الأربعاء، 14 ديسمبر 2022

بنايةٌ أسمنتية

 النص منشور بمجلة الثقافة الجديدة- وهى مجلة صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بجمهورية مصر العربية

ملف الإبداع

  عدد ديسمبر# 387

 80 صفحة




بنايةٌ أسمنتية


كنتُ أودُّ أن أكتُبَ عن اللونِ الأخضر

عن النسائمِ اللطيفة لتغيّرِ الفصول

عن المارةِ المُبتسمين على غيرِ العادة

عن مُمارسات الرِّفق العابرة

لقطٍ بعينين دامعتين تمّ العثورُ عليه في قارعةِ الطريق

عن رصانةِ الكلماتِ التي تُحيطني من الجِهاتِ الأربع

عن دُبٍّ باللونِ الأبيضِ مَحشوٍّ، وضعتُه أمي علي طرفِ سريري لئلا أشعر بالوحشة

عن أطفالِ البناية وهم يقرعون الجرسَ ثم يختبئون في ذكرياتِ طفولة

عن المنزلِ الذي أُعيد ترتيبه في اليومِ آلافَ المرات

عن استعادتي لمهارتي القديمة في اكتشافِ روائحِ الطعام

عن موهبتي في وضع البهارات فوق أذرع المُتعبين

عن محبةٍ بخفةِ ريشةٍ بينَ جدارين يفصلهُما معبر

غير أني أكتبُ عن البناياتِ الإسمنتيَّة في المدينة

يتبولُ علي جدرانها العابرون

يهجوها الشعراءُ في قصائدهم

لا يسألُ عنها أحدٌ في الغياب

لا ينتصرُ لها أحد.

 

البناياتُ الإسمنتيَّة

التي لا تدع فراغًا للتنفس

الجدرانُ التي تعتصرُ قفصك الصدري

النوافذُ المٌختبئة تعلنُ عن وجودها في استحياء

يقفُ خلفها جنودٌ مُدرجون بالدانتيل والساتان

تختبىءُ خلفهم أصابعُ قدمين صغيرتين تشيان بطفلةٍ لم يبحث عنها أحد.

 

البناياتُ الإسمنتيَّةُ المُزوّدة بمصاعدٍ كهربائية ذاتَ حفرةٍ بأسفلها

وطفاياتِ حريقٍ لرجالِ إطفاءٍ انحشروا في المصعد

وجنودٍ متمترسين علي بواباتٍ تُفتح بكلمةِ سرٍّ يحملُها الجميع

وكلابِ حراسةٍ شرسةٍ تترفَّقُ مع أدني حميمية.

 

البناياتُ الإسمنتيَّة

التي لا يُحبها القادمون للمدينة

التي تقفُ في العراءِ تصطنعُ الشجاعة

تتجمعُ كمتاريسٍ على باب الُحنجرة.

 

البناياتُ الإسمنتيَّةُ التي تملأُ الطرقاتِ

تُشبِهُني.


 


الثلاثاء، 13 ديسمبر 2022

أما آن لهذا الضجيج أن يستريح

 نصٌ منشور بموقع نخيل عراقي

ديوان الشعر



أما آن لهذا الضجيج أن يستريح

أمقتُ الصوتَ المرتفع 

أتخيَّلُ أحبالَه الصوتية قد توقفت عن اللعب   

واستدارت لتوجه لكماتٍ في الهواء. 

أمقتُ الصوت المرتفع 

يُذكرُني بصَخَبٍ لم أعد أنتمي إليه. 

أمقتُ الصوت المرتفع يعيدُ لي بضاعتي من كلماتٍ لم يكن علىَّ قولها   

وأخرى ابتلعتُها حين توجَّب علىَّ تقيؤها. 

أمقتُ الصوت المرتفع  

يجرني من يدي نحو صمتٍ 

يختبئُ باكيًا خلف باب موصد  

تتلصص من ثقب الباب 

على جسدٍ مُسجى على الطاولة 

يتم اقتلاعُ أحباله الصوتية ببطء 

يهرولُ سريعًا في الاتجاه المعاكس 

يتأكدُ من إلصاقِ ابتسامةٍ بحجم الكون  

مرددًا بخشوع 

كل ما أخشاه قد حدث. 

أمقتُ الصوتَ المرتفع 

يُضيف إلى روزنامتي سبعَ سنواتٍ عجاف 

لطفلٍ بلا صوت 

يُحرك العالم بعينيه ومخيلته 

غير أن لا أحد هناك يلتفت. 

أمقتُ الصوتَ المرتفع حتى صراخ المحبين "أُحبك" لتقطع الوحشة 

تجلدني بخطأ قديم غفرته لي، 

كما غفرت له كلّ شىء. 

أمقتُ الصوت المرتفع 

يُلصقني بعالمٍ لا أقف بداخله منذ أزمنة، 

لا أراه  

أطفو فوق ريشة بيضاء  

سَقَطت للتوِّ من حمامةٍ باللون الرُمادي 

كلما سرتُ 

أراها تبتسمُ لي وحدي.