‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، شعر، مجلة أوكسجين، ثقافة، إبداع، اللغة العربية الفصحى، ديوان منشور.. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، شعر، مجلة أوكسجين، ثقافة، إبداع، اللغة العربية الفصحى، ديوان منشور.. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 14 أكتوبر 2019

صحن أزرق

 قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 248- أكتوبر 2019

مجلة "أوكسجين" مجلة ثقافية نصف شهرية يترأسها الروائي والشاعر زياد عبد الله

***

صحن أزرق



أتعارك كل يوم مع ثقبٍ يتسع في الذاكرة

أنبش بكفين صغيرتين عن علامات الموت السبع- هكذا أخبرتني أمي

كيف لم ألمح أياً من تلك العلامات،

كيف تفلَّت الأمر من يدي!!

***

تخبرني امرأة في السبعين تعبرني كأشعة زرقاء تخترق صورة مشوشة

ما جدوى المعرفة؟

ما جدوى أن تحمل حقيبتك الخاوية على كتفك؟

تمضي وحيدًا تمارس مراوغتك القديمة في أن ينبت في كل صخرة، لون أخضر.

ما جدوى الركض خلف صافرة قطار لتصل إلى رصيفٍ لا يتلهف لرؤيتك عليه أحد!

***

يتوسط الصحن الأزرق المائدة، ينظر إليك بمغفرة

يغفر لك محاولة ملئه بالفاكهة لئلا تشي به الوحدة.

يبتلع الغضب في ثنايا شروخه اللامرئية لئلا تؤلمك حوافه المدببة

يقترب من باب غرفتك

يستمع إلى نحيبك كل ليلة،

بينما تتجمد أطرافك، ولا حذاء في الزاوية.

يمنحك الصحن الأزرق متسعًا لتفرغ ماء قلبك كله،

يود لو يربت على كتفيك لمرةٍ واحدة

ويغزل حبلًا سريًا فيرضعك الوحشة

فيلملم أشلاؤه،

ويعود متكورًا

عند منتصف المائدة، كما ينبغي أن تبدو الأشياء المنمقة.

***

صبيحة كل يوم، يتوسط الصحن الأزرق المائدة- يودعك بابتسامة حانية

يُفلت يدك

لكى تعاود كرّتك اليومية

أن تنبش عن علامات الموت السبع

تحمل حقيبتك الخاوية على كتفك

تركض مطاردًا – ما لاتود حقاً الإمساك به

تتوقف بين الفينة والأخرى لكى تستبدل قدميك -إذا ما اعتراهما التعب- بغيمتين

تركض بلا التفات لشيء يمضغك على مهل وهو قابع في جوفك

ينتظرك في كل ليلة، أن تدس المفتاح في باب لا يطرقه العابرون.

يود لو يخبرك أن الموت تسلل إلى بيت ٍجدرانه باردة

نسج على غفلة منك خيوطاً رقيقة باللون الأسود

التهمت ما تبقى من صورة قديمة.

***

الصحن الأزرق يتوسط المائدة، كما يجدر بكل الأشياء المنمقة أن تبدو

وقد بات شاهد مقبرة

ليعلن موتاً مؤجلاً

وأن الحزن يتساقط منك تساقط "الجلد" من شاةٍ ذُبحت

لا يضيرها الألم المكدس أسفل المنضدة

فالموت زحف شيئًا فشيئًا

ومنحك علامته السبع كاملة

غير أن أطرافك معلقة على صليب دُقَّ وسط صدرك،

تتخدر ببطء

عبرتك العلامات

دونما انتباه

عبرت الحياة دونما توقف ركضًا في الاتجاه المعاكس

بينما لم يتمهل الموت، سار كدائرة تتكسر في نهر يتدفق حولك

يلمس كل ما تقترب إليه يدك

صرت تطارد سرابًا يحتل زوايا الرؤية الأربع

ريثما توشك الحياة أن تنبت،

تصفعك لعنتك القديمة

فتعيدك حيث تركت يوسف في غياهب البئر

لا يد تمتد إليك

لا صوت يخبرك بالحكمة المؤجلة

لا عينيان حانيتان تنظران إليك

لربما تتلقى تعزية مؤقتة أن ألمك مرئي

لا كلمة تلثم ما يقطر منك،

فتغمض عينيك مطمئنًا أن هناك من سيعيد الحكايا بصوت رحيم

تركض وحيدًا كمن يقبض على الريح بين راحتيه

وما ظننت أن لا طاقة لك به

قد حدث.


السبت، 14 سبتمبر 2019

عقوق الطفل

 قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 247- سبتمبر 2019

مجلة "أوكسجين" هى مجلة ثقافية نصف شهرة يترأسها الروائي والشاعر زياد عبد الله

***

عقوق الطفل



ماذا أفعل بطفل في السبعين لم يُصنع على عيني؟

لم يتناول طعامه الذي وضعته على المائدة

حين كررت على مسامعه السم الذي تمّ تلقيني إياه:

"اشرب اللبن علشان أحبك"

اتسعت عيناه!

ثم تناول الكوب مني، التقم الثدي البلاستيكي أفرغه دفعةً واحدة

انتظر حتى ارتسمت على وجهي علامة ارتياح مؤقت،

بصق في وجهي كل ما ظننتُ أنني نجحت في حشره في فمه!

ماذا أفعل بطفل في السبعين يصحو كل يوم لا يتذكر البارحة ولا يتذكرني؟

بالأمس سقط مني في طريقنا إلي الحمام المجاور لغرفتي

ساقاه الطويلتان عبثتا بي،

ظننت أنه قادر اليوم على أن يخطو أولى خطواته لاكتشاف العالم

أي عالمٍ ينتظر طفلاً في السبعين يبصق الحليب في وجه أمه المكلومة عليه،

لم يكن هناك عالم ينتظرنا،

كانت الحياة تعيد دورتها من حيث ظننت أنها تنتهي

ماذا أفعل بطفل في السبعين؟

كيف سأقيس نموه هذا الصباح!

