاناً فسفينة النجاة لن تقلع ب"الفرحين" فقط.

حاذوا الصفوف و خلي الكتف في الكتف و ضموا علي بعض وقت الضيق و "أتأنسنوا" يرحمكم الله.

الخميس، 1 أكتوبر 2015

أعزائي حوامل الماجستير والدكتوراة!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 2 أكتوبر 2015

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- أعزائي حوامل الماجستير والدكتوراة!

تناولت مواقع الأخبار فيديو عن فض أحد الوقفات السلمية لحاملي الماجستير والدكتوراة من قبل قوات الأمن، عزيزي المتابع للشأن المصري من على مدرجات المتفرجين، تقبل الرغى في السطور المقبلة فيما يتعلق بمسألة "حوامل" الماجستير والدكتوراة في بلدنا الحبيب، اللي هتبقي قد الدنيا.. بس إحنا نصفي النية ونقول ان شالله.

#  من بداية ثورة يناير العظيمة، حدثت انتفاضة حقيقية من قبل حملة الماجستير والدكتوراة كجزء من الإحساس العام في وقتها أنه دقت ساعة العمل والمطالبة بالحقوق، ولأول مرة نفكر روحنا ونسأل بصوت عال: متقولشي إيه إدتنا مصر؟ إحنا فعلا محتاجين نعرف إيه حقنا في البلد دي.
علي مدار أربع سنوات شهدت قضية حملة الماجستير والدكتوراة تظاهرات واعتصامات أمام مجلس الوزراء وووزارة التعليم العالي امتدت لأيام.

# عزيزي/ عزيزتي "الحامل" لازم تعرف بلدك، على سبيل المثال: من سنتين كان يوجد عددا كافيا من الدرجات المالية بالجامعات المصرية لاستيعاب أعداد المتظلمين من حاملي الماجستير والدكتوراة، لكن لأن الدولة بتقوم على مبدأ واحد وحيد لا تحيد عنه على مر العصور، وهو: ليه نخليك تاخدها بالساهل، لما ممكن نطلع عينك؟ الدرجات المالية بيتم إخفائها إما في درج موظف يملك من القدرة والسلطة على الفعل، إنه ينام قرير العين وتكون النتيجة إما إن الدرجة العلمية تُحفظ للمَرضي عنهم، أو يتم حجبها عن المغضوب عنهم من باب فرد العضلات واستعراض السلطة.

# في عهد تولي الإخوان الحكم، واللي ظهر في تولي عدد من القيادات الإخوانية البارزة لمناصب رؤساء الجامعات وبخاصة في الصعيد، تم استجلاب حيل الدول المباركية القديمة والتي لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وهي امتصاص غضب الغاضبين وتحويله لـ "ولا حاجة" بعد تفريغه تماما من مضمونه الحقوقي المستحق جدا..  تمثلت الحيلة الخبيثة النميسة في تهدئة المطالب الفئوية لـ "حوامل" الماجستير والدكتوراة بطرح فكرة أن الجامعة ستنشيء "مراكز بحثية"، وتمّ الحشد للفكرة على مستويين: الأول الاستفادة من خبرات أبنائنا الحوامل،  الثاني إتاحة فرصة للحراك العلمي داخل الجامعة.
وتحت مظلة الكلام المعسول، تمّ تخدير جميع الحالمين، وتمّ تجميع أسماء جميع أبناء الوطن اللي فاكرين إنهم هيشتغلوا في مركز بحثي زي معهد ماستشوستس للتكنولوجيا مثلا وعينوهم بالفعل، ليبدأ المشهد البديع التالي من المسخرة الجامعية.  جابوا كارتونة تلاجة وقيفوها كده وكتبوا عليها "مركز بحثي" وابتدى الطلاب النابيهن يستلموا ويروحوا يمضوا ع الكرتونة على أمل طبعا إن الكرتونة هيتنفخ في صورتها وتتحول لكيان فهمي رسمي نظمي، وده طبعا ماحصلش، وحتى تاريخه ماحدش فيهم قبض حاجة.بس الحمد لله بيمضوا كل يوم على "الكرتونة".

كل ما حدث هو أن حالة الغضب تم امتصاصها وتفريغها من معناها وتحويلها لخيبة أمل جديدة ودايرة من الـ "ولا حاجة" والإحباط المتراكم، ولا ننس الدعوة على الإخوان آناء الليل وأطراف النهار.

