‏إظهار الرسائل ذات التسميات #شعر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات #شعر. إظهار كافة الرسائل

السبت، 20 مايو 2023

Indian Jasmine

 "Indian Jasmine" is a poem published at Peace Chronicle, Spring 2023.


We return to the same place where we lost something.

We think we lost a person.

We keep going to the same place with the hope to find them once more.

To have a look on their eyes

To touch their skin

To smell their sweat.

We keep going to the same places with the hope to find the love we once lost

The place is the same

There is an Indian jasmine flower lying on the floor

I used to wear the crown of these little flowers on my head

The white circle of little flowers protecting my long brown hair

We go back to the places we once left

We search for the face

For the love that we once had

We go back to the places we once left even when they turn to be just a graveyard

It is time for the little white jasmine to die in peace.

The places we once left, 

the faces we once had, 

the love we once tasted

Fades away

The trace of our feet to the graveyard won’t turn to make dead alive

The tears we shed over the tombs won’t be heard from the other side

the nights we spend awakened waiting for the sun to rise so we will find our way home

the places we once had are not there anymore.

I stand in front of your grave

I can still see you

But couldn't find the face

I could still feel you

But couldn’t reach for your hand

I could still smell your skin

But don’t know what to do with all these little jasmine flowers that are hidden in my heart.



The Gift at my Door- Poetry

"The Gift at My Door" is a poem published at Peace Chronicle, Spring 2023.




There is a pregnant cat that keeps sitting on the doormat of my home.

She just sits there and waits.

What kind of faith this cat has?

She waits at the doormat,

she sits still.

Not knowing at what time, I will open the door and put some food.

She waits.

Not knowing if I am here or not.

She waits.

Not knowing if this is the right place.

She waits.

Not knowing of I am the one who might open the door and put some food or

Other neighbor who might scare her and

She has to run away with her heavy weight.

She waits.

Not knowing that last night I opened the door and couldn't find her.

I needed her to be there.

It was painful to feel the missing of her.

I worried that she might not ever come back.

The voice inside me whispers;

She will be back

She will find her way

She Knows.

This morning, the cat is sitting at the doormat of my home.

She sits still.

She waits.

She comes

She knows.

This kind of unshaken faith, I pray for.


الثلاثاء، 7 فبراير 2023

سيجارة- نصوصٌ خارج اللُغة

 نص "سيجارة" منشور

"بمجلة "نصوص من خارج اللغة"، وهى مجلة فصليّة مُحكمة


سيجارة

 

علَّمتني السيجارةُ الأولى الإنكفاءَ على خوفي

الآن أبدو أكثرَ استعدادًا لمُواجهة العالم.

 

انتهيتُ للتوِّ من تمارين القسوة

يُمكنُني أن أنظرَ للخوفِ في العين مباشرةً

أشُدُّه من شعرِه الأسود الطويل

ألفُّ خُصلاتِه العالقةَ بحُنجرتي

أتلذذُ بتعذيبِه ببُطء

بينما أنظرُ إليه بعينين باردتين.

 

علَّمتني السيجارةُ الأولى العبور

فما بَقيتُ مُعلَّقةً بين عالمين.

 

الجسرُ الذي أمضيتُ عُمرًا أقطعه جِيئةً وذهابًا

تساقط حاملًا بعضًا من قدميّ اللتين ظننتُ يومًا أنهما راسختان

كجذرِ شجرةٍ أحملُها وشمًا فوق ظهري.

 

علَّمتني السيجارةُ الأولى أن أراقبَ البُطء

كنقاط ِمحلولٍ مِلحيٍّ تتساقطُ في أوردةٍ ضيقةٍ

لرجلٍ سبعيني عجزتُ أن أُقرِضَه رغبتي في الحياة.

 

أُراقبُ المحاولة الأولى في الفشل:

الشفتان موضوعتان على المِبسم

تقضِمان تُفاحةَ الغواية

امتلاءُ الفَمِ بخَيبةٍ

تنتهي بُسعالٍ يشي بسرقةِ الحلوى لطفلةٍ في الثامنة.

