الاثنين، 24 أكتوبر 2016

"مجنون" الرصيف!- قصة

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 24 أكتوبر  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة "مجنون الرصيف"- مجتمع، ناس- موقع زائد 18 


السادسة والربع صباحاً بتوقيت المدينة المنهكة، يصطف المسافرون على رصيف محطة القطار كذرات غبار عشوائية لفظها الكون، تتجمع في نقاط مكثفة تعلوها قهقهات الأصدقاء أو صراخ الأسر لأبنائها بالابتعاد عن حافة السور "أحسن القطر يلهفك" أو سيمفونيات الصمت والهروب التي يجيدها المسافر وحيداً ملتحفاً سماعات الأذن وتحديق لا نهائي في الفراغ.
بحسب ما أخبرهم صوت موظف السكة الحديد المتحشرج المفصح عن سأمه من دوره الباهت، فعليهم الاحتشاد على رصيف 11، فالقطار على وشك دخول المحطة.
تتكدس ذرات الغبار والبشر على الرصيف في انتظار أن يلوح الضوء القادم من مقدمة قطار يحملهم إلى أرض الهروب الكبير.
تبدو دائماً الناحية الأخرى من الرصيف فارغة، تذكرنا بتلك المقولة "حيث العشب الأخضر على الناحية المقابلة أكثر اخضراراً"، لكنه لم يكن كذلك.
صرخاته تقطع الصمت المقدس الذي يليق بنسمات الصباح الأولى، يتوقع القابعون في انتظار قطارهم على الناحية الأخرى أنه يتحدث إلى أحد ما، يتلفتون يمينا و يساراً ثم لايلبثون أن يدركوا أنه أحد مجاذيب المدينة المنهكة، يفوت عليهم فرصة الترحيب به في عالم المجانين العقلاء ويعلن حضوراً قوياً "جتكو ستين نيلة.. جتكو ستين نيلة عليكو".. ويختتمها بالنداء علينا كقطع "جيف" متحركة.


ملابسه الرثة، قدماه المبتورتين تشيان بما تفرضه عليه المدينة التعيسة من دور في سيناريو متهالك، لكنه لا يمارس فعل استجداء العطف أو استدرار الأموال من عابرين يتلمسون سنداً واهياً ظانين أن جنيهاتهم القليلة لربما ستكون تذكرة عبورهم إلى "جنة".
يزحف زحفاً في نطاق ضيق لا يتخطى الخمسين سنتيمتراً بقدر ما يتيح له الفراغ السحيق مكان قدميه بالحركة. يستخدم طبقتين في صوته، فيبدو وكأنه ارتضى أن يقوم بدوري البطولة في فيلم يراه بمفرده.
يروى حكايته، يخاطب طيفاً أنثوياً قائلاً: 

"أنا قولتلك أنا مش بتاع جواز"!

يترك جمهور الرصيف يخمن من تقف أمامه، ما دار بينهما من مسببات للحوار ليدفعه للإعلان عما هو بادٍ للعيان، يصمت قليلاً، فنظن أن "عقله" قد استرد عافيته يباغتنا بتصاعد متسارع حيث يحمل عضوه الذكرى -أو هكذا يخيل لنا- بين كفيه، ويستكمل صارخاً: 

"أنا مش بتاع جواز يا مرة.. 

عايزة تتجوزيني علشان إيه.. إ

ديني سبب واحد يخليكي تتجوزيني!"

.. يتحرك مثل بندول الساعة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. من صراخ هستيري كمن دهسته الحياة للتو.. وبين صوت هاديء رزين يتحدث قائلاً: "يا ريتني ما سبت محل التصوير، يا ريتني ما كنت قابلتك أصلاً".

يتركنا هكذا نحن جمهور الرصيف نحاول أن نملأ الفراغ المتسع من اعترافاته المتقطعة عن حياة لن نخبرها قط، قد يملأ البعض هذا الفراغ بمأساته الشخصية فتراه محدقاً في صورة تلوح في عينيه وحده، تمسك بتلابيب لحظة يكاد يحسد فيها "مجنون" الرصيف على جرأته للصراخ بأعلى صوت عما فقد ليس في جسده فحسب، بل فقد يتسع في روحه ويتغذى على ما تبقى من مسام عقله. والبعض يرى فيه تسلية لطيفة ليملأ فراغ الوقت فيتحول للتفاعل مع المشهد محتمياً بتواجده على الناحية الأخرى ويبدأ في إلقاء زجاجات المياه الفارغة على "مجنون" الرصيف الذي يتوحش بدوره، ويبادلهم بالسباب واللعنات.
رجل أمن يقظ يتفاعل مع المشهد عن بعد بالاقتراب من أحد الفتيات الحاملة عبء قلبها بمفردها.. يميل عليها فلا تفصله بين كتفه وكتفها قيد أنملة.. "دول كمالة عدد ربنا ياخدهم علشان البلد تنضف"، ثم يطلق قهقهة عالية تفضح رائحة فمه الكريهة وضرورة ملحة لمعالجة أسنانه التي ستشي حتماً برائحته مهما اختبأ.
يظن أنه أثار إعجابها وملأ فراغ  فقدٍ آخر يستتر به خلف زيه الميري.
المجاهرون بتذكيرنا بقبساتهم الملائكية النورانية يرددون بصوت عالٍ: "الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كصيرا من خلقه، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً"، ينهون جملتهم كخطيب جامع يتنحى عن منبره وينتظر جموع المؤمنين الغافلين أن يرددوا وراءه.. لا يدركون أن كل منا يحمل "بعضاً" منه.. وقد ننتهي يوماً إلى ما انتهى إليه.. فقط يفصلنا بضعة أمتار، وقضبان سكة حديد يحملنا بالتوازي إلى ما لانهاية، وقدر قليل من إيمان أننا لا زال لدينا شيئاً نقاوم من أجله.
ينهمك جمهور الرصيف في التحديق.. في الفرجة المجانية.. بينما ينظر إليهم بطل الفيلم الأوحد بين تردد واعٍ موجهاً سبابه إليهم "جتكو ستين نيلة.. جتكو ستين نيلة.. ناس سوّ"
يعلو صوت موظف استعلامات المحطة الكسول تارة أخرى مذكرأ بدخول القطار إلى الرصيف، تلوح من على البعد أضواء القطار التي تشق غياهب الجب.. ينهمك كلٌ في الخروج من فيلم الهذيان الصباحي بأقل خسارة ممكنة، يطمئن كل منهم على حقائبه، أسفار قلبه، وقناعه الذي يود ارتداءه حين يدلف القطار أو يترجل منه.
يهرول الجميع إلى باب عربات القطار الزرقاء المتهالكة يحملون من الخيبة والشتات زوجين، نصطف كجنود أمن مركزي بزي ملون يتم شحنهم في صناديق قمامة كبيرة باللون الأزرق لا ترى الضوء سوى من نوافذ يعتليها سلك شائك، كأنما يريدون أن ينفوا عنا تهمة الحياة فلا نتطلع إلى حياة خارج صناديقنا المحددة سالفاً.. كلٌ يبحث عن مربعه ومقعده ويستعد لأن يعلن رقمه بصوت عالٍ كمجند خدمة مستجد.. أصل إلى مقعدي.. استعد لرحلة البرزخ الطويلة.. أتصفح محرك البحث، تندفع سبابتي على غير إرادة مني في الضغط على أحد فيديوهات الصفحة الإخبارية، فأجد “مجنونا” من نوع آخر، يرغي ويزبد ويلوك الكلام في فمه ليستفرغه على جمهور الـ"ترسو" الذي لا يختلف كثيراً عن جمهور رصيف المحطة.. يؤرجح صوته بين أرملة أربعينية تستجدي معاشاً وبين معلم ينهر تلاميذه لعدم أدائهم "الواجب" كما ينبغي نحو…. الوطن.
أغمض عيناي.. يكفي جرعات هذيان مجانية لهذا اليوم.. استعد للاستسلام للنوم، علّ القطار يصل إلى وجهته سريعاً دون المرور بنوبات التعذيب المتعارف عليها في قطارات الصعيد، أو نصل لأقدارنا المحتومة في هذا الوطن، كمانشيت رئيسي لحادثة قطار يتبارى فيه "مجانين" آخرون ضرباً آخر للجنون، بينما ترن في صوت مجنون الرصيف وهو يودعنا قائلاً: "جتكو ستين نيلة"!