# هل معنى كده إن مفيش ناس استفادت من الوضع؟ ابسلوتلي.. فيه ناس كتير من الحوامل (ماجستير ودكتوراة) عرفوا "يماينوا" وعرفوا يخترقوا منظومة القوى والفساد جوه الجامعة، ودول اللي كانوا القادة الحنجوريين اللي بيجمعوا الأسماء وبيمضوا الناس علشان تبان كتير، بس لما بيخشوا يتفاوضوا جوه، اتفاوضوا على مكاسب ليهم هم شخصيا، وباعوا الشيلة كلها، وبقوا دلوقتي دكاترة جامعة ومشاريع فساد مستقبلية تشرح القلب.

# اللقطة بتاعة حملة الماجستير والدكتوراة صعب تتاخد لوكشة واحدة بدون تفتيت وبدون معرفة أصل البلاء منين وبدون معرفة القضية الحقوقية اللي هتتصدى ليها؟ لأنه ببساطة إذا أنت طالب دراسات عليا واخترت بكامل قواك العقلية إنك تكمل، يبقى ده مش معناه بالضرورة إن الجامعة ملزمة إنها تعينك كعضو هيئة تدريس مثلا، لأنك أنت اللي قررت وحد ضحك عليك وسقاك حاجة صفرا وقالك كمل.
قد يبدو كلاما صادما أو كلاما أقرب للي هتسمعه من قبل أي دولجي، لكنه هيظل أحد المعطيات اللي بتكوّن مشهدا معقدا زي أي مشهد من مشاهد السيرالية في حياة مصرنا الغالية.

# بالنظرة من واقع نظام الدراسات العليا، كتير مننا عارف يعني إيه تاخد ماجستير ودكتوراة. ممكن تكون من المَرضي عنهم، فتاخدها سكينة في الحلاوة، وممكن تكون من المغضوب عليهم والضالين، فتقضي عمرك بتحلب في تور، فطبيعي إنك بعد ما بتعمل المشوار ده، وبتستهلك من مواردك المحدودة وأعصابك وصحتك وشبابك، طبيعي جدا ومفهوم إنسانيا إنك تنتظر إنك تشوف النور اللي في نهاية النفق. طبعا فيه نور تبهت فيه العيون ويرجى ارتداء نضارات الكسوف الشمسي الشهيرة، يسعدنا أن نزف إليك عزيزي/عزيزتي “الحوامل” أن الدولة بتديك أربعة جنيهات ونصف لو إنت حامل في الماجستير، واللي بيتنفخوا بيبقوا سبعة جنيهات ونصف لما بتبقى "حامل" الدكتوراة.. ها عجبك النور؟! إيه رأيك؟ يلا اقلع النضارة واقلع غماك وارفض تلف.

# الشروط دي مش هتتغير غير بقوة ضغط تغير منظومة الدراسات العليا في الجامعة كلها، ودي سبوبة كبيرة بالمناسبة لدكاترة الجامعة. قوة الضغط إن طلبة الماجستير والدكتوراة يغيروا شروط اللعبة، تغيير شروط اللعبة مش إنك تكون جزء من منظومة فاسدة، وبعد ما تشتري شروطهم تجيلك شوية قوة تهد جبال وتفتكر إنك هتقدر عليهم، معلش. هي فورة الهرمونات النضالية بتعمل أكتر من كده.. .أنت طبيعي، بس انظر حولك.. . بلدك مافيهاش أي حاجة طبيعية وأي محاولة للمنطق هتنتهي إنك فارق راسك ولابس بنطلون بيجاما وواقف بتنظم المرور، ونروح بعيد ليه؟ البلد اللي حضرتك عايش فيها، كانت هتجيب شخص ماسك إيريال تلفزيون روبابيكيا وطلع على شاشاتها وأعلن إنه هيعالج أكثر الأمراض فتكا بحياة الفقراء، وبدل ما يلبسوه القميص عكس عكاس، تمّ الاحتفاء بيه في جميع الأوساط، فمن فضلك حط المنطق على جنب خالص، علشان ما تبقى من صحتك وإيمانك وخلايا دماغك.. تغيير شروط اللعبة إنك أنت نفسك تتحول لقوة والقوة تترجم لضغط ينفع تحقق بيه مكسب لمصلحتك أو هيفتح سكة للي بعدك.