 

النَّفَسُ المُسافرُ بداخلي

يرتطمُ بمحاولاتِ لثمِ الحياة

ابتلاعِها علي عجلٍ

وتقيؤها أيضًا بنفسِ ذاتِ الخديعة

دون أن أسمحَ لها أن تخترقَني بالُكليَّة

الخوفُ أن يحترقَ حلقي

الخداعُ الطفولي بإنقاذِ العالم

أُحبّه قليلًا،

وأُحبُّ أكثرَ احتراقِ شفتىيَّ بالغُواية.

 

الرغبةُ الأخيرةُ لمحاولةِ التأكّدِ من إمكانية الحياة

بالاحتراقِ الكُلي

ومراقبةِ

الرمادِ الذي يتكوَّمُ في المنفضةِ

ببُطء

التأرجحُ بين دخانٍ أرسمُ به دوائر

يُمكنني الآن أن أُطلقَ سراحَها

وقبولِ الخسارة

ما يتبقي منها

رمادٌ

سأُفرغه لاحقًا في مكبٍ أكبر.

 

حينَ تنتهي السِيجارةُ الأولى

سأتأكدُ من مَحوِ آثارِ الغوايةِ

لأبدو طفلةً تفوحُ منها رائحةُ الديتول

سأُعيد تكرارَ أناشيدِ البراءةِ في أُذنِ أمي

كى تقرَّ عينُها.

 

أُراقِبُني وأنا أخطُو فوقَ متاريسِ صوتِها بداخلي.

 

تنتهي

الِسيجارةُ

وأنتهي

وأعلمُ أنِّي

أقبِضُ علي الرّيح

وأنِّي أحترِقُ ببُطء.



ضفيرة- نصوص خارج اللغة

  نص "ضفيرة" منشور

"بمجلة "نصوص من خارج اللغة"، وهى مجلة فصليّة مُحكمة.



ضَفيرة

 

الرجلُ الذي أُحبُّ يُشيرُ إلى ذقن أبي المُدبب في صورةٍ مُؤطرةٍ بالغياب

يُدحرجُ جملةً أو اثنتين في طريقي اليوميّ نحو نفسي

ثم ينهمكُ دونما التفاتٍ في العودة إلى مسار كوكبه

"تُشبهين والدك"!

كنتُ أظنُّ أني أُشبهُ أمي، السنُّ المعقوفُ الذي لايعلم بوجودِه سوانا.

نمارسُ ما نجيد طهوه كل يوم  

أن نختبىء

خلف السنِّ المعقوف  

ابتسامةٌ ممتدة

عجينٌ لا يختمر

وتشبثُ يدٍ تؤلم كلانا بطفلٍ ـ قد كان ـ لا يُغادر الذاكرة.

 

الرجلُ الذي أُحبُّ يُشيرُ إلى ذقن أبي المُدببة

يتلمَّسُ شفتاي برفقٍ ليطبعَ قُبلةَ وِردِ الاكتمال اليومي

يُخبرُني أنِّي أحمل نفسَ الامتداد وبين ما ظننتُ أنِّي أُغادره

غير أنَّ أبي فَقَد صوتَه منذ أربعين عامًا أو أكثر

ثمّ استخدم ساقيه الطويلتين ليبحث عمَّا فقد.

أربعون عامًا أُخرى من التيه في صحراءِ رُوحه

مذ ذاك الوقت بِتُ أجوب زوايا الذاكرة، أبحثُ عن بقايا صوت

ألملمُ ما أعثر عليه لأصنع منه جديلةً لأُعيد للذاكرة نهراً باللون البُنىي

يعكسُ خُصلاتٍ ذهبيةً تمً قصها ذات غضب.

أتأكدُ أني أصل ما لايمكن وَصلَه بعد اليوم

أخلعُ عنَّي ضفيرتي لترقد ساكنةً في أحد أدراج مكتب أبي الصاج القديم

لترقد في صمتٍ بجانب ضفيرة أُخرى تمَّ اقتلاعُها بمنجلٍ ذات طفولة.