الأحد، 12 يونيو 2016

صراصير يا هانم.. صراصير!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 12 يونيو  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة "صراصير يا هانم صراصير"- ثقافة ومجتمع


نقف ثلاثتنا أمام البناية الشاهقة في إحدى المستعمرات الجديدة بداخل القاهرة، نحمل عيونًا تلتمع ببريق الحلم، حقائب ظهر معبأة بطاقة للحياة لا تنضب، أحذية رياضية تشي بأقدارنا التي ارتضيناها في الهرولة نحو ما نحب ونؤمن به، وجاكيتات رسمية لتخفي أعمارنا الضئيلة، فلا نبدو كهواة.
نقف ثلاثتنا أمام البناية وأكاد أجزم أننا تحولنا إلى أربعة حين انضمت إلينا سناء جميل في أحد أفضل مشاهدها في فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" لتبوح بعينيها الصادقتين: 

"إحنا صغيرين أوي يا سيد".

تخطينا البوابة الأمنية مصحوبين بنغمات جهاز التفتيش الذي وشي مرارًا وتكرارًا بكل تفاهاتنا التي قد تشكل تهديدًا لحياة قاطني المستعمرة كقلم رصاص، أو بنسة شعر ضلت طريقها في الحقيبة.
أولى خطواتنا داخل المستعمرة، يلفحك الهواء البارد بفعل التكييف المركزي من ناحية وبفعل الردهة الواسعة المنتهية بباب المصعد الذي يذكرك بالباب السحري الذي تنتقل منه "أليس" إلى عوالم غرائبية. نصعد الطابق المحدد تستقبلنا المزيد من الأبواب الزجاجية التي تنفتح إلكترونيا معلنة وصولك الآمن من عالم النمل إلى عالم العمالقة.
سيدة المجتمع “الراقي، بل “سيدة القلوب” تطل علينا أخيرًا بعد أن عبرنا كل تلك البوابات، تقف مرحبة بنا تضغط على أكفنا بحرارة مصطنعة، فتهتز معها أساور متكومة كأصفاد تعتني بها جيدًا فقد تذكرها دومًا أنها قد دفعت ثمن الانتماء إلى عالم العمالقة.. كاملًا.
يظهر من خلفها دكتور "ج" يتقدم نحونا بابتسامة باردة، وأشم في كفيه روث بقرة جدي.
أجاهد نفسي ألا تفلت من شفتاي ضحكة مختلسة، فأذكره على وجه اليقين، هو نفس الشخص الذي تدرج في المناصب الجامعية معتمدًا على قدرته غير المسبوقة أن يصبح "مداسًا" لكل من يفوقه منصبا، ولا يجد غضاضة في ذلك، وهو الشخص ذاته الذي تعثرت به لحظي السعيد في سفارة أحد البلدان البعيدة وظللت أنظر إليه كثيرًا وهو يلهب الحضور بحديثٍ يجيده للغاية عن "مصر أمي"، ولأني -وقتئذ- لم أكن أعرف أن هناك قائمة من السباب ستطال السيدة التي أنجبته، كنت اكتفي دوما بتخيله "محجوب عبد الدايم" في القاهرة 30 وبخاصة في مشهده الأثير وقد نبت في رأسه -تتويجًا لجهده الحثيث- ما يستحق.
ها هو الآن أستاذنا الجهبذ ينضم إلى عالم العمالقة، فلنستمع لوصلة أخرى من العبث قادتني إليه أقدار مبهمة معه.
يحدثنا بنبرة لا تخفى عليّ عن كيف حصل على الدعم لمشروعه الضخم من أحد الجامعات العريقة في العالم الأول، وكيف أفنى شمعة الليل سهرًا وكدًا على فكرة المشروع والتي أكاد أجزم أنها لأحد طلابه المغمورين في دراسة الماجستير. يستطرد في السرد الملحمي عن كيف استقبلته الوزارة المعنية في البلد التعيس استقبال الفاتحين وكرمته اعترافًا بمجهوده المتميز في السرقة. عفوًا في دفع عجلة الإنتاج وتزييتها وتشحيمها بنقود السماسرة الذين يجتمعون حوله وهم يمارسون طقوس الولاء والطاعة الليلية، يسكرهم بأن يمنحهم ما يبحثون عنه، السيدة التي تبحث عن "قضية" تتبناها لتبدو ممتلئة أمام عالم العمالقة التي أدركت مبكرًا أن جمالها بمفرده قد انتهت صلاحيته فعليها أن تمارس عهرًا مختبئًا هذه المرة.. عهر تعيد صياغته بكل مفردات الحداثة والتنوير ولا بأس من التحدث بكثير من المصطلحات باللغة الأجنبية عن حقوق الإنسان وبخاصة هذا الإنسان ذو الملابس الرثة التي تغلق نافذة عربتها دونه وتنهره حين يقترب لأنها تخشى أن تتسخ. أو أن يفضح وسخه اتساخها التي حاولت جاهدة أن تخفيه بعدد لا بأس به من عمليات التجميل خلفت ندبة واضحة فوق أنفها، فلا تستطيع أن تحدد هل هي ممتعضة أم تعتليها الدهشة باستمرار.
يسترسل قرابة الساعة في استعراض رؤيته للتطوير التي تتعلق بإحداثي رأسي يرتبط بقوة من يدفع وإحداثي أفقي يتمثل في أن نمهد الطريق لكل من لديه القدرة أن يدفع فقط عليه أن يبرز ما لديه من قدرة مالية فتنتفح أمامه كل الأبواب المغلقة.
عليه أن يتوغل وينشر كل ما يؤمن به من قيم دون الاعتبار بالبقية.. البقية من وجهة نظره هم جحافل النمل. والنمل -كما يتراءى له في أبجديته- "كسول" لا يعمل بالقدر الكافي ولا يهتم سوى بإنجاب المزيد من النمل للحياة.
يبالغ في وصم ووصف من يقبعون على الناحية الأخرى من المستعمرة، متناسيا أنه ذات عمر كان هناك. وخيل إليه أنه عبر. ولم يدرك أن عالم العمالقة لازال يكدسه وسط جحافل النمل بالضفة التي جاهد كثيرًا ليتملص منها.
أحاول جاهدة أن استمع إليه دون أن أرى أسرابا من النمل تتدفق على جسده من كل حدب وصوب.
أكاد أهم أن ألفت انتباهه أن هناك خيطًا من النمل ينهمر من فتحة أنفه التي يعلوها كيس دهني كفنارة لوجهه، لكنني أتراجع.
يظل يرغي ويزبد عن انتصاراته الواهمة داخل مصر وخارجها، أتطلع إلى وجهه علّ أسراب النمل تغادره، لكن بلا جدوى.
يختتم قوله بأن يكشف لنا سر نجاحه المدوي: 
"أنا نجحت ببركة دعا أمي وعلشان ناس وقفوا جنبي.. 
أنا بقولكم ده علشان انتوا لسه صغيرين، 
أصلي خايف عليكو تعيطوا بعدين. 
لما تيأسوا"

