الثلاثاء، 23 فبراير 2016

محاكمة الخيال الأدبي

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 23فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.



مقالة محاكمة الخيال الأدبي- موقع زائد 18 2016

        

بالأمس طُلب مني ترجمة عبارة "خدش الحياء العام" إلى اللغة الإنجليزية، لم أجد صعوبة في إيجاد كلمات لتستيفها في جملة متناسقة في فقرة تتراص بجوار مثيلاتها لتصوير مشهد محاكمة الخيال الحالي، لكني فشلت فشلا ذريعا في إكساب تلك الثلاث كلمات أية دلالة واضحة ذات جدوى.
قد يشير البعض إلى تراثنا الشعبي غناءً وروايات، بل وتراث ديني أيضاً يحمل ويفيض ليس فقط بما يخدش الحياء العام، بل يغتصبه جهارا نهارا، وقد يذهب البعض في طرح تساؤل مشروع للغاية: "يعني إيه الحياء العام؟"، وهل ده مرتبط يعني بالصورة المقولبة التي تم تصديرها عن الوطن، أنه هو عبارة عن "مصر ياما يا بهية يا أم طرحة وجلابية"، والست اللي اسمها مصر دي قاعدة على قارعة الطريق لو خُدش حياؤها بترقع بالصوت الحياني، مع إن نفس ذات الـ"مصر" النمطية الفلاحة بتتحزم وبترقص وبتردد أغنية الأفراح الأولى في الريف "وسطي بيوجعني من رقص إمبارح".

هتقبضوا عليهم هم كمان؟! 

هتحاكموهم؟! 

هتمشوا تقفشوا في الناس واللي جوه السجن هيبقى أكتر من اللي بره؟!

قد يذهب البعض الآخر لحد السكين، فحين نستيقظ من النوم، وحتى نعود إليه نمر بمراحل تعليب وتهذيب وتشذيب لنصبح مواطنين صالحين للاستخدام الدولتي، بالرغم من أن كل ما يدور حولنا بدءا من سائق الميكروباص الخلوق، أو موظف التأمينات الذي يفيض سماحة وفضيلة، مرورا بأفراد من الشعب حبيبي وشرياني، يتكشف لنا معدنه الأصيل في لحظات الالتحام الكبرى في محطة مترو العتبة، فنعلم جيدا أنه يتم اغتصابنا يوميا، ولا نعلق ولا نكتب.

نحن فقط نلتحم ونمر ونعبر متناسين أن هذا حدث وأن الانتهاك اللفظي أو الجسدي، نهاية بانتهاك حقك في الوجود أصلا، أصبح بديهية رقم واحد في أبجديات الحياة اليومية هنا في تلك القطعة التي نعجز عن توصيفها سوى أنها قطعة جغرافية رزلة والله.
إلى الجماهير الجميلة التي تنعق علينا ليلاً ونهاراً "الأخلاااااااء"!


نهيب بكم أن تتقدموا إلى صفوف التساؤل المشروع جدا: 

"كيف نصبح مواطنين صالحين للاستخدام الدولتي؟  

لو فيها تقالة ورزالة برضه، 

ممكن نطلب من حد يشاورلنا بكتالوج عن المفردات اللي مش بتخدش الحياء، أصلنا عايشين  وقررنا نبقى صالحين، وياريت تكون الطبعة سريعة ومحددة ويتم بيعها في منافذ بيع الكتب، أو الأفضل أن يتم تدشينها ضمن منهج الأخلاق في وزارة التربية والتعليم، ولتكن مثلا على غرار الأستاذ العظيم "قل ولا تقل"، فلتكن "اكتب ولا تكتب"، وألف شكر لكل المجهودات التي لا توفر جهدا ولاسجنا في تهذيب وتشذيب وصنفرة دماغ المواطنين، علشان ينافسوا في المسابقة العالمية بين الكواكب عن مين أكتر مواطن "مؤدب" وخلوق، وإن شاء الله مصر هتتصدر العالم وهتكيد الأعادي اللي مش مؤدبين كفاية.

