‏إظهار الرسائل ذات التسميات #قصائد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات #قصائد. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 2 فبراير 2023

أسورتان من ذهب- قصيدة

 قصيدتا "أسورتان من ذهب" و"فلنطهٌ بداية جديدة" تنشران في مجلة ميريت الثقافية

العدد (50)

فبراير 2023


شابٌ تشي به سُمرةُ الجنوب يختلسُ النظرَ إلى هاتفه دونًا عن الطريق

حين يستبدُّ به الشوقُ يُدير الكاسيت بصوتِ قلبه المحترق "يِهِمِك في إيه"

العَرَبةُ التي تحملُنا جميعًا كصلبانٍ خشبيةٍ سيتمُ إحراقُها في المحطةِ التالية

تتأرجحُ بين يدَي السائقِ وتعرجاتِ الطريق

ومسيحٍ ضلَّ الطريقَ إلى جِذعِ النّخلةِ علَّه يجدُ ما فَقَد.

طفلةٌ فَقَدَت دُبَّها المُفضلَّ للتوِّ

تبحثُ بين أرجُلِ الجالسين عن ساقَي والدها الطويلتين

تعودُ بخيبة.

فتاةٌ لها عينان بلونِ السبانخ تؤكدُ للصوت أنَّها في الطريق إليه

قد يتطلَّب ذلك ساعةً أو عامين.

 

نمرُّ على صناديقَ زُجاجية تقفُ بها نساءٌ عاريات

يُخبرنَ المارَّة أنَّ ثمة تخفيضًا هائلًا على ملابسِ الإحرامِ البيضاء

بينما يتخشَّبُ بها رِجالٌ بلا أرجل، ورؤوسٍ بأعينٍ تمَّ اقتلاعُها للتوّ.

تمتلئُ العربة، ينسلُّ الجميعُ كقطعةِ صوفٍ يُعادُ نسجها آلاف المرات

دون أن تستحيل إلى معطفٍ يقي أحدَهم بردَ قلبِه.

 

في نهاية الطواف

أصلُ إلى بيت أمي

الطابقُ الأرضىّ تمَّ تحويله إلى صندوقٍ خشبيٍّ ذي قُفلٍ معدنيٍّ صدىء مكتوب عليه "يا رب"

أتعثُر في ورقةٍ بحجم اليد:

تعلن البلديةُ اليومَ عن حاجتِها لتعبيد الطريق ليمرَّ سادةٌ جُدد.

في كلِّ مرةٍ تأتي بلديةُ الحي ينسكبُ سائلٌ أسودُ من فمِ وحشٍ يَمضِغُ مساراتِنا المُتعرجةِ ذاتَ طفولة  

محاولات الهرب الأولى،

ما تَبَقى من آثارِ أحذيتِنا على طريقٍ لن يتعرَّف أحدُنا فيه على الآخرِ بعدَ اليوم.

تفوحُ من البيت رائحةُ كعكٍ تمَّ خَبزُه في صباحِ عُمرٍ طازج

تستقبلُني أمي بنظرةٍ معتادة من الغضبِ تستحيلُ سريعًا إلى محبةٍ رائقة

نقضي اليوم بأكمله نلوكُ تاريخَ العجين

أُلقي السلامَ متأخرًا على ما عَلِقَ منِّي وأخي على جدران البيت

في السادسة مساءًا، تستقبلُ أمي القِبلة لتُخبر الله بكلِّ شيء

في السادسة وخمس دقائق، أتحوَّلُ إلى أسورتين من ذهبٍ يستقران حول معصمِها

يخبرها الصوتُ أنَّ صلاتَها قد استُجيبت

بإمكانها مَنحِي بالكُليّة للغيب والغياب.

كما يُمكنها دومًا أن تستعيرَ عمودي الفقري لتتكئَ عليه.



فلنطهو بداية جديدة

 

قبل أن يبدأ العامُ الجديدُ تُوصد أمي بابَ المطبخِ جيدًا، تنهرُنا من الدخول

تخبرُنا أنها وضعت سبعَ حباتِ فولٍ عاريةً على الطاولة

لا يجبُ الاقتراب قبلَ اليوم الرابع.

في بداية العام الجديد،

تطهو لنا أمي الحباتِ في إناءٍ يتسعُ لكافة وجوه العائلة الغائبة

تفوحُ من المطبخ رائحةُ خبزٍ ساخنٍ،

محبةٌ مُتعبة وأملٌ لا يشيخ بعودة مَن لايلتفت

نتأرجحُ في الصباح بين عادةِ احتساء القهوة الروتينية وبين تلقفِ ما صنعتُه الوالدة

غير أنَّها تحسمُ الأمرَ بالضربةِ القاضية حين تُخبرنا:

حباتُ الفولِ السبع العارية

انتهت للتوِّ من تِلاوةِ طقوسِ العُزلة

يتدلى مِن سُرّتها حبلٌ سِرّيّ

التهامُها واحدةً بعد الأخرى سيصنعُ سُلَّمًا شفافًا تصعدُ عليه أحلامُنا الُمتعبة من العام الفائت

تستَرِقُ السَّمعَ إلى أخبارِ السماء

ثمّ تعودُ لتُنبِتَ في معدةِ كُلٍّ منّا شجرةً عملاقة،

يُمكننا دومًا أن نعودَ إليها لنستكين.

أستمعُ إليها بقداسة يوم الأحد التاسعة صباحًا بتوقيتِ أن نبدو مؤمنين

أتحسسُ بطني برِفق

أتخيلُ أوَّلَ أبنائي،

يغفو هانئًا أسفل شجرةٍ ابتعلتُ حباتِها للتوّ

فاتحًا ذراعيه لتلقي الوحي من عينين جَدِّةٍ أحبتُه منذُ أزمنة.

أقفُ،

أرقُبُ بصمتٍ كلَّ ما يُمكن أن ينمو بيننا:

الغيابُ المُؤطر بحضورِ الحكايا

أمررها بخِفةٍ من بين ثنايا فم أمي المحشوّ برائحةِ الخبز الساخن،

حباتُ الفول السبع المُعلَّقة حول عُنقي لتُخبرني أنَّي أستطيع الخطوَ نحو العالم مُحمَّلة بيقينٍ أخبئُه بعناية أسفل عمودي الفقري

ومحبةٌ مُمتدةٌ نَبَتَت في رحمي منذُ عشرين سنة.