الاثنين، 25 يناير 2016

إحنا ليه مش بنمشي جنب الحيط؟!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 25 يناير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- ليه مش بنمشي جنب الحيط؟- موقع زائد 18


لما شفت الهاشتاج عن المشاركة في ثورة يناير، وشوفت القصص اللي اتكتبت، وباراهن إن فيه غيرها أكتر لسه متشال، وفي يوم راح يطلع من شكمجية الحواديت ويتوثق كما يليق بـ”عبور” حقيقي يليق بجيل كامل تمّ تجهيله وتهميشه وتقزيمه لكنه انتصر، رغم الهزيمة المؤقتة، وتخطي  كل محاولات الإنهاك والتركيع، بس للأسف لم يحظ بفيلم ملحمي يحتفظ فيه البطل برصاصة ويفضل يذلنا بيها طول عمرنا.
تابعت الهاشتاج بفضول وترقب، وأنا بقول لروحي: "هتروح فين يا صعلوك وسط الملوك".. الحقيقة إني ماكنتش موجودة في مصر وقت الثورة تحديدا، ومشاركتي كما سأرويها كانت هزلية وهزيلة لو هتتقارن بالأبطال المنسيين في ملحمة يناير.
لكن جملة  الهاشتاج نفسها "أنا شاركت في يناير"، وقت قراءتها لازم تلاقي فلاش باك نوّر في دماغك، وتسرح في خمس سنين فاتوا.. ركبت فيهم الحلزونة في أفكارك واتشقلبت كام مرة و كام مرة عافرت علشان ترجع تتوازن وتنتصر للي اطمأن قلبك ليه.. ذكرى يناير مش هتكون زيارة موسمية لتدشين العادات المصرية الأصيلة في زيارة القرافة وقراءة ما تيسر من مانيفستو الخائفين على روح الثورة، لكن هتكون اللحظة اللي بنقف فيها ونسأل: يعني إحنا دلوقتي فين؟!

في لحظة يناير الأولى، كانت مشاركتنا، وعدد من الأصدقاء، عبارة عن فيديوهات بنركب فيها إيفيهات أفلام مصرية مشهورة على خطابات مبارك، واللي انتشرت بشكل أوسع وبخيال أصيع فيما بعد باسم السف والألش على السوشيال ميديا.
كان نفسي أقول إننا كنا بنعمل ده بوعي، أو علشان عندنا تاريخ نضالي عظيم، فاختيارنا للسف والقلش هو نوع مبتكر من النضال والكفاح وشوية حاجات فوق بعض، لكن الحقيقة أن الطريقة دي لو اعتبرناها يعني مقاومة، كانت الطريقة اللي تشبهنا وقتها.. مجرد صعاليك عابرين اختاروا إنهم مش عايزين ينتموا للبلد دي، ونفذوا قرارهم بالفعل جغرافيا، وابتدوا يتعاملوا مع كل ما يتعلق بيها أو بناسها بمزيد من التسخيف والتضحيك، وكأننا ماكناش لاقيين غير القشرة دي اللي تربطنا بيها.
في فترة صناعة الفيديوهات، كنا محاطين بجرعات مكثفة من أهالينا "امشوا جنب الحيط"، واللي بالمناسبة أهالينا ذاتهم مشيوا جنب الحيط طول الخمس سنين، لغاية ما ما شاء الله باختياراتهم، لبسونا في الحيطة نفسها.. ده إن وجدت يعني.
لحظة يناير اللي شارك فيها وعاشها وآمن بيها، هيعرف إن حلاوتها إنك اكتشفت إن فعليا ماكنش فيه حيطة علشان نتدراى جنبها أو نخبي عجزنا وقلة حيلتنا وغضبنا من وضع ماكناش محتاج تحليل سياسي مخضرم، أو بعد اقتصادي حلزوني علشان نقول: “ميصحش كده بأثر رجعي”.. ماكنش فيه حيطة من الأساس، وده كان الاكتشاف الأهم ليناير.. لما الناس اللي كانت –حرفياً- مش عارفة بعض، مشيت خطوة فوق خوفها، وخلعت حيطتها الوهمية من لغلوغها، ونزلت بيها علشان تشارك في ثورة يناير، ولقت نفسها بتضم على بعض في ميدان واحد، علشان تنادي بعلو صوتها: “ارحل”.
لو جرينا الخط دلوقتي من لحظة السف على النظام متمثلا في رفع الجزمة في وش مبارك العكر، ومطالبته بالرحيل، اعتقد إننا في لحظة ذهبية تانية للسف على نفس النظام باختلاف البدلة، مع الحفاظ على صبغة الشعر كاختيار واع للمقاومة والنضال بقى (لو يعني من نفسي هاستخدم المصطلح)، لكن المرة دي مش هيكون بالاحتشاد في الميادين، ولا هيكون برفع فرد الجزم القديمة، ولا هيكون بالحزق بشعارات اكتشفنا بعد كده إن واحد من أخطائنا الواجب الاعتراف بها إننا كنا بنحزق بيها، بس كل واحد كان مركب فردة جزمة في دماغه، وبيفسرها بطريقته، وعلى حسب قاموس معسكره اللي عايز ينتصر ليه.