        بس قبل أن تتقدم قوات الجماهيربطلبها العادل والمشروع جدا من دولتهم الخلوقة في توفير "كتالوج الأخلاق لكل مواطن" مصحوبا بملحق مجاني به "مفردات لذيذة لا تخدش الحياء العام"، أرجو تنبيه مواطنينا الشرفاء إلى حقيقة بسيطة للغاية: "الدولة بتاعتكم شايفاكم هفأ".. 

آه والله، فالسلطة الحالية تعلنها واضحة: "إحنا مالناش كبير وكله لازم يتربى"، ويتبع ذلك بالجملة الشهيرة ….”أهو أنا كيفي كده".. السلطة الحالية بتقولكم: "أنا كيفي كده يا جماعة ومفيش داعي للمنطقة والزندقة".. اللي مش هييجي علي كيفنا إحنا هنربيه، وكله بالقانون.. كله موجود.

يتضح ذلك جليا في التضحية مبكرا بمن صفق لها وأيدها وهلل لقدوم الفاتح المظفر، وهو راكب حمار بالشقلوب "مرسي" ، فلدينا حكم صادر بالنكهة الناعوتية، على الرغم من أنها أيدت نفس ذات السلطة.

 شوف يا أخي سبحان الله، وحكم آخر بالنكهة الـ”إسلام بحيرية”، والذي ظن لوهلة أن ممثل السلطة حين يقف معلنا أمام الميكروفونات مغازلا الشعب الطيوب اللذوذ مجددا للخطاب الديني، إن ده معناه ياللا نجدد وننقي ونناقش ونجادل بالفعل.. حاشا للذات الدولتية!
السلطة الحالية بتبعت رسالة واضحة: إنت معانا ولا علينا.. مش هيفرق، المهم "كيفي"، وبالتالي نحب نفكركم إن مفيش كتالوج لـ"كيف” السلطة، والكل هيتم التضحية به عاجلا أم آجلاً.. 

الجميع سيتم التضحية به وتقديمه قربانا لـ”كيف” السلطة ومزاجها وقانونها وسلطاتها وبابا غنوجها.. العابرون في الشوارع هيكونوا هدفا مغريا لتستيف المحاضر واستكمال عدد "حصالة" اليوم.. 

العابرون في الشوارع اللي بيتكلموا واللي مش بيتكلموا.. 

اللي بيناضلوا واللي مش بيناضلوا.. 

اللي لسه مهتم، واللي زهد ومبقاش مهتم، بس مش عارف لسه ينتحر إزاي، فمضطر يبقى.. الكل هيتم التضحية به.. الكل هيتقابل جوه!
"أهو كيفي كده".. السلطة تعلنها واضحة، واللي مش عاجبه يورينا نفسه.. لحظة توحش السلطة وانفرادها الكامل بكل شيء وتغييبها الكامل لكي شيء -بما فيهم الناس اللي رفعوا نفس ذات السلطة على الأعناق ومنحوها شيكا على بياض- لحظة توحش قاتلة.. ترى كل شيء قزما لا يستحق عناء أن تنحني برأسها أو أذرعها الأمنية أو القانونية لتعبّره من الأساس.. تلك اللحظة الوحشية التي تصل إلى المنتهى، هي لحظة اليأس الكبرى التي تستوجب تضافرا من الجميع، ليس الكاتب والروائي "أحمد ناجي" فحسب، بل هي في حقيقة الأمر هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه لنا جميعا لنستطيع أن نمارس الحق الطبيعي والبديهي في الكلام.. في الحكي.. في الشتيمة لما بنتزنق على الدائري الساعة تلاتة الضهر، وإلا هنلاقينا بيتقبض علينا بتهمة "السباب العلني" في الطريق العام.

هي لحظة يأس بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا ينقذنا منها سوي المقاومة من الجميع.