ابتلع السر المقدس الذي باح به للتو مع مرارتي ورشفات متتالية من عصير الليمون المصنوع بعناية في أحد الكؤوس الكريستالية التي تليق بصباحية العروسة. ابتسم ابتسامة باهتة، انهمك في رسم دوائر تضيق على صفحة مفكرتي الصغيرة، ارفع رأسي فجأة موشكة أن أخبره بحقيقته في وجهه وليكن ما يكون، فإذ بي أجد التالي.
يقف عاريًا على مكتبه الزجاجي الأنيق الذي لا أدري كيف يتحمل عبء ثنيات جسده المترهلة، لازال النمل يحتل كل مساحات جسده المشعر العاري. ورقة توت أخيرة تغطي سوءته. يبدو كمن يهم أن يتبول على ثلاثتنا. يزيح ورقة التوت عن ثعبانه الأقرع وسط شهقاتنا واتساع أحداقنا. يتوقف في لحظة ذعر سرمدية. تسقط ورقة التوت. وقد التهم النمل أعز ما لديه. يعوي ككلب بُتر ذيله للتو.
"ريهام.. مقولتلناش رأيك إيه؟"
“متهيألي إحنا محتاجين نقرر إحنا فعلا محتاجين نعمل إيه دلوقتي، 
وعلشان نعمل ده لازم نفهم إحنا مين ورايحين على فين"
ينظر إليّ بابتسامة ماكرة "إيه ده هو أنتي ممكن ترفضي العرض بتاعنا.. لا قولي كلام غير ده”
يستأذن ثلاثتنا في الرحيل بعد أن انتهى الجميع من استعراض ما لديهم من فقرات بهلوانية، ألوذ بالصمت كمهرب آمن، أسارع بالخطى نحو البوابة الأمنية. أشعر أن الصالة الرحبة تضيق وأكاد اختنق. اتدفق مع أسراب النمل العائدين إلى منازلهم بعد أن انتهى عملهم بمستعمرة العمالقة، اتكور خلف مقود سيارتي. تطالعني صور مشوشة عن "عبد الحميد شتا". أشعر به على الرغم من أنني لم التقه من قبل. فقط أشعر به حاضرًا بقوة من خلف المقود.. أتعجب.. وأرى حبلًا سُريًا. يتشكل بيني وبين صورة "عبد الحميد".. بيني وبين أسراب النمل أينما كانت.
أرفض أن أردد ما يمليه قانون المستعمرة الأول "صراصير يا هانم.. صراصير".
*صراصير يا هانم صراصير: عبارة مقتبسة من الفنان سيد رجب مسرحية
العشاء الأخير- 2016: جسد من خلالها شخصية لواء شرطة يرى أن مصر تتعرض لمؤامرة من اليابان وأمريكا وفنلندا تحديدًا وفي عاقبة كل قصة تتعرض لأشكال القهر في مصر يختتمها بقوله "صراصير يا هانم.. صراصير".


مسرحية العشاء الأخير- الجامعة الأمريكية بالقاهرة- 2016

اللغة والثقافة المعاصرة- "شاومينج" و"الدوندوو".. وأشياء أخرى

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 12 يونيو  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة "اللغة والثقافة المعاصرة- الشاومينج والدوندوو وأشياء أخرى"


