قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 248- أكتوبر 2019
مجلة "أوكسجين" مجلة ثقافية نصف شهرية يترأسها الروائي والشاعر زياد عبد الله
***
صحن أزرق
أتعارك كل يوم مع ثقبٍ يتسع في الذاكرة
أنبش بكفين صغيرتين عن علامات الموت السبع- هكذا أخبرتني أمي
كيف لم ألمح أياً من تلك العلامات،
كيف تفلَّت الأمر من يدي!!
***
تخبرني امرأة في السبعين تعبرني كأشعة زرقاء تخترق صورة مشوشة
ما جدوى المعرفة؟
ما جدوى أن تحمل حقيبتك الخاوية على كتفك؟
تمضي وحيدًا تمارس مراوغتك القديمة في أن ينبت في كل صخرة، لون أخضر.
ما جدوى الركض خلف صافرة قطار لتصل إلى رصيفٍ لا يتلهف لرؤيتك عليه أحد!
***
يتوسط الصحن الأزرق المائدة، ينظر إليك بمغفرة
يغفر لك محاولة ملئه بالفاكهة لئلا تشي به الوحدة.
يبتلع الغضب في ثنايا شروخه اللامرئية لئلا تؤلمك حوافه المدببة
يقترب من باب غرفتك
يستمع إلى نحيبك كل ليلة،
بينما تتجمد أطرافك، ولا حذاء في الزاوية.
يمنحك الصحن الأزرق متسعًا لتفرغ ماء قلبك كله،
يود لو يربت على كتفيك لمرةٍ واحدة
ويغزل حبلًا سريًا فيرضعك الوحشة
فيلملم أشلاؤه،
ويعود متكورًا
عند منتصف المائدة، كما ينبغي أن تبدو الأشياء المنمقة.
***
صبيحة كل يوم، يتوسط الصحن الأزرق المائدة- يودعك بابتسامة حانية
يُفلت يدك
لكى تعاود كرّتك اليومية
أن تنبش عن علامات الموت السبع
تحمل حقيبتك الخاوية على كتفك
تركض مطاردًا – ما لاتود حقاً الإمساك به
تتوقف بين الفينة والأخرى لكى تستبدل قدميك -إذا ما اعتراهما التعب- بغيمتين
تركض بلا التفات لشيء يمضغك على مهل وهو قابع في جوفك
ينتظرك في كل ليلة، أن تدس المفتاح في باب لا يطرقه العابرون.
يود لو يخبرك أن الموت تسلل إلى بيت ٍجدرانه باردة
نسج على غفلة منك خيوطاً رقيقة باللون الأسود
التهمت ما تبقى من صورة قديمة.
***
الصحن الأزرق يتوسط المائدة، كما يجدر بكل الأشياء المنمقة أن تبدو
وقد بات شاهد مقبرة
ليعلن موتاً مؤجلاً
وأن الحزن يتساقط منك تساقط "الجلد" من شاةٍ ذُبحت
لا يضيرها الألم المكدس أسفل المنضدة
فالموت زحف شيئًا فشيئًا
ومنحك علامته السبع كاملة
غير أن أطرافك معلقة على صليب دُقَّ وسط صدرك،
تتخدر ببطء
عبرتك العلامات
دونما انتباه
عبرت الحياة دونما توقف ركضًا في الاتجاه المعاكس
بينما لم يتمهل الموت، سار كدائرة تتكسر في نهر يتدفق حولك
يلمس كل ما تقترب إليه يدك
صرت تطارد سرابًا يحتل زوايا الرؤية الأربع
ريثما توشك الحياة أن تنبت،
تصفعك لعنتك القديمة
فتعيدك حيث تركت يوسف في غياهب البئر
لا يد تمتد إليك
لا صوت يخبرك بالحكمة المؤجلة
لا عينيان حانيتان تنظران إليك
لربما تتلقى تعزية مؤقتة أن ألمك مرئي
لا كلمة تلثم ما يقطر منك،
فتغمض عينيك مطمئنًا أن هناك من سيعيد الحكايا بصوت رحيم
تركض وحيدًا كمن يقبض على الريح بين راحتيه
وما ظننت أن لا طاقة لك به
قد حدث.