 

 


اعتراف- نصوص خارج اللغة

 نص "اعتراف" منشور

"بمجلة "نصوص من خارج اللغة"، وهى مجلة فصليّة مُحكمة




اعتراف

 

حين تلتصق أجساد المُحبين تذوبُ الحدودُ الفاصلةُ بين إطارين

تَتَكَشّفُ حديقةُ أحدهما للآخر

تتهتكُ اللغةُ المنسيَّةُ المكمورة برِفقٍ في مسارب الروح

تستحيلُ إلى سَيلٍ أبيض من صمتٍ مشبوبٍ بالوَهج

حين يلتصق جسدان في فعلٍ حميمي

يمنحُ كلاهما الآخرَ أيضًا صِّكَ الولوجِ،

للكراهية.

 

لا نمارسُ الجنسَ مع أصدقائنا أو مَن نودُّ أن يكونوا كذلك

فالكراهية مستحيلةٌ بحضورهم

نرسمُهم امتدادًا غيرَ مرئيٍّ يتجاوزُ المسافةَ،

الظلَّ،

الماء والطريق

نَملأُ المسافةَ بين إطاريِّ الجسد  

وانعكاسِ الصورة  

وحرارةِ مسامِ الجلد المحترقة بتجلٍّ إلهي

حضورٌ يجمعُ  في ملكوته

الشياطينَ،

الملائكةَ،

الثعابين،

وحمائمَ تُحلِّقُ في سماءٍ مُمتدة

 

لا نمارسُ الجنس مع أصدقاءنا أو مَن نودُّ أن يكونوا كذلك

في البدء، ننخرطُ في تمارين التأله في حَضرَتِهم

نضعُ عنَّا الأقنعة

نصبحُ أكثرَ هشاشةً

والتصاقًا

ونداءًا

ووصلًا

وصلاةً

وصِلة.

 

لا نمارسُ الجنسَ مع أصدقاءنا أو مَن نودُّ أن يكونوا كذلك

الجنسُ فِعلُ بعثرةٍ وتشرذم

نخرجُ من حافته مُنهكين من هَولِ الاجتياح

يستلزمُ الأمرُ دقيقةً أو عدة سنوات كى تلتئم.

 

لا نمارسُ الجنسَ مع أصدقائنا أو مَن نودُّ أن يكونوا كذلك

فنحن نأتي عتباتهِم كى نُرممَ أعاصيرَ الروح

ليستقيم البدنُ كما جُبِل عَليه  

واقفًا مُمتدًا ناصبًا عمودُه الفقري

مُدعيًا أنّ كلَّ شيءٍ بخير

قيدُ السيطرة

بينما تتساقطُ  كُرياتُ اللهب من فُوهة بركانٍ غيرِ مرئيّ

لتستقرَ في مُنتصفِ البطن تمامًا،

تصنعُ ألمًا لا نُخبر به العابرين

غير أنّ تقيؤَ الصباحِ  

كركرةَ المعدة  

والرغبةَ المتواصلةَ في استئصالِ تجويفِ البطنِ بمنجلٍ

تشي به ـ لا محالة.

 

لا نمارسُ الجنسَ مع أصدقائنا أو مَن نودُّ أن يكونوا كذلك

لأننا نعبر إليهم مُحمَّلينَ بأجزائنا التي لا نراها

أو تلكَ التي نراها جيدًا

ونخشى أن نخطُو إليها قَيدَ أُنمُلةٍ

بمفردِنا

فلا نعود.

 

 


الخميس، 2 فبراير 2023

أسورتان من ذهب- قصيدة

 قصيدتا "أسورتان من ذهب" و"فلنطهٌ بداية جديدة" تنشران في مجلة ميريت الثقافية

العدد (50)

فبراير 2023


شابٌ تشي به سُمرةُ الجنوب يختلسُ النظرَ إلى هاتفه دونًا عن الطريق

حين يستبدُّ به الشوقُ يُدير الكاسيت بصوتِ قلبه المحترق "يِهِمِك في إيه"

العَرَبةُ التي تحملُنا جميعًا كصلبانٍ خشبيةٍ سيتمُ إحراقُها في المحطةِ التالية

تتأرجحُ بين يدَي السائقِ وتعرجاتِ الطريق

ومسيحٍ ضلَّ الطريقَ إلى جِذعِ النّخلةِ علَّه يجدُ ما فَقَد.