طُلب من الحاضرين في أحد ورش العمل أن يجدوا معنى لكلمة "شالوفة".. هرع المشاركون في الورشة البالغ عددهم أكثر من خمس وعشرين خبيراً لغوياً في الكشف عن هوية تلك الكلمة.
لم تكن "شالوفة" موجودة في القاموس، فعادوا بخيبة أمل يلومون على المدرب غريب الأطوار إعطائهم مثل تلك المهمة المبهمة، فما كان منه سوى أن أعاد عليهم صياغة المهمة مرة أخرى بقوله: “عليكم إيجاد معنى لكلمة الشالوفة، فلا يوجد بالأصل لها معنى”.
وهكذا انخرط المشاركون في إيجاد معنى للكلمة اللغز.
انقسمت مجموعات العمل إلى أربع مجموعات، وبعد عمل أكثر من ساعتين، كانت النتيجة كالتالي:
مجموعة#1: الشالوفة هي آداة يستخدمها المزارع لتجميع الحشائش الضارة.
– وكيف توصلتم لذلك؟
– قمنا بسؤال بعض المزارعين في الجوار، فتردد استخدام كلمة “جاروف”، فظننا أنه بالإمكان أن يصبح لدينا كلمتان “جاروف” و”شالوفة”.
مجموعة رقم#2: الشالوفة هي صفة يتم استخدامها لوصف السلوك المشين، وبخاصة للسيدات.
– كيف توصلتم لذلك؟
– لدينا كلمة عامية يتم استخدامها، وتبدأ بحرف الـ “ش”، فظننا أن الشالوفة هي إحدى الكلمات الأخرى التي يستخدمها العامة لوصف ذلك السلوك، كما أن وجود تاء التأنيث بنهاية الكلمة، أوحى لنا بما لا يدع مجالأ للشك أن الكلمة تنتمي لعالم النساء لا محالة.
مجموعة #3: الشالوفة هي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى السلام النفسي الكامل.
 كيف توصلتم لذلك؟
 كنا سمعنا من قبل أن هناك النيرفانا، فافترضنا أنها إحدى تلك المراحل المتقدمة التي يخوضها الإنسان المنهك في الحياة ليصل إليها.
 هل لديكم إثبات لذلك؟
 لا لقد افترضنا ذلك، طرحنا الافتراض ولاقى قبولاً في المجموعة.
مجموعة#4: الشالوفة هو نبات يتناوله المناهضون لتناول اللحوم، ويمكن طهوه بإضافة الماء أو المرق أو الحليب.
 كيف توصلتم لذلك؟
 قاربنا المفردة مع مفردة الـ”شوفان”، كما أننا طرحنا نقاشاً في المجموعة حول المسميات المختلفة الغريبة التي نسمعها يومياً عن أنواع الحميات الغذائية النباتية.
 هل لديكم إثبات لذلك؟
 لا.. لكننا كمجموعة اتفقنا تماماً أن نستخدم كلمة “شالوفة” من الآن وصاعداً كما ذكرنا سالفاً.
انتهى التدريب، ولم يتوصل المشاركون لإجماع حول معنى لكلمة “شالوفة”، ولم يكن هدف المدرب منذ البداية التوصل إلى معنى محدد، وقاطع لتلك الكلمة المبهمة، بقدر ما كان يهدف إلى الإشارة إلى عملية إضفاء المعنى على الكلمات، وطرح جدلية لم تحسم في ذلك التدريب “من يأتي أولاً.. الكلمة أم المعنى؟ وكيف تشكل الكلمات الوعي الإنساني” (1)
*******************
ظهرت مؤخراً على الساحة المصرية مفردتان لا تبتعدان كثير عن موقعة “الشالوفة” المذكورة أعلاه، ألا وهما “شاومينج” و”الدوندوو”.
على عكس “الشالوفة”، لم تكن المهمة هي البحث عن معنى لكل مفردة، بل كان فض الاشتباك الناجم حول ما تمً تحميله لكل منهما من جدالات ونزالات فكرية، تنتهي دوماً بسيف الأخلاق البتّار، الذي يفاجئنا هذا الشعب العظيم في هذا التوقيت الأعظم باللجوء إليه طيلة الوقت، وكأنه ورقة التوت الأخيرة التي ستضمن له عبورا آمنا فوق صراط يراه -وحده- للجنة الموعودة، أو هكذا يظن.
“شاومينج” مفردة لا تنتمي للغة الصينية، بعكس ما سيظن من يسمعها للمرة الأولى، بل هي في واقع الأمر تنتمي إلى عالم من الفانتازيا الذي قرر صاحبه الذي لم يتجاوز العشرين ربيعاً أن يستخدمه في التعبير عن غضبه وسخطه من منظومة لا يختلف اثنان على مدى بؤسها وترديها يوماً بعد آخر، ألا وهي منظومة امتحانات انهيار الإنسانية في الثانوية المصرية.
“شاومينج” تعيد إلى الأذهان تلك القصة الخيالية التي كتبها “كوري دوكتورو” بعنوان “الأخ الأصغر”، والتي تحكي قصة “ماركوس”، الذي تمكن من اختراق النظام الإلكتروني الصارم الذي وضعه مدير المدرسة الفاشي، والذي يتمثل في وجود شريحة إلكترونية في أحذية الطلاب ليتمكن من تتبع مساراتهم داخل المدرسة و خارجها، ولم يكتف ماركوس وأصدقاؤه من اختراق هذا النظام، بل حين تعرضوا للاستجواب والتحقيق لاحقاً بسبب مصادفة عجيبة، قرروا أن يفرغوا شحنات غضبهم في السلطة القاهرة متمثلة في وزراة الأمن الوطني ذاتها.(2)
فلنعد إلى القرصنة بالنكهة المصرية الخالصة، حين ظهرت “شاومينج”، ظهرت كتطور طبيعي لوسائل الغش المتعارف عليها، ففي وقت الانفجار التكنولوجي تزلزل عرش البرشامة التقليدية، وتمكن أحد ضحايا الثانوية العامة من تسريب الامتحانات مرفقة بنماذج الإجابة لغيره من البؤساء في المارثون السنوي لتكديس الدرجات. فما كان من متحدث وزارة التربية والتعليم إلا أن يخرج معنفاً الجماهير العريضة أنه حان الوقت للغلق الفيس بوك، مستكملاً مسيرة الدولة الرشيدة في معالجة الأزمات (3).
إن ما يثير التأمل في موقعة الـ”شاومينج” هو محورا الخير والشر اللذان يسارعان دوماً لصب اتباعهما في معسكرات مستفزة للانقضاض على الآخر، ففي معسكر الخير، والذي يجمع بعض رفاق الثورة الحائرين الذين لم يتعافوا بعد من أزمة انهيار الملحمة، يرون أن “شاومينج” هو فعل ثوري يستحق التمجيد، فليبارك الرب تلك المحاولات الضئيلة لزعزعة الأنظمة المتعفنة الكبرى.
لكن ما يغيب عن هذا المعسكر الـ”نقي”، أن “شاومينج” قد فقدت ثوريتها -بالنسبة لكاتبة هذا المقال- يوم أن أعلن صاحبها عددا من المطالب المهترئة التي تليق بأحد بيانات مؤتمرات إصلاح التعليم، والتي تبدأ بافتتاحية ضخمة حول واقع التعليم المأمول للمستقبل وتحديات العولمة، وتنتهي بسؤال الحاضرين عن أين ومتى سيتم افتتاح البوفيه!
كان يمكن لصاحب “شاومينج” أن يعلنها بسيطة.. بلا أي عمق أو ادعاء.. فقط يعلنها صراحة: “طز فيكو يا بتوع الثانوية العامة”، وستكون تلك رسالته في تثوير قطيع الثانوية العامة البائس، وستكتمل نبوءته، ولربما سيصبح لها مريدون.. لكنه لم يفعل.
في حين أن الجانب الآخر رأى في “شاومينج” فعلاً لا أخلاقياً بكافة المقاييس، وما يغيب عن أصحاب هذا المعسكر الـ”نقي” أيضاً، أن المشهد برمته لا أخلاقي من بدايته، وحتى تقوم الساعة.. ما يغيب عن هذا المعسكر المتعالي دائما بقبضته على جمر الأخلاق وأن الذين يقبلون هذا الفعل “قليلو الأدب”، و”قليل الأدب” هي الصفة التي التصقت بشريحة عمرية بأكملها، وهي علامة على انهيار الدولة المقدسة.
ما يتغافل عنه أصحاب هذا المعسكر -وكثيرا منهم يمارسون هوايتهم المفضلة في إصلاح “التعليم” من داخل منظومته المهترئة- أنه في نفس الوقت قامت الدولة المقدسة بتخصيص لجنة “مميزة” كعربات القطار لأبناء الفئة الناجية من هذا الوطن بمحافظة أسيوط، ليتم تمرير الغش لهم بكل أريحية، وتم التغاضي عن ذلك تماماً.
وبين هذا وذاك يقف باقي القطيع حائرين بين ما يمكن أن يكون صائباً في موقف لا يحتمل الصواب أو الخطأ.. يمارسون أدوارهم بكل اتقان في مهزلة الثانوية العامة عاماً تلو الاخر.
ولم يتوقف أحد ليمنح “شاومينج” دلالة واضحة يمكن الاتفاق عليها، فلربما في عام 2050 سيصبح لدينا نظام تعليمي متطور يقوم باحتضان المقرصنين، ولربما سيكون لدينا عام دراسي يدعى “شاومينج”.