ليس لأن هناك شيئا أفضل، وليس لأن هناك ما كنا نردده لنمنح مشهدنا البائس معنى.. "علشان اللي بعدنا يعيش أفضل"، 

لأننا أصلا إحنا مش هنلحق نعيش، 

ومبقاش عندنا حاجة نسيبها للي بعدنا. هو خيار وحيد مهزوم للبقاء بأقل قدر ممكن من الحياة، المقاومة، على الأقل مانبقاش فعلا سبناهم يشوفونا أقزام.

على الأقل مانبقاش إحنا نفسنا صدقنا ده.

يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع  “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”،وزحمة“. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.

السبت، 6 فبراير 2016

يعني إيه عواجيز؟

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 9 فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة: يعني إيه عواجيز- موقع زائد 18- 2016


        في أوائل نشوة الانتصار الأولى لثورة يناير، دعتني إحدى الصديقات للمشاركة في وقفة احتجاجية لدعم إضراب الأطباء في ذلك الوقت. بالرغم من أني لا أمتهن الطب، إلا أني أذكر أن ما حدث وقتها هو إعادة تخليق مساحات رحبة بداخل كل منا مفادها أن كل شيء ممكن فقط إذا ما تمكنا من الإشارة بأصبع اليد إلى موضع الألم وأن الاشتباك في حلم التغيير يجب أن يتعدى ما تعرفه، إلى ما تؤمن به حقا، وأن ترسم دائرة أكبر من "شيل الهم" اللي طالنا كلنا بعد كده.


أذكر حينها أني كتبت علي ورقة إيه فور بالعرض "ارحلي يا دولة العواجيز"، تلك الجملة السحرية التي تختصر مفهومي عن الثورة وقتها، المناطحة في كل من تعدى الخمسين وتحميله وحده ما نعانيه من العجز والفشل والهزائم المتتالية. 

كنت أحمل ما أؤمن به، "ثورتي الصغيرة" وأستعد للتقدم بها في صفوف من لاأعرفهم ولم تجمعني بهم مفارق الحياة.
في الوقفة الاحتجاجية قبل التصعيد لعقد جمعية عمومية لاحقاً، أتذكر أن هناك شخصا مال على كتفي قائلاً "أنتي لازم تجيبي اليافطة بتاعتك دي وتحضري معانا الجمعية العمومية الجاية علشان العواجيز" وانطلق ضاحكا مخلفا وراءه جملة بلا أية علامة ترقيم. لم ألب دعوته في حضور الجمعية العمومية متعللة إنها هتبقى دكاترة في بعض، أنا بقى إيه اللي هيحشرني في وسطيهم، انخرطنا في دوائرنا الصغيرة والمختلفة للتوعية بأهمية الإضراب، واشتبكنا في مناقشات عن جدواه، وهل من حق الطبيب أن يصحو صبيحة يوم وأن يعلنها أنه لن يقدم رعاية طبية لمريض يحتاجها؟ كان لدينا من الأمل الوفير الذي يحدونا لأن نصطبر ونستمع ونعيد على الأذهان ما نؤمن به من حق وبيئة آمنة للعمل كحق أصيل بديهي.

منى مينا نقيب أطباء مصر 2016


        في مساء أحد الأيام التالية أرسل لي نفس الشخص الحساب الشخصي لدكتورة تسمى "منى مينا" مذيلة برسالة لطيفة "مش كنتي تيجي علشان تقابلي العواجيز". حين وقعت عيناي على دكتورة منى من وراء الشاشة لأول مرة، أنارت في ذهني الأخت سيمون إحدى الراهبات اللاتي كرسن حياتهن لتدريس الأطفال في مدرسة الآباء اليسوعيين بمدينتي النائية في الصعيد، فهي لديها نفس الشعر القصير الرمادي، ملامح الوجه الهادئة، القرط المستدير الذهبي، ولأنني كنت في أولى مراحلي لرفض قداسة البشر، أزحت صورتها كـ "قديسة" من ذهني وبدأت في التلصص عليها ومتابعة ما تقوم به فيما يتعلق بإضراب الأطباء. كنت أتلصص عليها لأستخدمها كوسادة أوجه لها لكمات غضبي المتراكم من كل ما يمثله جيلها في ذهني، و"فعل خذلان" متكامل الأركان خذل الثورة حين تمسك بالعمل من داخل أروقة نظام قامت الثورة بالأساس عليه، فإذا بي أفاجأ أن هناك ثورة "عواجيز" وأنا المعتدة بسنين عمري الأقل لم أفهمها حينئذ.