طفلةٌ فَقَدَت دُبَّها المُفضلَّ للتوِّ

تبحثُ بين أرجُلِ الجالسين عن ساقَي والدها الطويلتين

تعودُ بخيبة.

فتاةٌ لها عينان بلونِ السبانخ تؤكدُ للصوت أنَّها في الطريق إليه

قد يتطلَّب ذلك ساعةً أو عامين.

 

نمرُّ على صناديقَ زُجاجية تقفُ بها نساءٌ عاريات

يُخبرنَ المارَّة أنَّ ثمة تخفيضًا هائلًا على ملابسِ الإحرامِ البيضاء

بينما يتخشَّبُ بها رِجالٌ بلا أرجل، ورؤوسٍ بأعينٍ تمَّ اقتلاعُها للتوّ.

تمتلئُ العربة، ينسلُّ الجميعُ كقطعةِ صوفٍ يُعادُ نسجها آلاف المرات

دون أن تستحيل إلى معطفٍ يقي أحدَهم بردَ قلبِه.

 

في نهاية الطواف

أصلُ إلى بيت أمي

الطابقُ الأرضىّ تمَّ تحويله إلى صندوقٍ خشبيٍّ ذي قُفلٍ معدنيٍّ صدىء مكتوب عليه "يا رب"

أتعثُر في ورقةٍ بحجم اليد:

تعلن البلديةُ اليومَ عن حاجتِها لتعبيد الطريق ليمرَّ سادةٌ جُدد.

في كلِّ مرةٍ تأتي بلديةُ الحي ينسكبُ سائلٌ أسودُ من فمِ وحشٍ يَمضِغُ مساراتِنا المُتعرجةِ ذاتَ طفولة  

محاولات الهرب الأولى،

ما تَبَقى من آثارِ أحذيتِنا على طريقٍ لن يتعرَّف أحدُنا فيه على الآخرِ بعدَ اليوم.

تفوحُ من البيت رائحةُ كعكٍ تمَّ خَبزُه في صباحِ عُمرٍ طازج

تستقبلُني أمي بنظرةٍ معتادة من الغضبِ تستحيلُ سريعًا إلى محبةٍ رائقة

نقضي اليوم بأكمله نلوكُ تاريخَ العجين

أُلقي السلامَ متأخرًا على ما عَلِقَ منِّي وأخي على جدران البيت

في السادسة مساءًا، تستقبلُ أمي القِبلة لتُخبر الله بكلِّ شيء

في السادسة وخمس دقائق، أتحوَّلُ إلى أسورتين من ذهبٍ يستقران حول معصمِها

يخبرها الصوتُ أنَّ صلاتَها قد استُجيبت

بإمكانها مَنحِي بالكُليّة للغيب والغياب.

كما يُمكنها دومًا أن تستعيرَ عمودي الفقري لتتكئَ عليه.



فلنطهو بداية جديدة

 

قبل أن يبدأ العامُ الجديدُ تُوصد أمي بابَ المطبخِ جيدًا، تنهرُنا من الدخول

تخبرُنا أنها وضعت سبعَ حباتِ فولٍ عاريةً على الطاولة

لا يجبُ الاقتراب قبلَ اليوم الرابع.