*******************
من ناحية أخرى، فإن التشابك بالألسن حول “الدوندوو”، يحمل قدراً من الطرافة  والخفة، تليق بحفلة التفاهة.
بين عشية وضحاها، تمّ تحميل كلمة “الدندوو” -تلك الكلمة التي حملها أحد إعلانات فقرة رمضان الاستهلاكية- دلالة ومعان وسياقات وقضايا تستحق النضال، أكبر مما تتسع له الكلمة ذاتها، وانبرى كل معسكر في إجلاء الغشاوة عن أعين الجماهير المغيبة عن عمق المأساة.. هي بالفعل مأساة لا تتحملها كلمة الـ”دوندوو”، بل نتحملها نحن كأبناء مخلصين لحقبة الانحطاط التافه في كل شيء.
كان يمكن أن تمر.. فقط لو وجد كل منا قضية بحق للدفاع عنها، وأن يسير فيها خطوات حقيقية دون أن ينصب نفسه حامي حما الأخلاق الذي لا تفوته شاردة ولا واردة.. كان يمكن أن تمر، دون أن ننزلق في معارك بلا لون أو طعم سوى الخسارة التي بتنا نجيدها تماماً.
*******************
شالوفة.. شاومينج.. الدوندوو.. ثلاثتهم انتصار لخيال أصحابهم.. ثلاثتهم استطاعوا أن يلقوا حجراً في المياه الآسنة، في حين أن الأولى أثارت ملكة التفكير والتساؤل، إلا أن الاثنتين الأخيرتان لم تفعلا شيئا سوى زيادة حالة إعادة إنتاج الفراغ الذي بتنا بارعين في تشكيلها ومنحها قبلة الحياة بين الحين والآخر، وحين يبلغ بنا اليأس منتهاه، نضفي صفة “الأخلاقوية” على جدالاتنا، لتكتمل المأساة، والتي تليق بها مقولة عبد المنعم مدبولي مخاطباً زوجته، التي تصر على أن تبدو مائدة الطعام عامرة بالرغم من فردة شرابه المقطوع: “أهم حاجة البوفتيك.. الناس هتقول إيه.. لازم البوفتيك”

______________
هوامش:
(1) تمرين الشالوفة: تدريب الأستاذ صوما بنجامين: التفكير الابتكاري في التعليم – لبنان- 2012″.
(2) الأخ الأصغر: كوري دوكتورو -ترجمة أميرة علي عبد الصادق – مؤسسة هنداوي للثقافة والتعليم 2014.
(3) “إحنا هنقفل الفيس بوك بكتيبتين” – أقوال خالدة 2016 (مش هنقول مين علشان الأشرار).

الاثنين، 9 مايو 2016

"عسلية" الثورة

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 9 مايو  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة "عسلية الثورة" - موقع زائد 18- 2016

        يتسم شارع البحر الأعظم ليس باحتضانه فحسب أعداد كثيفة من نازحي الصعيد المنسي الذين استقر بهم المقام في أول محطة لتدريبهم وتأهليهم للالتحاق بمصاف شعب مصر العظيم، (واللي بالمناسبة يعني أهل الصعيد بيقولوا على القاهرة والجيزة "مصر").
بل يتسم بقدرته على تجسيد تناقضات مصر، فيكفي أن تترجل من سيارتك لتمارس رياضة المشي، لتجد نفسك تائها بين عدد العمارات ذات المداخل كثيرة البهرجة المؤذية للعين والتي تعيد للأذهان طقم الصالون المدهب مكللة بعبارات جميلة من نوعية "ادخلوها بسلام آمنين".
حين تحاول أن تتعافى من أثر دهشتك المؤقتة بالخروج من مطار "العمارة" المحلي وتخرج لتلتحم بالشعب حبيبي وشرياني، سيكون في استقبالك عدد من قطعان الأغنام والماعز التي تتجول بحرية تحسد عليها في الشارع الأعظم.
ما يثير الدهشة ليس تواجد الأغنام في الطريق العام حيث ركنة واحدة بالعربية وأنت سايب شباكك مفتوحا ممكن تلاقي راس معزة بتبصلك باستغراب: 

إنت بتعمل إيه في عالمها يا كائن يا بشري،

يا متوحش يا مختبيء في علبتك الصفيح؟! 

اطلعلي بره!


ما يثير الدهشة هو القدرة على التعايش من المحيطين في درجة عالية من الاتساق النفسي والتصالح مع كل شيء، ولربما تلك آفة ليس هذا الشارع فحسب، وإنما هذه البقعة الموبوءة المسماة مجازا الوطن.

قد تأخذك الدهشة فتجد سيدة في منتصف الخمسينيات اختارت الزي الرسمي حيث العباءة السوداء.. تلتزم بما يفرضه عليها قانون الشارع بارتداء حجاب يغطي مفاتنها، وتنثر عليه عددا لا بأس به من  كائنات مجهولة الهوية، لكنها مشعة وبتنور في الضلمة في محاولة تستحق التحية للاجتهاد للوصول بأزمة الهوية الإسلامية لـ”لباس” يليق بالمعاصرة والحداثة، فتجدها تسحب كلب "لولو" وبتتمشي بيه بكل طمأنينة، فينتهي بك الحال في مشهد ولا أروع عن تناغم جميع عناصر الطبيعة من كلاب أليفة ومعيز وأغنام تتقافز بين السيارات وبنايات شاهقة تتراكم لتصنع قبحاً أسمنتياً لا خلاص منه.
سأسمع صوتاً وطنياً مألوفا: 

"ما تعيشوا عيشة أهاليكوا، ما دي بلدكو اعرفوها بقى وبلاش تقرفونا بنظرتكم ليها زي السياح اللي بتنبهر لما بتلاقي حمار معانا في الإشارة" 

(الحمار لا يقصد به أي مواطن صميم واقف معانا على الدائري وقرر في لحظة تجلي إنه يجرب كلاكسه مع أن الإشارة واقفة، المقصود بالطبع الحمار اللي قدره التعيس خلاه يجر عربية كارو في وطننا الجميل جمال مالوش مثال، لربما المقصود به الكائن الـ"حمار" القادر على الاتساق بكل طمأنينة مع كل ما لا يمكن التصالح معه.