ويمكن ده أهم ما في يناير 2011 "إحنا ماكناش عارفين بعض.. بس ضمينا على بعض، وبعد ما عرفنا بعض، مابقناش طايقين بعض"، وغالبا هيفضل ده البندول اللي بيتأرجح بين خانات المكسب والخسارة، لأننا لسه مطورناش نظام يشبه ثورة هتسمح لأفرادها أنهم يسدوا كل فجوات الجهل ويحازوا الصفوف ويتعايشوا، بل الأنكى أفرادها اختاروا أوعر الطرق للوصول لده بعد تكويم فواتير من خسائر فادحة.

الوضوح اللي معظمنا مر بيه في لحظة يناير الأولى 2011 وفي كل مرحلة من ساعتها، وفي كل معركة اشتبكنا فيها وتم التضييق علينا في اختيارين، ولا واحد منهم يشبه الثورة أو معسكرات لا تشبه الأقلية، اللي ارتضينا إننا نعمل ليها لجوء إنساني أبدي، هو ذاته الوضوح اللي بيعيد نفسه دلوقتي، فكل الورق دلوقتي على الترابيزة أو كما قال حسبو: "كل شيجين أنكشفن وبان"، و ده ما يجب استثماره والبناء عليه لو أمكن.. الوضوح ده مش هيستوجب بس إننا نطمن إن بالرغم من مسار الهزيمة أو سيناريو السقوط المحتمل، لكنه هيفرض علينا الحفاظ على ما تبقى من إيمان بالثورة وحمايته، حتى لو كان بالانسحاب الجزئي وإخلاء الملعب لعواجيز الدولة المسعورة، وهم نازلين يسخنوا بشورتات دبلان، يشوطوا في الناس وناسيين إن مفيش كورة أصلا.

الوضوح ده برضه هيخلينا واثقين إن الفعل الثوري في يناير، اللي ماتفهمش لغاية اللحظة دي.. إزاي اتحول لزخم ثوري، مش هيعيد نفسه تاني في يناير 2016 (يااااه.. هو مرت علينا السنين دي كلها)، يمكن لأن السيناريو اتهرس خلاص وإحنا شعب ملول بطبعه، ويمكن لأن الوعي اللي بيتشكل على مدار السنين بقى مدرك طبيعة اللحظة اللي واقفين فيها وطبيعة الرمال المتحركة اللي بنقاوم بيها السقوط المحتم للجميع.

على صعيد آخر (زي ما بيقولوا في نشرة التاسعة) النظام اللي تم التضحيك عليه ورفع الجزمة في وش رمزه في ميدان التحرير في يناير 2011، مش مختلف عن قرينه يا زواوي في 2016،  يناير، وتمّ تشخيص الحالة بتسيب في المفاصل مع علامات قوية على وجود هلاوس سمعية وبصرية تسببت في ضلالات فكرية مفادها أن النظام الحالي عايز الجماهير الغفيرة المؤيدة له تنزل, للمرة اللي بطلنا نعدها، تثبت ولاءها ومباركتها الشعبية له، وتحتفل وتقدم قصرية ورد تترزع على دماغ أذرعة القوة.