        في تقاطعات الحياة التالية، حين تهاوت الملحمة وسقطنا جميعا معها، حكت لي صديقة طبيبة قررت بشكل قاطع أن تبدأ في إجراءات الهجرة وانخرطت في بكاء مرير لأنها اليوم شعرت أنها مثل الجرذ الهارب من بالوعة الشارع حين حاصر مستشفاها التعليمي عدد من أهالي المرضى، لم يكن هناك مجال لتقصي حقيقة الأمر.. من المخطيء؟ أتراه الطبيب أم أهل المريض؟ ولم يكن هناك مجال للخوض في حديث جدلي لا طائل منه، ربما سينتهي إلى أننا سنصل إلى إلقاء اللوم كله على آدم اللي أكل التفاحة ونزلنا الأرض كما تتغنى إحدى المهرجانات الشهيرة حالياً.

        كانت لحظة هزيمة صفرية بامتياز، وكانت الصديقة تحمل خيبة مضاعفة من الإهانة والعجز.. ذكرت لي الصديقة أنها قبل البدء في خطوات الهجرة  قابلت دكتورة منى مينا، وها هي تعود لأضواء ذاكرتي تارة أخرى "منى مينا"، وأخبرتها أنها بصدد الهجرة. تقمصت شخصية دكتورة منى وقمت بالرد الفوري على صديقتي "وطبعا قالتلك لأ متسافريش وخليكي في البلد وابنيها"، لكن ما حدث والعهدة على رواية الصديقة، أنها أثنت على قرارها بجملة مقتضبة "سافري يا بنتي.. أنتوا تستاهلوا حياة أحسن من كده، سيبونا نحاول نلحقها".

        كنت لا زلت اتأرجح في بندول الانتماء والوطن واختيارات الرحيل والبحث بلاجدوى عن سبب للبقاء، فجاء ردها باترا حاسماً، فهي ترى أننا جميعا "نستحق خيارا أفضل". استوقفني أنها بالرغم من تشجيعها لسفر الصديقة، إلا أنها لازالت تؤمن أن من لم يستطع الخروج، فلا مجال للمساومة على خيار الحياة الأفضل.استوقفني أنها اختارت أن تنحاز لمعسكر "الخسرانين" الذي تم وصم معسكر الثورة به لاحقاً.. المعسكر الذي يتجرع هزائمه ويعترف بها ويتطهر منها كما لم يفعل ممن دشنوا لتلك الهزيمة المروعة.


        ما جعلني التصق بها كقديسة هذه المرة، أنها صفعتني على وجهي بالحقيقة التي لابد من الاعتراف بها: هناك عواجيز مؤمنون أن هناك خيارا أفضل، وأننا جميعا نستحقه، وأن الثورة لم تكن مقتصرة على من يستطيع الهرولة في الشوارع فقط وقت الاشتباك، بقدر ما تعنيه لي الثورة الآن: القدرة  على المقاومة، الاختيار الواعي، المحاولة المتتالية إننا "نحاول نلحقها".

        ما اكتبه ليس تمجيداً في دكتورة منى وإن كانت تستحق وأكثر، لكن تمجيدا لما يحدث في نقابة الأطباء التي ستشهد حدثا مهما يوم الجمعة المقبل. لسنا بحاجة لأن نكون أطباء أو متضررين بشكل مباشر مما يحدث من انتهاكات جسيمة بحق الأطباء في مستشفى المطرية وغيرها من الانتهاكات التي يتم تمريرها بدون أدنى محاسبة. 