هل سأطلب منه أن يقف عند باب المطبخ ويرسل أمراً عسكرياً لجنوده النائمين بعموده الفقري فيقف منتصباً.

أي كرسي سيجعلني أبدو أطول منه؟

ليس لدي حائط يمكننا أن نُعلّق عليه

أزالت أمي كل ما يستدل علينا في البيت الجديد

ماذا أفعل بطفل في السبعين؟

سقط مني البارحة

شُجت رأسه

لازلت أنظر إليه متكوماً داخل المنشفة

في البدء كنت أظن أنني ألده

وأن تلك هي اللحظة التي أمنحه فيها ثدي لكي يتكون رابط أبدي بيننا

أرتبك

تتشوش الرؤيا

فلا ممرضات يحملن إليّ الخبر السعيد

ولا طفل تمنحني عيناه سكينة وأرضاً أتجذر بها.

تأتي النجدة

يتم توجيه أصابع الاتهام نحوي

لا أصلح أن أكون أماً

أنظر إلى إصبع يستطيل ويكشف أسوأ مخاوفي

لربما لن أكون أماً قط

أرتبك

انتزعوه مني

أودعوه أحد مؤسسات الرعاية

في ليلة الغياب الأولي

كان السرير يتسع لشخصين

نمت على الجانب الأيمن كما أحب

لأتمكن من النظر إليه على الجانب الآخر

لم يكن هناك سوى بقايا حليب

يذكرني بأنه تقيأ محبتي

وفراغاً يتسع

أحاول أن أحجّمه بحائط قديم

يحمل علامات نمو لطفلين

أحدهما في الثامنة

على باب مطبخ قديم

بينما أقف عارية الثديين

أتحسس إمكانية تدفق الحليب تارة أخرى

لربما سيعيدونه إليّ في الصباح

سأواجهه بندرة الحليب

ويمكننا تناول شيء آخر

وليكن بعضاً من الحياة على سبيل الرغبة

سأخبره بتساقطي تعباً

إذ أنهكتني الحيل

وعيناي  ابيضتا حزنًا

وأني لا أعلم كيف أكون أماً لطفلٍ في السبعين

وأني لست غاضبة

وأني- رغم كل شيء- أحبه.

السبت، 4 مايو 2019

أكشاك الحزن

قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 243- مايو 2019

مجلة "أوكسجين" مجلة ثقافية نصف شهرية يترأسها الروائي والشاعر زياد عبد الله

****

أكشاك الحزن



 صبيحة كل يوم أود النهوض من الفراش

هناك قائمة من المهام بانتظاري

حياة مصطنعة يتوجب عليَّ أن أنغمس بها

صبيحة كل يوم يتوجب عليَّ النهوض من الفراش

لكني لا أفعل

أحمل حاسوبي، امتداد ذراعي إلى العالم الخارجي

أنهمك في صياغة أسباب جديدة للغياب

كم أودّ أن يكون هناك عطلات محدّدة للحزن

يمكننا أن نخبر الآخرين بلغة رسمية رصينة عن أسفنا الشديد

لعدم تمكننا من الانتهاء من المهام المطلوبة

سنذيلها بعبارة

أنا فقط حزينة

صبيحة كل يوم أودّ النهوض من الفراش

ولكني لا أفعل

تبدو المسافة الفاصلة بيني وبين باب غرفتي

كقطار وجه قبلي يتعطل في طريقه إلى القاهرة ثماني مرات على الأقل

كل مرة يدلف إلى غرفتي شخص ليخبرني أنه يتوجب عليَّ النهوض

أخبيء وجهي تحت ركام أفكار تنخر عظامي كل ليلة

تبدو عيناي المثبتتان على أطراف أصابعي متماستان بالحياة

لكني

صبيحة كل يوم أودّ النهوض من الفراش

ولا أفعل

أودّ لو أخبرهم أن هيئة مرافق الحي قد أخطأت

وأرسلت عربتين ضخمتين لرصف ظهري

وأن هناك سائلاً أسود لا زال لزجاً يتخللني

لا يمكننا بالطبع أن نجرّم هيئة المرافق

فلنتركه يصنع طريقاً من أسفل ظهري إلى أعلى كتفي

يأتيني صوت أحبه

أخبره

إنني متعبة

البارحة انتهيت من صنع أكشاكٍ للحزن

نثرتها لأيام على الطريق إلى المستشفى

سيرتادها العابرون

بداخلها عصا خيزران ملونة رأسها حية تأكل ذيلها

سيُلبسون العصا جلباباً واسعاً فيبدون كخيال مآتة

يرمم عموده الفقري

بعصا خيرزان ابتاعها للتو من أكشاك للحزن

ثم يغادرون متأهبين للانخراط في طوفان بشري

العصا ستمنعهم من التساقط

ستمنحهم –لبرهة- صموداً واهياً

قبل أن يبحثوا عن كشك جديد للحزن

ليبتاعوا منه عصا جديدة وجلباباً أوسع

يغادرون

تاركين تعريفة تليق بهشاشتهم.

 حين تسألني كيف حالك اليوم

سأخبرك

بأنني وفي صبيحة كل يوم أود النهوض من الفراش

ولكني لا أفعل

وأود الانتهاء من خريطة كاملة لأكشاك الحزن حول المدينة

وأني أتساقط

وأني متعبة

فيما عدا ذلك فإنني بخير

وأنا أكذب.