وبناء عليه،  فقد قررت أن "اتسق" أنا كمان هي يعني جت عليا. أكمل جولتي الليلية في شوارع ودهاليز البحر الأعظم، أقف أمام "مقلة" يبدو من جلباب صاحبها ذي الفتحة السبعاوية من على الصدر أنه نموذج صعيدي واضح، وأحن إلى "عسلية أمي" (معلشي يا درويش ترف مخل). العسلية ذلك الاختراع المصري الأصيل مهضوم الجناح، فهو نوع من الحلوي ليس بنغاشة البسبووسة أو الكنافة و ليس ببرستيج التورتة أو الجاتوة وأنت لافح العلبة من عند الحلواني الشهير ورايح تخطب (تخيل قررت في يوم تخش على بيت العروسة في أول لقاء تعارف بدستة عسلية، بلاش أحسن وافتكر إني قولتلك).
اعلن انتمائي الأبدي للعسلية كحلوى مصرية تصنفها أمي في بند “رمرمة  الشارع” والتي لجأت إليها كثيرا لإعلان محاولات تمردي البكر على سلطة والدتي في تحديد أوجه إنفاق مصروفي.
أسعى لتثبيت كادر كاميرا عقلي على لحظة عثوري على "هويتي" وانتمائي أخيرا.. اتقدم لرجل الـ"مقلة" طالبة علبة بحالها: يمد يده قائلا: "اتفضلي يا مدام".. اتجاوز حواراً داخليا ملح في مناطحته: "مدام مين؟!"، واتلقف بيدي علبة العسلية لأفاجأ أنها الصورة أدناه:

أضع افتراضا عقليا مبهرا، اترجمه بقولي للرجل: "الله.. هو حضرتك للدرجة دي بتحب الثورة؟"، فيباغتني قائلاً: "ثورة إيه يا حجة؟ مشي حالك؟"
اتجاوز للمرة الثانية رغبة لساني في التلطيش له: "بقى يا راجل من مدام لحجة، كده مفيش تمييز خالص"، لكني لا اتجاوز حكمته الأخيرة "مشي حالك".
لا زلت اتحسس طريقي في اكتشاف الـ"مصر" اللي بيحكوا عنها واللي مابيحكوش، ولازلت اتأمل عن بعد قدرة تلك الـ"مصر" على ابتذال الكثير من الأفكار والمفاهيم وغربلتها وتقييفها لتناسب المزاج غير المفهوم والملقب بالمزاج "العام"، ولازلت اشهد يوميا جماهير غفيرة ارتكنت إلى عبارة صاحب المقلاة، وبقت "تمشي حالها" وبقت بتطور مهارتها في الاتساق مع كل شيء، والتضحية بكل شيء، فيجعلني اتساءل لنفسي قبل أي أحد آخر: "يعني إيه ثورة؟" وقبل أن أباغت نفسي بإجابة سطحية عن هذا التساؤل، تمر بخاطري عبارة الكاتب الراحل هاني درويش حين كتب:


"ثمة قيمة صافية في الوصول بملل المعارك الخائبة إلى حد السكين، حيث على الحواف نتأمل صورتنا المشوشة وصور الآخرين من حولنا بعدسة خالية ونقية للحظة نادرة، فيصبح كل ما لدينا هو الصمت العاجز أمام كل هؤلاء الأبناء المخلصون للزمن العشوائي"- إني اتقادم.

الثلاثاء، 8 مارس 2016

إشكالية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة- قراءة ساخرة#1

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 8 مارس  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- إشكالية الاحتفال بيوم المرأة العالمي- موقع زائد 18- 2016

"إنتي الوليّة"!


        تعد جملة "إنتِ الولية" الإيفيه الأشهر للراحل عاطف السكري المتنكر في صورة يونس شلبي في المسرحية الأكثر جماهيرية “العيال كبرت”، واللي جهود ومغامرات أبطال المسرحية فيها انصبت حول الكشف عن هوية المرأة المجهولة. الانطلاق في البحث لم يكن مستدلا على صفات معينة، أو طرح مسبق سوى أن أى "أوبشن نسائي" يكون قادر على ملأ فراغ السؤال: "مين الولية؟؟".

الفنان "يونس شلبي"- إيفيه "إنتي الوليّة"- مسرحية "العيال كبرت"

     وعلي الرغم من أن لفظ “الولية” يحمل وصمًا شعبويا تختلف السياقات في تفسيره سلبا وإيجابا، إلا أن تركيبة الإيفيه "إنتِ الولية؟" يتم استخدامها شعبويا أيضاً في كثير من الأحيان، لما بنكون بندور على "امرأة بعينها"، بس مابنبقاش عارفين إحنا بندور على إيه تحديدا.

        يشهد الثامن من شهر مارس احتفالا عالميا بيوم المرأة العالمي، وتتبارى كافة المواقع الإعلامية ودوائر الدعم الإيجابي للمرأة في الاحتفاء بنماذج نسائية من وجهة نظرهم تستحق الاحتفاء، وعلى الرغم من المجهودات، حسنة النوايا جدا، لتقديم نماذج إيجابية للمرأة، إلا أن المتابع لما يتم طرحه من أسماء، بتجبرك إنك تتقمص شخصية عاطف السكري، وتسأل: "إنتي الولية؟"، ومين بنقدر نقول عليها/ هن أنها الأحق بزووم الكاميرا كنموذج يمكن الاحتذاء بيه وشحن زمزمية الأمل، وإن فيه تغيير حقيقي على الأرض تقوده امرأة في سياق معين وبمعطيات واقعها.

        ستتبارى كثير من الاستفتاءات في حشد أسماء نساء، لا أعتقد أنهن بحاجة لمزيد من الشهرة، أو لتسليط الضوء على قضاياهن. على سبيل المثال، في العام المنصرم تمّ ترشيح الكاتبة نوال السعداوي من قبل استفتاء عربي كناشطة حقوقية ملهمة للجمهور، فتجد نفسك متسائلاً: "هي ليه الدومينو قفلت على دكتورة نوال"، هل لا يوجد لدينا مناضلات وناشطات في حقوق الإنسان يدفعن نتيجة اختياراتهن ورؤيتهن لفعل الثورة ثمنا غاليا يتراوح ما بين الحبس والاعتقال؟ ولدينا نموذج إنساني حي في ماهينور المصري، أو نموذج فقدناه في الركب، في الشهيدة شيماء الصباغ؟!
أربع سنوات مرت على ثورة يناير، تلك التي أعطتنا قبلة للحياة لازلنا نتعكز عليها حتى اللحظة، ألا يوجد لدينا قصة/ قصص تُروى؟

        هل نبحث عن "ولية"، ولا ندرك من هي التي نبحث عنها؟ أم أننا بالفعل موجودات ونفتقر إلى عدسة الكاميرا التي تصنع مما ننسجه في تفاصيل حياة منهكة يومية نجاحا يستحق الاحتفاء به؟