# تغيير الشروط إنك تطلع بره المنظومة دي خالص، تقدر تختار ده. يبقي برافو عليك واقطع عنهم المصروف، خللي السيستم بتاعهم يقع وخليهم يقعدوا ينشوا دبان ويبتدوا مايلاقوش طالب من الخارج يكسروا مجاديفه.. يبقى طاقة العفن تتحول منهم فيهم لغاية ما يخلصوا على بعض، وأنت واقف بتتفرج على السوس والهدد اللي بيحصل وهيحصل.. مسالة وقت مش أكتر.

# أخيرا..  أعزائي الـ "حوامل" لو خلاص العلم مقطع بعضه وهتقطع شرايين إيدك، هتلاقي كور دم بيضا وحمرا وعلما يبقى، نصيحة شخصية جدا: يا تدور على منحة دراسية وتتعلم تنافس وترفع سقف طموحك لمعايير عالمية -على الأقل هتتعلم علم ينتفع بيه بدل ما يتركن على أرفف مكتبات الدراسات العليا كوسادة خالية للعنكبوتات الهائمة- يا أضعف الإيمان تمسك المجلات والدوريات المتخصصة في مجالك وتقراهم وتذاكرهم كويس، وشوية بشوية ابتدي اكتب وراسلهم واشترك في مؤتمرات وورش عمل وتدريبات. 

وحياة الغاليين.. ده أبرك ميت مرة من شخروميت صفحة ماجستير محدش بيقراهم، علشان بيبقوا مستعجلين على الغدا اللي بعد المناقشة، ويا ترى هيبقى فيه حمام ولا بط

كاتبة هذه الأسطر "حامل" سابقة وربنا نتعها بالسلامة وجابت ماجستير محندق مركون جنب الشهادة الكبيرة على حائط بطولات صالون بيتنا، وتظل خبرة شخصية جدا وتظل مجرد وجهة نظر.

الخميس، 16 يوليو 2015

كفاية بقر بقى! دراما الموسم- الثانوية العامة

  مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 17 يولية  2015

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- كفاية بقر بقى!


في تقرير يحمل سمة الطرافة بقدر ما يحمل قفزة ثورية في عالم الزراعة، قدمت الـ بي بي سي في مايو 2015 وصفاً عن استحداث نظام تكنولوجي تتمكن من خلاله البقر من حلب أنفسهم! النظام الجديد بيقدم نفسه في صور متتالية من البقرات السمان بيتم زراعة شريحة إلكترونية تحت الجلد، وتبدأ البقرات في التحرك وفقا للشريحة اللي يمكن اعتبارها "بطاقة هوية" للبقرة تمكنها من حجز مكان في مسارات محددة لكي يتم حلبها.

يعتمد النظام على تحديد "هوية" الأبقار من خلال الشريحة الإلكترونية لتحديد كمية اللبن التي يتم إدرارها، وبالتالي اعتبارها "أوفر الأبقار حظا" والأولى بالرعاية الغذائية والصحية فيما بعد. يذهب التصميم الذكي إلى مستوى سريالي من الطرافة غير المستبعدة للتحقق على أرض الواقع حين يشير أن بإمكان إدخال خاصية تكنولوجية فيما إذا أثارت البقرة شغبا أثناء عملية الحلب أو كما ذُكر تسببت في المتاعب، فسيتم إرسال رسالة نصية للمزارع الذي تمّ توصيفه بأنه ولي أمر "البقرة".

على الرغم من أن التقرير أثار جدلا بين المدافعين عن حقوق "الأبقار" في كل من بريطانيا وهولندا وأستراليا واعتبار التكنولوجيا تتعدى على ما تمّ وصفه بالرادع الإنساني للممارسة اليومية، فإن نفس التقرير قد يثير جدلا لايقل أهمية عن مشهد الأبقار السمان المتراصات بمحاذة إحداهن الأخرى في انتظار الحلب على جانب آخر من العالم.
انطلقت منذ ساعات صافرة "مارثون الثانوية العامة" في جمهورية مصر العربية، امتلأت صفحات الأخبار بأسماء وصور شباب وفتيات ملتصقا بهم نسبة مئوية تمثل قيمة ما تمّ تحقيقه من إنجاز في تلك الموقعة التي تصفها الثقافة المصرية بأنها معركة “مصيرية” فارقة.