المشهدة الحالي بيفكرك بعبد الفتاح القصري لما قرر في لحظة تجلي إنه يفرق راسه ويقول كتاكيت، لكنه اتحول لمريض بالهلاوس، وابتدى يصدق روحه وبيطلب من الجماهير إنها تصدق هلاوسه وتشتريها وتنزل تحارب معاه في معركته ضد الولاحاجة، أو ماتنزلش مش عارفين يعني.. أهو رجل بره ورجل جوه.. بس المهم خليكوا موجودين على العتبة يمكن نعوزكم.

يمكن اللحظة الخيالية الرومانسية اللي اتعاشت في يناير 2011 كانت عظيمة وعصية على التفكيك، لدرجة إننا بنخاف نقف عندها لتفقد بريقها وقداستها عند المؤمنين بيها، واللي بيدفعوا تمن ده لغاية دلوقتي، لكن الخيال هو اللي هنحتاجه علشان نعيد تشكيل الكورة اللي هنشوط بيها، ومين عارف؟! يمكن الجون ييجي.. مش علشان الجون في حد ذاته، ومش علشان إغراء الانتصار لأنه هيفرض علينا تضحيات -يمكن فوق احتمالنا- لكن علشان على الأقل نشوف إن ما آمنا به يطلع له معنى في نهاية الفيلم، لما اخترنا ننحاز ونلعب مع الخسران زي ما قال فارس في فيلم “الحريف”.

حقيقي إحنا مش مش بنختار نخسر، لأننا مهووسين بتعذيب الذات أو مدمنين للتيه في صحاري وطن تفنن القائمون عليه في إفقاره وتركيعه لأبعد مدى، أو لأننا يعني غاويين نخبط دماغنا في الحيطة، لكن لأن لحظة يناير اللي النظام بغباوته وناسه ودراعاته وإعلامه لا هيقدر يفهمها ولا يستوعبها.. كانت لحظة إدراكنا إن في الأصل مفيش حيطة، وإن خوفنا  مالوش أساس، وإيماننا اللي بيتجدد أوقات بينقص وأوقات يزيد، لكنه على مدار الخمس سنوات، وروحها موجودة.

الجمعة، 1 يناير 2016

معاكش كراميلة؟

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 11 يناير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- معاكشي كراميلة؟- موقع زائد 18

"بالأمس بدأ برلمان مصر المرتقب منذ ثلاثة أشهر وسط أجواء احتفالية بمسيرة الديمقراطية في عهد الرئيس المنتخب من الشعب بأكمله"، هكذا ستطالعنا صحف المؤسسات القومية مهللة للحدث العظيم! القلة المندسة التي لا تزال معنية بالشأن العام كلعنة فرعونية لا تستطيع الفكاك منها، وإن حاولت، ترى أن أولى جلسات البرلمان هو بداية متسقة تماما لامتداد خط القبح الذي يختصر كل هزيمة مستحقة في مرحلة اللاثورة والولاحاجة، فتلك الانتخابات التي شهدت جولاتها العودة لكل ما ومن قامت عليه ثورة يناير، والتي استعان فيها المرشحين بذخيرة تملق آملين أن يجدوا لهم مقعدا في سفينة نورماندي قبل أن تهوي بنا جميعا نحو الخراب الكامل، معلنين بكل فجاجة عن انتمائاتهم السياسية التي ثار الناس يوما لهدمها، منتشرين في شوارع الوطن كخلايا سرطانية لا أمل في تحجيم توحشهها ولن يجدِ معها أي تدخل علاجي، منطلقين بفرق الزفة والمزمار البلدي في إعلان فوزهم المؤطر ضد كل قيمة إنسانية حقيقية للعدالة نستحقها جميعا.
يأتي البرلمان في جلسته الافتتاحية كأحد تماثيل القبح التي تنتشر في مداخل مدن جمهورية مصر للولا حاجة العربية، فقد شهدت مصر طيلة الأشهر الأخيرة محاولات كللت بالنجاح منقطع النظير لتأصيل القبح وبخاصة البصري منه، فنجد تمثالا لنفرتيتي بس بعد ما داس على وشها القطر رايح جاي، وأحد ميادين العاصمة قد تفتق ذهن رئاسة الحي بها على جعل زجاجة كاتشب رمزا للميدان، أو تمثال عروسة البحر التي تحولت في غفلة من عمرالزمن وتبادل الأدوار في الأسطورة لتلعب دور الأشكيف المخيف، نهاية بتمثال يقال إنه ينتمي للعصر اليوناني فيما نراه مجرد إعلان لرجل يرتدي لباسا داخليا معلنا عن شركة الملابس القطنية الأشهر في عمر دمّور الوطن.