من هي "الولية" التي تستحق الاحتفاء والاحتفال بها في يوم المرأة العالمي؟!
تدور حولي كادرات تتقاطع بطلاتها في إصرارهن على انتزاع حقوقهن الضئيلة في دائرة الحياة اليومية: حق اختيار ارتداء غطاء للرأس أو عدمه، ومعارك الكثيرات خلال الأعوام الماضية في إثبات هذا الحق، بل وانتزاعه إذا لزم الأمر، وتضحياتهن على طريق العقاب لأنهن خرجن على كتالوج المجتمع المتدلدلق بتدينه، قصص عن بنات يبحثن عن سكن مستقل عن الأسرة، وتعبيرهن عن احتياجهن لمساحة خاصة يمارسن فيها الفن أو الجنون -أو لنقل- ليمارسن فيها فعل الحياة ذاته.. أخريات يقررن ممارسة  فعل اختيار أن تتزوج أو لا، دون الانصياع لهتافات الجماهير إنها"تتستت وتقعد بقى في بيت اللوح.. قصدي بيت العَدَل".أمهات وزوجات وفتيات يقفن على الجانب الآخر من عدسة الكاميرا ، لكنهنّ يقاومن مرارة القهر والهزيمة بتغذية الحبل السري بينهن وبين أحبائهن بالانهماك بالكلية في تفاصيل الحياة اليومية،  ويتحملن وحدهن بكل شجاعة أعباء أن تستمر أسرهن الصغيرة في غياب أحد أفرادها دون جريرة حقيقية. 


        الكثير من النساء اللاتي أخذن قرارا شجاعا بعدم استكمال علاقة زواج تدمر كرامتهن، في مقابل أن يبدأن حياة أخرى قد لا تلوح فيها أي فرص للوقوف على القدمين مرة أخرى، لكن اختيار الانعتاق كان حتميا للنفوس الحرة.
أولئك الباسلات اللاتي اتخذن قرار صفع الفاشية في ذروة تماهيها مع الجماهير المهللة بالقيم والأخلاق والفضيلة، وفضحن فعل السلطة العاهر بكشوف العذرية، والذي تعود ذكراه للتاسع عشر من نفس الشهر، وكأن الشهر ذاته يأبى أن يمضي دون أن يترك وصمة وبصمة لا تنمحي عن كيف ترى السلطة المرأة في صراع الثورة طيلة السنوات المنصرمة.

        أعطيت أمثلة في حدود معرفتي المتواضعة – لا للحصر- وما عشناه في حلم الثورة ولن يكتبه التاريخ عنا، لأن أصواتنا لم تُسمع بعد. لدينا قصص تروى، فقد منحتنا الثورة الأم شجاعة لممارسة الفعل الثوري واستنساخ ما آمنا به في حلم أكبر، ليصبح دوائر صغيرة تتسع، فتحرك المياه الآسنة. تلك الخطوات التي يراها البعض هامشية وغير مرتبطة بـ"نضال" أكبر، لهى جديرة بالتأمل والتناقل والتوثيق، لأننا في صدد نفخ روح الخلق في منظومة قيم تتفق وما نراه نحن، ونبحث عن "ولية" تشبهنا نحن، بمعطيات واقعنا المعقد، ونراها تشتبك معنا في معاركنا الهامشية اليومية.

        نحن بصدد إعادة تفكيك قطع البازل وتركيبها بما يمنحنا ما سلب منا، وما تم إخصاؤنا بعمد لنصبح كائنات مشوهة استغرقت عمرا وحياة ً  كاملة لتدرك ذلك.
نحن بصدد أن نحدث ثورة، سيكون لنا صوت يُسمع، والعديد من القصص لتروى لمن سيأتي بعدنا، ليدرك هشاشة السلاسل الحديد التي يكبلنا بها مجتمع أضعف من أن يتم الخوف منه.
وفي الحياة، سأتخلص من السؤال الاستفهامي المطروح على لسان عاطف السكري، وسأخبر جميع الشجاعات الجميلات الباحثات التائقات لمعنى الحرية فعلا وممارسة:

 أنتن "الولية"

متدوروش على نموذج كامل الأوصاف في النضال وفي الحياة.. احتفلن بما صنعتن.. وكنّ على ثقة أن لديكن قصصا عن الحياة تروى وأكثر، حتى وإن لم تمنحكن الحياة فرصة لتكن اختيارا في استفتاء، فأنتن قادرات على فعل المقاومة، بل على فعل الحياة ذاتها، وليس فقط التظاهر بأننا "نحيا".

        وبعد الرغي ده كله، لو حد سألني: طيب مين "الولية"؟ هييجي في دماغي الست اللي شفتها في موقف المنيب للميكروباصات، حيث يتم تحميل وشحن وتعليب وطرد فقراء الصعيد، ليتوجهوا عائدين إلى قراهم المنسية، محملين برزق جديد، والكثير من الخيبة.. تلك السيدة التي وصفها أحد ركاب الميكروباص بأنها: "المرة اللي واكلة كلاوي النمل".. سيدة في منتصف الثلاثينيات ترتدي إحدى تلك العباءات ذات عدد اتنين غرزة من على الوسط، وطرحة سوداء مليئة بكل ما يمكن من شأنه أن يلمع في النهار والليل، ذات وجه بنسميه في الصعيد مدور وليه طلة قدر الحليب الطازة .. أما لماذا يطلقون عليها "المرة اللي واكلة كلاوي النمل"، فللحديث بقية ، أول ما الميكروباص يوصل.




الثلاثاء، 23 فبراير 2016

محاكمة الخيال الأدبي

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 23فبراير  2016

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.



مقالة محاكمة الخيال الأدبي- موقع زائد 18 2016

        

بالأمس طُلب مني ترجمة عبارة "خدش الحياء العام" إلى اللغة الإنجليزية، لم أجد صعوبة في إيجاد كلمات لتستيفها في جملة متناسقة في فقرة تتراص بجوار مثيلاتها لتصوير مشهد محاكمة الخيال الحالي، لكني فشلت فشلا ذريعا في إكساب تلك الثلاث كلمات أية دلالة واضحة ذات جدوى.
قد يشير البعض إلى تراثنا الشعبي غناءً وروايات، بل وتراث ديني أيضاً يحمل ويفيض ليس فقط بما يخدش الحياء العام، بل يغتصبه جهارا نهارا، وقد يذهب البعض في طرح تساؤل مشروع للغاية: "يعني إيه الحياء العام؟"، وهل ده مرتبط يعني بالصورة المقولبة التي تم تصديرها عن الوطن، أنه هو عبارة عن "مصر ياما يا بهية يا أم طرحة وجلابية"، والست اللي اسمها مصر دي قاعدة على قارعة الطريق لو خُدش حياؤها بترقع بالصوت الحياني، مع إن نفس ذات الـ"مصر" النمطية الفلاحة بتتحزم وبترقص وبتردد أغنية الأفراح الأولى في الريف "وسطي بيوجعني من رقص إمبارح".

هتقبضوا عليهم هم كمان؟! 

هتحاكموهم؟! 