لسنا بحاجة لأن نخوض ذلك الجدل البيزنطي "الأطباء ماينفعش أصلا يعملوا إضراب"، لأننا بصدد اختيار واضح، أن الأمن على حياة الطبيب يجُب كل ما يليه من تبريرات واهية.


لسنا بصدد التذكير بممارسات القوة.

لسنا بصدد السقوط في بالوعة الأفواه التي تلقت أمرا شفاهيا ارتدته ما تيسر لها من بدل الرقص، وانهالت على آذاننا في غناء نشاز عن إهمال الأطباء في هذا التوقيت تحديدا، لكننا بحاجة لأن نعلنها واضحة صريحة مدوية #ادعم_إضراب_الأطباء.

قد نكون مجرد أفراد عابرين هامشيين على مشهد الحدث، لكننا لا زلنا قادرين علي رؤية "ثورة" تشبهنا هنا في هذا الكادر من الفيلم، ولدينا اختيار واع للانتصار لها، لسبب أبسط مما يتخيله الكثيرين "علشان نحاول نلحق البلد دي"، لو نقدر، 

وإلا هنبقى "عجزنا" فعلاً.

هما اللي بيرازوا فيا- حكايات عن البيزنس، التطور المهني!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 6 فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- هُمّا اللي بيرازوا فيّا- موقع زائد 18


كان ياما كان يا سادة يا كرام، وكل من له نبي من قلبه يبعت له السلام، واللي مالوش خليه قاعد برضه منورنا، مايضرش.

تقول الحدوتة إن كان فيه كتاكيت عايشين في كرتونة، أي أربع حيطان بيتحركوا جواها، واحد من الكتاكيت كانت مؤخرته أكبر من الكتاكيت التانيين، وكان بيعيق حركتهم في الرايحة والجاية جوه الكرتونة، فاجتمع الكتاكيت في ذات ليلة وقرروا إنهم يخلعوا أحد حيطان الكرتونة ويحطوها حاجز بينهم وبين الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة، علشان يعرف يتحرك براحته، وفي نفس الوقت هما كمان يتحركوا براحتهم من غير ما يتكعبلوا في مؤخرته العظيمة.. بس وقعوا في قرار ملعبك.. يا ترى دلوقتي الكرتونة هتتقسم جزئين.. جزء يتحركوا فيه براحتهم وجزء تاني هينفوا فيه الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة علشان مايقعش عليهم يفطسهم، المشكلة هنا كانت يا ترى أي جزء هم هيقعدوا فيه؟ هل الجزء اللي هيبقى متحوط بـ”أربع” حيطان، ولا الجزء التاني اللي هيبقى عبارة عن تلات حيطان وحتة مفتوحة على الهواء الطلق.

الكتاكيت في نفس ذات الليلة المشئومة، حسموا أمرهم، وقرروا إن يعني إيه نقعد من غير أربع حيطان؟ لا.. كده نستهوى، فاختاروا الجزء "الآمن"، وتلوا حيثيات الحكم والقرار بتاعهم على الكتكوت أبو مؤخرة مرهرطة اللي حس بغصة في نفسه، مش علشان مؤخرته اللي هتفضل منكدة عليه عيشته طول عمره، لكن علشان ماكنش عارف الجزء التاني المجهول بالنسبة له هيكون إيه.