عزيزي اللي مستني نتيجة أفشل وأسخف وأحط اختراع اسمه “تنسيق الثانوية العامة”.. اسمحلي أقولك:
إذا كان البقر في الخبر أعلاه مستني دوره في انتظار تطبيق التكنولوجيا عليه، علشان نعرف مين البقرة العفريتة اللي هتدينا إنتاج أكتر، إنت متختلفش عن البقرة بطلة التقرير كتير!

عزيزي القاريء قبل ما تجهز ليستة الشتايم وتتهمني إني باقتل الأمل الأخضر الورور في القلوب الخضرا الورور برضه في الزمن الأخضر الورور، إشمعني هو يعني اللي مش هيخضرّ، أحب أعرفك بنفسي.. 

محسوبتك "بقرة" سابقة، ابتدت عملية التسمين ليها من أولى ابتدائي من خلال الحشو والتدفيس في صفحات كتير وأكاد أقسم بـ "حوافري" العشرين إني مش فاكرة منهم أىّ كلمة غير نشيد الأبجدية الإنجليزي. ارتبط في تعلمي بشكل شرطي بالمزيكا والفساتين الملونة والحفلات الغنائية في نهاية العام الدراسي.

عملية تسميني كبقرة استمرت لحد مرحلة الثانوية العامة، واللي الأستك اتشد فيها لأقصى مدى ممكن، أشبه بحالة الطواريء في أوقات الحروب، والحمد لله عدينا وجبنا خرطوم المية وفسيناه في الحيطة المنيعة وعبرنا بمجموع يليق ببقرة مطيعة بتسمع كلام صاحبها وبتاكل كل الـ "برسيم" اللي بيتقدم ليها وبتمضغه وبتهضمه كويس وبتعيد إنتاجه في شكل إجابات شافية كافية وافية في أوراق الامتحانات زي ما شوال "البرسيم" نص بالظبط.

وتمّ المراد والـ "بقرة" يمكن صورتها مطلعتش مع أوائل "البقر"، لكنها قدرت تلعب في شريحة البقر المتميز اللي كان بينه وبين الدرجة النهائية اللي مفيش حد في أي نظام تعليمي مطلوب منه يحققها أصلا، لكنه – ياللهول- كان فاضل على الحلو تكة.

كبقرة سابقة، خليني أقولك إن الأربعين خانة اللي بتملاهم في التنسيق، واللي غالبا هتجيلك منهم الرغبة (32) في جواب مسوجر على باب بيتكم، مش هم دول قيمتك في الحياة ولا النسبة المئوية اللي وصلت لها، مش هي دي أهميتك، وبلاش تخليها ملتصقة بيك وكانها جزء أصيل في هويتك اللي لسه بتتحسس طريقها، علشان تثبت وجودها كإنسان مش كـ”مجموع طالع له راس بني آدم”.

خليني أقولك إنك هتخوض حوارات مالهاش لازمة عن الاختيار البرستيجي للكليات والاختيار الجغرافي للأمنيات والاختيار الجندري للتخصصات والاختيار الكلاسيكي “أومال مين هيشيل اسم العيلة ومين هيفتح العيادة من بعدي (صوت برطمة داخلية أنا عايزة افتح كشك أصلا) والاختيار النفسي لإشباع رغبات الوالدين اللي مقدروش يحققوها لروحهم في عمرهم، فقرروا يخلفوا كائنات شبيهة لهم، مهمتها إنها تدعك الفانوس وترجع بالزمن أكتر من تلاتين سنة، علشان تنكش الحياة في شكمجية أحلام الوالدين.