ها هو الحدث "المرتقب" يقف على مدخل وطن بأكمله كتمثال يجمع في كل زاوية منه قبحا لا تكاد تخطأه العين، وكأن القائمين عليه تعمدوا أن يجمعوا كل هذا القبح في عمل فني واحد ليضعوا عنوانا يليق بإسدال الستار على مسرحية سيضحك فيها الكثيرون، لكننا حينما نغادرها سنبكي مرارة وحزنا على ما وصلنا إليه.. سننظر طويلا إلى أشباه الزومبي النافرة عروقهم أمام الميكروفونات يلوكون بألسنهم كل ما نؤمن به، ويصلون بالابتذال حد السكين، في كل مرة تطالعك وجوههم ستجد نفسك متقمصا القذافي في سؤاله الخالد: "من أنتم؟".. سيصيح البعض أن علينا أن نرضخ ونخضع لاختيارات "الشعب".. لا ندري أي شعب، وأين نحن من هذا الشعب؟ نحن الأرواح الهائمة الرافضة لكل عفن وقبح، وتعاني اغترابا متجذرا منذ سنوات تفتح وعيها، فهي عاجزة أن تجد لنفسها موضعا في طاحونة تهرس كل ما نؤمن به، ذلك الاغتراب الذي ظننا أننا تعافينا منه حين لضمنا في دائرة حلم أكبر، حيث كانت 25 يناير.. الانتماء الأوحد.. نحن المشاهدون بصمت ممرور خيبات متتالية وهزائم لا تنقطع وملل المعارك الخائبة كفيلة بأن تفقد كل منا عقله وبوصلة روحه السليمة في تمييز المواقف والأشياء والأشخاص.
سنزداد اغترابا وانسحابا وستضيق علينا مسام الجلد كملاذات آمنة، لكننا سنظل نرصد ما يحدث غير آملين في التغيير، لكن لربما لأننا سنكون هنا حين تحدث النهاية وسيسدل الستار أو لربما المسرح كله هيقع ويتطربق على دماغ أهالينا.. سنظل ها هنا نرصد ونوثق ونشير إلى خيباتكم وهزائمكم وقبحكم.. سنعاني كثيرا أو لربما سنصل بمعاناتنا حد التبلد، فلا نشعر بشيء وتلك السكين تقتطع من أرواحنا جزءا تلو الجزء.. قد يتجدد وقد يضمر بفعل اليأس المستحق لما نراه.. سنعاني ليس لأن لدينا بقايا أمل تنفر برأسها بين الحين والآخر، فالأمل في أرض الخراب أصبح ترفا لا يقدر عليه عقل يحاول جاهدا ألا يفقد قدرته على أن يبصر ويتمسك بما تمليه فطرته السليمة أو هكذا نظن.
سنعاني لأننا بالفعل كما قال الرئيس المتاخد “مرسي” الله لا يرجعه هو أو عشيرته.. إحنا على منحدر الصعود، بالفعل نحن على منحدر الصعود نحو الهاوية.. حيث السقوط سيصبح مدويا.. للجميع.
لكن قبل أن نسقط، فلنقتبس أحد أشهر الجمل الافتتاحية التي تعود بنا إلى زمن 1919 "معاكشي كراميلة؟"، ميعرفوش إنها اتلغت خلاص ودلوقتي مصر هتبقى أم الدنيا في مضغ وعجن وهرس الـ”أرواح” يا سعادة النائب الـ”محترم”.