هتمشوا تقفشوا في الناس واللي جوه السجن هيبقى أكتر من اللي بره؟!

قد يذهب البعض الآخر لحد السكين، فحين نستيقظ من النوم، وحتى نعود إليه نمر بمراحل تعليب وتهذيب وتشذيب لنصبح مواطنين صالحين للاستخدام الدولتي، بالرغم من أن كل ما يدور حولنا بدءا من سائق الميكروباص الخلوق، أو موظف التأمينات الذي يفيض سماحة وفضيلة، مرورا بأفراد من الشعب حبيبي وشرياني، يتكشف لنا معدنه الأصيل في لحظات الالتحام الكبرى في محطة مترو العتبة، فنعلم جيدا أنه يتم اغتصابنا يوميا، ولا نعلق ولا نكتب.

نحن فقط نلتحم ونمر ونعبر متناسين أن هذا حدث وأن الانتهاك اللفظي أو الجسدي، نهاية بانتهاك حقك في الوجود أصلا، أصبح بديهية رقم واحد في أبجديات الحياة اليومية هنا في تلك القطعة التي نعجز عن توصيفها سوى أنها قطعة جغرافية رزلة والله.
إلى الجماهير الجميلة التي تنعق علينا ليلاً ونهاراً "الأخلاااااااء"!


نهيب بكم أن تتقدموا إلى صفوف التساؤل المشروع جدا: 

"كيف نصبح مواطنين صالحين للاستخدام الدولتي؟  

لو فيها تقالة ورزالة برضه، 

ممكن نطلب من حد يشاورلنا بكتالوج عن المفردات اللي مش بتخدش الحياء، أصلنا عايشين  وقررنا نبقى صالحين، وياريت تكون الطبعة سريعة ومحددة ويتم بيعها في منافذ بيع الكتب، أو الأفضل أن يتم تدشينها ضمن منهج الأخلاق في وزارة التربية والتعليم، ولتكن مثلا على غرار الأستاذ العظيم "قل ولا تقل"، فلتكن "اكتب ولا تكتب"، وألف شكر لكل المجهودات التي لا توفر جهدا ولاسجنا في تهذيب وتشذيب وصنفرة دماغ المواطنين، علشان ينافسوا في المسابقة العالمية بين الكواكب عن مين أكتر مواطن "مؤدب" وخلوق، وإن شاء الله مصر هتتصدر العالم وهتكيد الأعادي اللي مش مؤدبين كفاية.

        بس قبل أن تتقدم قوات الجماهيربطلبها العادل والمشروع جدا من دولتهم الخلوقة في توفير "كتالوج الأخلاق لكل مواطن" مصحوبا بملحق مجاني به "مفردات لذيذة لا تخدش الحياء العام"، أرجو تنبيه مواطنينا الشرفاء إلى حقيقة بسيطة للغاية: "الدولة بتاعتكم شايفاكم هفأ".. 

آه والله، فالسلطة الحالية تعلنها واضحة: "إحنا مالناش كبير وكله لازم يتربى"، ويتبع ذلك بالجملة الشهيرة ….”أهو أنا كيفي كده".. السلطة الحالية بتقولكم: "أنا كيفي كده يا جماعة ومفيش داعي للمنطقة والزندقة".. اللي مش هييجي علي كيفنا إحنا هنربيه، وكله بالقانون.. كله موجود.

يتضح ذلك جليا في التضحية مبكرا بمن صفق لها وأيدها وهلل لقدوم الفاتح المظفر، وهو راكب حمار بالشقلوب "مرسي" ، فلدينا حكم صادر بالنكهة الناعوتية، على الرغم من أنها أيدت نفس ذات السلطة.

 شوف يا أخي سبحان الله، وحكم آخر بالنكهة الـ”إسلام بحيرية”، والذي ظن لوهلة أن ممثل السلطة حين يقف معلنا أمام الميكروفونات مغازلا الشعب الطيوب اللذوذ مجددا للخطاب الديني، إن ده معناه ياللا نجدد وننقي ونناقش ونجادل بالفعل.. حاشا للذات الدولتية!
السلطة الحالية بتبعت رسالة واضحة: إنت معانا ولا علينا.. مش هيفرق، المهم "كيفي"، وبالتالي نحب نفكركم إن مفيش كتالوج لـ"كيف” السلطة، والكل هيتم التضحية به عاجلا أم آجلاً.. 

الجميع سيتم التضحية به وتقديمه قربانا لـ”كيف” السلطة ومزاجها وقانونها وسلطاتها وبابا غنوجها.. العابرون في الشوارع هيكونوا هدفا مغريا لتستيف المحاضر واستكمال عدد "حصالة" اليوم.. 

العابرون في الشوارع اللي بيتكلموا واللي مش بيتكلموا.. 

اللي بيناضلوا واللي مش بيناضلوا.. 

اللي لسه مهتم، واللي زهد ومبقاش مهتم، بس مش عارف لسه ينتحر إزاي، فمضطر يبقى.. الكل هيتم التضحية به.. الكل هيتقابل جوه!
"أهو كيفي كده".. السلطة تعلنها واضحة، واللي مش عاجبه يورينا نفسه.. لحظة توحش السلطة وانفرادها الكامل بكل شيء وتغييبها الكامل لكي شيء -بما فيهم الناس اللي رفعوا نفس ذات السلطة على الأعناق ومنحوها شيكا على بياض- لحظة توحش قاتلة.. ترى كل شيء قزما لا يستحق عناء أن تنحني برأسها أو أذرعها الأمنية أو القانونية لتعبّره من الأساس.. تلك اللحظة الوحشية التي تصل إلى المنتهى، هي لحظة اليأس الكبرى التي تستوجب تضافرا من الجميع، ليس الكاتب والروائي "أحمد ناجي" فحسب، بل هي في حقيقة الأمر هي إنقاذ ما يمكن إنقاذه لنا جميعا لنستطيع أن نمارس الحق الطبيعي والبديهي في الكلام.. في الحكي.. في الشتيمة لما بنتزنق على الدائري الساعة تلاتة الضهر، وإلا هنلاقينا بيتقبض علينا بتهمة "السباب العلني" في الطريق العام.

هي لحظة يأس بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا ينقذنا منها سوي المقاومة من الجميع.

ليس لأن هناك شيئا أفضل، وليس لأن هناك ما كنا نردده لنمنح مشهدنا البائس معنى.. "علشان اللي بعدنا يعيش أفضل"، 

لأننا أصلا إحنا مش هنلحق نعيش، 

ومبقاش عندنا حاجة نسيبها للي بعدنا. هو خيار وحيد مهزوم للبقاء بأقل قدر ممكن من الحياة، المقاومة، على الأقل مانبقاش فعلا سبناهم يشوفونا أقزام.

على الأقل مانبقاش إحنا نفسنا صدقنا ده.

يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع  “زائد 18″، و“مدى مصر”، و“قل”،وزحمة“. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.