كـ “بقرة” سابقة خليني أقولك إنك عزيزي الحامل للشريحة الإلكترونية اللي مش متشافة ومزروعة تحت جلدك، هيتم دفعك دفعا، علشان تمشي في مسارات محددة سابقا، على عكس رغبتك الحقيقية. هتقف في طابور طويل ملتحم مع باقي "البقر"، وهتتشارك الإحساس الغريب المصحوب بالسؤال البديهي: هو أنا ليه مينفعش أدرس اللي بحبه وأشتغل اللي بحبه برضه، وأكمل حياتي بعمل الحاجات اللي بحبها، من غير ما أتخانق مع الأفراد أو في "نظام حلب البقرة"؟! هتفضل تتحرك على حسب ذبذبات الشريحة اللي بتشدك بقوة المغناطيس لنهاية المسار علشان تلاقي نفسك بتاخد "ختم" الشفخانة: جامعة كذا.
هتخش الجامعة اللي لو صادفت إنها رغبتك، فأنت هتكون معروف في السنة الأولى في اليوم الأول من أول شعاع أهو الي شايف روحه/ها "البقرة المقدسة" اللي قربوا يقدموا لها القرابين للعبادة، وإذا كان قرار التنسيق شلوتي النزعة وحدفك علي الرغبة غير المتوقعة في آخر الليستة، فأحب أقولك حصلت لـ "بقر" كتير قبلك، فاثبت كده، علشان إنت وافد على المزرعة الجديد.
كـ "بقرة" سابقة بتكتشف أن سنين عمرك في الجامعة تقدر تسكنها تحت تشابتر "مفيش"، وزي ما خرجت من ابتدائي بنشيد الأبجدية، غالبا هتخرج من الجامعة بفكرة أو اتنين، والكثير جدا من الولا حاجة، وزي ما البقر بيختموها في الشفخانة علشان يتأكدوا إنها صالحة للاستهلاك الآدمي، بيختموك إنت برضه، وإنت متخرج من الجامعة.. هيدوك شهادة "كبيرة"، بس محدش هيفهمك يعني إيه "كبيرة"، ومقاسها الكبير ده مقارنة بمين ومع أنهي شهادة تانية في بلد تانية!

يا صديقي اللي مستني السمنة من بطن النملة وقاعد على أحر من الجمر مستني تنسيق الثانوية العامة، أنا مش عايزاك تحبط، لأننا يا عزيزي كلنا "بقر".إحنا السابقين حاولنا نتمرد على الشريحة المغروسة في الجلد، ويمكن وصلنا متأخر شوية، لكن إنت كـ "بقر" مستجد لسه قدامك فرصة.

استقبل نسبتك المئوية اللي الست الوالدة بتضيف عليها عشرة في المية وهي بتتباهي قدام الجيران، وأعرف إن الرقمين دول مش هم قيمتك الفعلية. خض معركتك بشجاعة في اختيار الكلية اللي أنت عارف ومتأكد إنك هتقدر تنجح فيها، ولو عندك ضلالات مجتمعية وهلاوس عائلية بفعل الضغط المستمر، احسم خوفك بدري رد عليهم ببساطة: إن شاء الله الصبح بدري هنجيب اتنين رجالة شداد هيشيلوا اسم العيلة ويطوحوه لأبعد نقطة ممكنة، وركز إنك تكتشف نفسك إنسانيا ومعرفيا في مجال يناسب قدراتك وتحمل نتيجة اختياراتك بكل شجاعة.

ابني لنفسك طريقة للتعلُم عن الحياة كلها تكون أكبر من حيطان مدرسة أو جامعة او مدرج لسه بيفصلوا فيه البنات عن الولاد أحسن الخطيئة تقع لو كوعك خبط في إيد زميلتك، وأكبر من مقررات تقدر تقراها كلها بضغطة زرار على الإنترنت. 

اخلق لنفسك مساحة حرة للتفكير والاختيار باللي يناسبك، وصَحي فضيلة الشك المنسية.
ببساطة.

اتعلم إنك تجهز روحك للدنيا "الكبيرة" مش بالشهادة الـ "كبيرة" اللي هيختموك بيها كمواطن "بقرة" صالح لم يثر شغبا طيلة فترات انتظاره للحلب المتوحد مع شريحته، المتسق مع مساره المحدد سلفا.

استعد، لكن بدماغ "كبيرة" تكون قادرة إنها تفند وتزيل الغشاوة عن كل اللي هيتباع لك بعد كده في ورق سوليفان، سواء من البشر أو الواقع.

أتمنى لك عتبة جديدة لحياة تشبه روحك وتفاصيلك
وكـ "بقرة" سابقة، أحب أبلغك سلام باقي البقر اللي بيحاولوا يتأقلموا جوه الشفخانة، لغاية ما نتشعبط في جلابية ثورة نؤمن فيها أن التعليم والتعلُّم هم في الأصل حرية واختيار.
وساعتها هنهتف بصوت واحد: "كفاية بقر بقى".