تاني يوم ابتدا التنفيذ واشتغلت الكتاكيت بكل قدم وساق علشان يتخلصوا من المؤخرة الملظلظة اللي مكدرة عيشتهم.. الأيام الأولى شهدت فرحة غامرة ونشوة الانتصار وصوصوات متتالية من الكتاكيت في الركن المنتصر، ومن كتر فرحتهم ابتدوا يزعقوا في الكتكوت الكبير من ورا الحيطة ويتريقوا عليه.. الكتكوت أبو مؤخرة كبيرة ابتدت تتراكم عليه مخاوفه وينجرح الإيجو بتاعه، مش بس إن مؤخرته بتكبر وإنه مقدرش يداريها، لأ لأن كمان دلوقتي بقى في مكان من غير أربع حيطان ومكان الحيطة الرابعة بقي مخيف بالنسبة له لأنه مشافوش قبل كده، ولأن عقله كان مشغول طول الوقت بـ”اللية” ماكنش قادر إنه يشوف الفرصة اللي قدامه.

بمرور الأيام مؤخرة الكتكوت كانت بتكبر وكان خوفه بيكبر معاه، فكل ما كانت مؤخرته تؤرقه وخوفه يشوكه، كان بيرجع بضهره ويسند على الحيطة اللي بتفصل بينه وبين الكتاكيت على الناحية التانية.. لاحظ أن كل سندة بيعملها على الحيطة، بتتزق بفعل تقل المؤخرة، والأغرب أن كل زقة بتخلي الكتاكيت يسكتوا ويتوقفوا عن التريقة عليه وعلى مؤخرته.

في الأول كان بيزق الحيطة خايف، لكن بعد ما قرر إنه خلاص هيعيش جوه الكرتونة دي للأبد، قرر إنه يمارس لعبة "ياللا نزق الحيطة كمان وكمان وكمان"، مرة و را التانية الصمت بتاع الكتاكيت اللي ورا الحيطة ابتدا يكتر بس الزعيق المرة دي ماكنش عليه، والأدهى إنهم نسيوا موضوع مؤخرته وإنها سبب أزمتهم، وابتدوا يزعقوا في بعض، وهنا اكتشف متعته الجديدة اللي خلته يتعافى من عقدة مؤخرته الأزلية، متعة الفرجة على الكتاكيت وهم بيتزنقوا أكتر و بيخانقوا في بعض أكتر، ونسيوا أو تناسوا موضوع الكتكوت التاني على الناحية التانية، بس كانوا دايما بيسمعوا صوت ضحكه، وماكنوش عارفين هو بيضحك على إيه.. لما ضاقت عليهم المساحة بشكل مستحيل إنهم يقدروا يتعايشوا، ولما ابتدى صوت الكتكوت صاحب المؤخرة يعلا من الضحك، فكروا إنه ربما يكون لقي “براح” وحياة أحسن الناحية التانية، ويمكن أخطأوا في قرارهم بنفيه من الأول، وأصلا بقت الحياة في ضيق جزمة مقاس 12.

في اليوم اللي بعده استقر الحال بالكتاكيت إنهم ابتدوا ينقروا في الحيطة اللي بتفصلهم عن الكتكوت الملظلظ.. كان كل ما يسمع صوت نقرهم على الحيطة يخاف أكتر من رجوعهم، ويفتكر معايرتهم له بمؤخرته، فيستخدمها علشان يزق الحيطة عليهم، فالكتاكيت تتزنق أكتر ومساحتهم تقل بزيادة، فيزودوا بالنقر في الحيطة لغاية ما في يوم حصلت المفاجأة!

