‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، شعر، اللغة العربية الفصحى، أدب.. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، شعر، اللغة العربية الفصحى، أدب.. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 29 مارس 2019

"صديقي في البناية المقابلة"- قصيدة

 قصيدة منشورة بجريدة الأهرام الرسمية- ملحق الجمعة الأسبوعي للأدب والإبداع

جمهورية مصر العربية

تاريخ 29 مارس 2019

صديقى فى البناية المقابلة

ريهام عزيز الدين;

أكتبُ إلى طفلٍ فى الرابعة يقطن البناية المقابلة

يُخبره والده كلّ صباحٍ بصراخ يمتد إلى نافذة غرفتي،

أن ينتهى من تناول طعام فطوره فى خمس دقائق،

أن يعتدل فى جلسته قبل أن تنقضى الخمس دقائق،

أن يكُف عن مُحادثة حبّة الموز فى صحنه،

أن يرتدى جوربه فبلاط المنزل بارد!

كلّ صباحٍ بصراخ يمتد إلى نافذة غرفتي،

يخبره أن يكون مؤدبًا،

محترمًا،

جميلًا،

كى يستحق محبته.

صراخ،

صراخ

صراخ

يقطعه جملة وحيدة خاوية،

«توقف عن البكاء الآن وفورا»


الصراخ يتسلل إلى فراشى بينما أختبىء أسفل الغطاء السميك،

أكتب إليك يا صديقى فى البناية المقابلة لأخبرك عن طفلٍ آخر،

اختبأ ذات عُمرٍ مضى فى خزانة ملابسه

الصراخ القادم من خارج الغرفة،

كان يطرق الباب بكلتا يديه ويركله أحيانا بقدميه الطويلتين.

أكتب إليك يا صديقى لأخبرك أنه لا بأس أن تختبىء بعض الوقت،

حتى تستريح الحُنجرة من الصراخ،

وتكف عن البحث عنك لتكيل لك اللكلمات.

أكتب إليك يا صديقى فى البناية المقابلة،

لأنى عاجزة عن إنقاذ العالم من قسوته،

أو الخطو نحو الصراخ،

واقتلاعه من حنجرته

وإسكاته للأبد.

أكتب إليك يا صديقى لأخبرك أنه لا بأس أن نلتحف العتمة،

وأنه لا بأس على الإطلاق من البكاء

حتى وان أخبرونا بعكس ذلك.

أكتب إليك لأنى أعلم أنك تكوّم الغضب فى معدتك،

تمضغه مضغًا

تؤرشفه بعنايةٍ على أرفف الخزانة

تُعبأ البعض منه فى صناديقٍ ملونة.

تنتهى من ذلك كله دون أن يعلم من بالخارج إرثك القديم.

الصراخ يتعالى،

وعلينا أن ننتهى قبل أن تمضى الخمس دقائق.


أكتب إليك يا صديقى فى البناية المقابلة،

لأن لدينا طريقٌ طويل

كى نتقيأ كلّ هذا الغضب

دون أن نعاود الصراخ على الصوت

أو نبادله اللكمات إذا ما تسنى لنا ذلك لاحقًا.

أكتب إليك يا صديقى فى البناية المقابلة،

لأن كلانا سيمضى نحو حديقته

يُفرغُ أرفف خزانته القديمة،

سيعبر حتمًا كما تمليه طقوس الطريق

نحو طبقات التراب المتراكمة

سيتوجب أن يُفرغ ماءَ قلبه كاملًا

لينبش بكلتا يديه عن محبةٍ لم تلتفت إليه.

الطريق إلى الحديقة يا صديقى فى البناية المقابلة

لن يكون سهلًا متوردًا،

سيؤلم أقدامنا العارية،

سيتوجب علينا مراتٍ -لا يعرف أحد عددها على وجه الدقة-

أن ننسلخ عن جلودنا القديمة،

فى كلّ مرةٍ تتساقط قطعة من الجلد،

يمكننا البكاء،

يمكننا ممارسة طقوس الحزن كاملةً،

واستبدال أحبال الصوت فى الحنجرة

بصوت حانٍ

يخبرنا أنه لا بأس فى البكاء

أو الاختباء

وأن هكذا طرق المحبة مُوعرة

وأن حديقتك ستنبت يومًا لا محالة.

أكتب إليك يا صديقى فى البناية المقابلة،

لأنى عاجزة

وآسفة

وأحبك

وأنتظرك

لنخطو سويا

نحو

حديقةٍ

تنتظر كلانا

بمحبةٍ – جدًا- مُمكنة.


السبت، 1 ديسمبر 2018

صباحاتٌ مُوحشة- قصيدة

 قصيدة منشورة بموقع الكتابة الثقافي

تاريخ 1 ديسمبر 2018

تمت مشاركتها ضمن فعالية مئة ألف شاعر للتغيير، بمكتبة الكتب خان بالقاهرة- جمهورية مصر العربية.


صورة للشاعرة أثناء إلقاء القصيدة في مكتبة الكتب خان بالقاهرة، ضمن فاعلية مئة ألف شاعر للتغيير

صباحات موحشة

إنها أحد تلك الصباحات التي أتوحش فيها محبتك بالكلية

أتعارك مع أمي لأنها حجبت عني الرؤية

أتعارك مع أخي لأنه لا يشبهك بالقدر الكافي

أتعارك مع الحلم لأنك بت بعيد الحضور

أتعارك مع الله- لأني أظن كثيراً- أنه تركني بمفردي

أعلم تلك الصباحات جيداً

التأكد من القدرة على التنفس بشكل منتظم

الربتة على الكتف أن كل هذا سوف يمر

إعادة مضغ العبارات الواحدة تلو الأخرى، دون السماح لأحداها أن تخترق الجدار

لا زلتُ أمارس لعبتي القديمة في الاختباء أسفل مكتبك الصاج القديم

أصنع عالمًا متكاملًا أعيش فيه بمفردي

أعقدُ صداقات متتالية مع أحذية العابرين

أروي حكايا لا تنتهي عن نبتة  باللون الأزرق

تنمو ببطء في منتصف قفصي الصدري

تشدني من يدي شداً لتعيدني إلى الحياة

فلأخبرك إذن ما لا تود سماعه

الحياة لا تعبأ بك

لم تتوقف لحظة واحدة بفعل الغياب

السيارات لازالت تمر في شوارع المدينة تتقيأ الوسخ

طوفانٌ لا يكف عن الثرثرة لكي تتشوش الرؤية أكثر

لا يستدعي أحد ذكراك

شجر المانجو الذي زرعته في سبع سنوات

لم يبكيك

أصابعٌك التي خلّفتها على صفحاتٍ بيضاء بتوقيع اسمك كختم أبدي للمحبة،

تمّ استئصالها بفأس ذات نصل لامع

ثيابك التي بالغت في ابتياعها تمّ تعبئتها بعناية في حقيبة سوداء سيأكلها العفن لا محالة

أطفالك التي أورثتهم الوحشة، يتمترسون خلف جدار سميك من الوحدة

يكممون أفواههم لكيلا يشي نشيج قلبهم بهم في العتمة

الحياة لم تتوقف بالغياب

تسير وفق نوتة موسيقية لمغنٍ استيقظ فاقداً الصوت

تلك الصباحات التي أتوحشك فيها

هي ما يتبقي بيني وبينك

أتعارك لكيلا تنسل خيوط ذكراك من الذاكرة

غير أن ذاكرتي معك خاوية

وتاريخنا الشخصي

يحمل صورة وحيدة

احتفظ بها

لكيلا تصل إليها أصابع غضب قديم.