الجمعة، 14 سبتمبر 2018

اتقوسّ- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 14 سبتمبر 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة الشاعرة المصرية- ريهام عزيز الدين 2018

أتقوسّ

أتسابق مع الذاكرة

كيف كنت أبدو قبل ثلاثين يوماً من هنا

أتطلع لصور لفتاة تشبهني كثيراً

يلقبونها بجمرة اللهب

ألصق أنفي بالصورة أتشممني

أشم رائحة جلد يحترق

أتفحص راحة يدي

شراييني تبدو كمواسير بناية عتيقة

 ينشع منها العطن الأخضر

كنتُ اظن أني العصا التي سيتوكأ عليها العالم

و يهش على غنمه

الفعل الوحيد الذي أجيده الآن

 أن أتقوس

أرملة في السبعين غادرها كافة أبناؤها

يتقوس فخذاها

يبس رحمها

تجمد الحليب في ثديها

تقترب من الأرض بلا مقاومة

تخفي الشعر الأبيض النافر من أذنيها بارتداء تربون سميك

تتأكد كل يوم من عدد التجاعيد بين الساعد والإبط

أتسابق مع الذاكرة

تخذلني قدمين منتفختين بفعل انحناءة من كلي معطوبة

من كنت قبل ثلاثين يوماً من اليوم؟

بأي بعض مني كنت أمنح من أحب؟

هل منحت نفسي بالكلية لأحد؟

أي مهنة كنت أمتهن؟

هل كنت معلمة

 تروي قصصاً علي صغار

يتطلعون إليها بعين يملؤها اليقين،

 بينما هي فقط تجمل وجه الحياة!

هل كنت إمرأة هاربة من الجنوب

 تبحث عن أبيها والله في أزقة المدينة!

هل كنت أمًا فقدت جنينها قبل أن يتشكل؟

هل كنت نبية تبشر بقراءة الطالع للاأحد؟

هل كنت عاهرة أبيع الجسد

في أحد البارات الرخيصة لمن يمنحني وعدًا بعدم التخلي

 ثم يرحل؟

هل أفضل أن يقبلني الرجال علي شفتي أو عنقي أم سرتي!!

 أم أني انصعت لقبلة أمرأة خمسينية راودتني عن نفسي ولم أنهرها؟

هل أفقد الوعي حين أتجرع الخمر؟

أي نوع من الخمر يذهب برأسي؟

هل أفضل القهوة؟

أم أحقن ذراعي بالنيكوتين؟

هل بحثت عن الله؟

هل بحث الله عني؟

قبل ثلاثين يوماً من هنا

هل كنت بالفعل؟

أم يتهييء إليّ أني كنت؟

ضوء أبيض بمقدمة رأسي يغمرني

يمحو كل شيء

سوي فعل أوحد

أتقوس

كأرملة في السبعين

تخفي تجاعيدها جيدا بطبقات من كريم رديء الصنع.

السبت، 8 سبتمبر 2018

سيجارة- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 8 سبتمبر 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة للشاعرة المصرية- ريهام عزيز الدين 2018

سيجارة


علمتني السيجارة الأولي الانكفاء علي خوفي

الآن أبدو أكثر استعداداً لمواجهة العالم

انتهيت للتو من تمارين القسوة

يمكنني أن أنظر للخوف في العين مباشرة

أشده من شعره الأسود الطويل

ألف خصلاته العالقة بحنجرتي

أتلذذ بتعذيبه ببطء

بينما أنظر إليه بعينين باردتين.

**

علمتني السيجارة الأولي العبور

فما بقيتُ معلقة بين عالمين

الجسر الذي أمضيت عمراً أقطعه

جيئة و ذهاباً

تساقط

حاملاً بعضاً من قدمي

التي ظننت يوماً أنهما راسختان

كجذر شجرة أحملها وشماً فوق ظهري.

**

علمتني السيجارة الأولى

أن أراقب البطء

كنقاط محلول ملحي تتساقط في أوردة ضيقة

لرجل سبعيني عجزت أن أقرضه رغبتي في الحياة

أراقب المحاولة الأولي في الفشل

الشفتان موضوعتان على المبسم

تقضمان تفاحة الغواية

امتلاء الفم بخيبة

تنتهي بسعال

 يشي بسرقة الحلوي لطفلة في الثامنة.

**

النَفَس المسافر بداخلي

يرتطم بمحاولات لثم الحياة

ابتلاعها علي عجل

وتقيؤها أيضا بنفس ذات الخديعة

دون أن أسمح لها أن تخترقني بالكلية

الخوف أن يحترق حلقي

الخداع الطفولي بإنقاذ العالم

أحبه قليلاً

وأحب  أكثر احتراق شفتي بالغواية.

**

الرغبة الأخيرة لمحاولة التأكد من إمكانية الحياة

بالاحتراق الكلي

ومراقبة

الرماد الذي يتكوم في المنفضة

ببطء

التأرجح بين دخان أرسم به دوائر

يمكنني الآن أن أطلق سراحها

وقبول الخسارة

فما يتبقي منها

رماد

سأفرغه لاحقاً في مكبٍ أكبر

حين تنتهي السيجارة الأولي

سأتأكد من محو آثارالغواية

لأبدو طفلة تفوح منها رائحة الديتول

سأعيد تكرار أناشيد البراءة في أذن أمي

كي تقر عينها

أراقبني وانا أخطو فوق متاريس صوتها بداخلي

تنتهي

السيجارة

وانتهي

وأعلم أني

أقبض علي الريح

وأني أحترق ببطء.