وهم بينقروا لقوا حاجة طرية ماتشبهش الحيطة اللي كانوا بينقروا فيها طول الأيام اللي فاتت، لكن ده إداهم أمل كتاكيتي إن خلاص هانت وهيشوفوا الناحية التانية فيها إيه.. الحقيقة إنهم كانوا بينقروا في طيز الكتكوت الغبي (آه بقى أنا تعبت غني اقول مؤخرته.. دي حاجة بيض والله) ولما اكتشفوا إنها طيز الأفندي وإنه هو اللي كان بيزق عليهم الحيطة طول الوقت، ماقدروش يعطفوا عليه ولقوا نفسهم بيكملوا تنقير في الكتكوت الغبي، وكل ما بتراودهم مشاعر الكتاكيت في التعاطف أو الشفقة، كانوا بيفتكروا الأيام السودة اللي عيشهالهم وكان بيزق عليهم الحيطة وبيقعد يضحك على الناحية التانية، فكملوا تنقير فيه لغاية ما خلصوا عليه تماما، وأكلوه بسنانهم، بس سابوا منقاره علشان يكون عبرة لأي كتكوت عنده مؤخرة كبيرة هيجي يتغابى عليهم في يوم من الأيام.. الكتاكيت مش بس هدوا الحيطة واتخلصوا من غباء الكتكوت، لكنهم كمان اكتشفوا أن الكرتونة اتفتحت على عالم أكبر من اللي عرفوه قبل كده، وابتدوا يجروا في كل الاتجاهات.
توتة توتة، خلصت الحدوتة.

******
الحدوتة  دي كانت اتحكت لي من زميل في شغل قديم، وكنا بنستخدمها لما بنحب نعمل تمرد كده محندق على ما قوسم علشان نحسن ظروف العمل اللاإنسانية في البلد البعيد.. عملنا جروب سري على الواتس آب سميناه "كتاكيتو بُني"، مش تكريما بس لزينات صدقي، لكن كمان علشان نفكر روحنا إن "الكتاكيت قادمون" وإننا هنفضل ننقر في مؤخرة الإدارة لغاية ما نلاقي مخرج، علي الرغم من أن كل محاولاتنا كانت كوميدية وبنحاول بيها نمتص طاقة الغضب اللي جوانا، لكننا فضلنا في "التنقير" لغاية ما لأول مرة الإدراة ابتدت تعمل مراجعات حقيقية وتم تسريح عدد لا بأس بيه مننا.. كان بودي و الله الحياة تبقى شبيهة بالحواديت، بس معلش.. أهلا بيكم في سيت كوم "الحياة صعبة يا ولدي"، وعلي الرغم من أن كل حد فينا في بلد دلوقتي، لكن الجروب كان أول محاولة متعددة الجنسيات للنقر في مؤخرة كل وضع ظالم.


على عكس الحواديت، كان بودي والله إننا نزرع الأمل والخير يجيب الشر من لغلوغه ويطرحه أرضا ويقعد عليه يبططه، لكن يبدو إن جيلنا العظيم التعيس اللي بيتقبض على أحد أفراده علشان خفة دمه، مبقاش قدامه غير خيار واحد، وهو الخيار الكتاكيتي.. نفضل ننقر، ونزن ونترازل ونرازي في الكتكوت أبو لية، اللي هيقع علينا يفطسنا كلنا.. مش علشان لا سمح الله شايفين النور في نهاية النفق، أبسلوتلي علشان مبقاش فيه خيار غير كده، والمساحة بتضيق وعددنا بيختفي في ظروف غامضة.

مبقاش عندنا اختيار غير المرازية، حتى لو في يوم كتاكيت في كتفنا اختاروا اختيارات آمنة مش هيلاقوا قصادهم غير المرازية، ويحضرنا مشهد روبي البديع في مسلسل "سجن النسا" وعنيها بتعكس كل تراكمات الغضب اللي اتحاشت جواها طول الوقت لغاية ما فجأة هتنفجر وتزعق فيهم كلهم بلا استثناء "همّا اللي بيرازوا فيا".
هنفضل ننقر ونرازي وغالبا البقاء هيكون للي نفسه أطول في المرازية، زي ما قال آينشتاين في قعدة رواق على قهوة كرمش بضواحي الجيزة، وأيده


نيوتن
في زيارته الخاطفة بعد كده في قانونه الشهير المدفون تحت كرسي في نفس القهوة: "إن كل مرازية يقابلها مرازية مضادة لها في الاتجاه وبنفس القوة والغضب".
مش هنبطل نرازي في اللي بيرازوا فينا.
و توتة توتة مابتخلصش الحدوتة.