في بداية العام الجديد،

تطهو لنا أمي الحباتِ في إناءٍ يتسعُ لكافة وجوه العائلة الغائبة

تفوحُ من المطبخ رائحةُ خبزٍ ساخنٍ،

محبةٌ مُتعبة وأملٌ لا يشيخ بعودة مَن لايلتفت

نتأرجحُ في الصباح بين عادةِ احتساء القهوة الروتينية وبين تلقفِ ما صنعتُه الوالدة

غير أنَّها تحسمُ الأمرَ بالضربةِ القاضية حين تُخبرنا:

حباتُ الفولِ السبع العارية

انتهت للتوِّ من تِلاوةِ طقوسِ العُزلة

يتدلى مِن سُرّتها حبلٌ سِرّيّ

التهامُها واحدةً بعد الأخرى سيصنعُ سُلَّمًا شفافًا تصعدُ عليه أحلامُنا الُمتعبة من العام الفائت

تستَرِقُ السَّمعَ إلى أخبارِ السماء

ثمّ تعودُ لتُنبِتَ في معدةِ كُلٍّ منّا شجرةً عملاقة،

يُمكننا دومًا أن نعودَ إليها لنستكين.

أستمعُ إليها بقداسة يوم الأحد التاسعة صباحًا بتوقيتِ أن نبدو مؤمنين

أتحسسُ بطني برِفق

أتخيلُ أوَّلَ أبنائي،

يغفو هانئًا أسفل شجرةٍ ابتعلتُ حباتِها للتوّ

فاتحًا ذراعيه لتلقي الوحي من عينين جَدِّةٍ أحبتُه منذُ أزمنة.

أقفُ،

أرقُبُ بصمتٍ كلَّ ما يُمكن أن ينمو بيننا:

الغيابُ المُؤطر بحضورِ الحكايا

أمررها بخِفةٍ من بين ثنايا فم أمي المحشوّ برائحةِ الخبز الساخن،

حباتُ الفول السبع المُعلَّقة حول عُنقي لتُخبرني أنَّي أستطيع الخطوَ نحو العالم مُحمَّلة بيقينٍ أخبئُه بعناية أسفل عمودي الفقري

ومحبةٌ مُمتدةٌ نَبَتَت في رحمي منذُ عشرين سنة.

الأربعاء، 18 يناير 2023

ذاكرة الحب- قصيدة

 قصيدة ذاكرة الحب تجد طريقها إلى فهرس الجمال أنطولوجي 



ذاكرة الحب

 

 

(1)

 

صندوقٌ خشبي مُغطى بقماش أخضر،

بينما يتمدد في زواياه الأربع،

تنفلتُ قبضة يده للتشبث بي،

تستجديني ألا أفلت عروق يده.

 

أَوصَى أن أمشي جنباً إلى جنب بجوار صندوقه الخشبي،

يغمرني اللون الأبيض،

غير أني لا أتوحد بأي طقوسٍ جماعية للحزن.

أتذرع بقصر ذراعاى،

 اترك أذرع  العائلة تمتد لتحمل عني جسده أو ما تبقى منه.

 

للطريق لمقبرة العائلة،

عليك أن تقطع عشرون ألف هيكتارًا من أرض رملية من أرض لم تنبت سوى الوحشة والغياب.

 

عائلة أبي يطلقون عليها "جبّانة"،

ظننتُ أنهم يخبأون بداخلها نوعاً مميزًا من "الجُبن".

سيتحول أبي إذن إلى قطعة "جُبن"!

جدي  ذو العينين الزرقاوتين كبحر لم يره قط،

وعمي الذي جاب البلاد طولها وعرضها دون ابتسامة واحدة،

وجدتي ذات السن الذهبي حين تبتسم وثعبانٌ يأكل ذيله عضها ذات عُمرٍ في قدمها اليسرى.

لم يخبرني أحد ما الذي ينتظرنا هناك،

نتحرك كجنودٍ عائدين للتوّ بخسارة لاتُحتمل.

 

أود أن أقطع المسافة إلى المقبرة ركضًا، أخبره بما لم أخبره به من قبل.

سبعة عشر عاماً من الحكايا المؤجلة

الأذرع الممتدة تقبضُ على الحُنجرة،

تجبرنا على ترديد كلماتٍ أعجز عن مضغها،

يخبرونني أنها أنشودة جماعية للتخلي،

لحنًا يحمل صوتًا أعلمه، يأتيني من بلد بعيد أُحب.

يتناوبون اللحن بينهم كبكرة خيط ٍ تتلمس طريقها حتى نهاية الخيط.

يستمر اللحن، كى يعبر وحده دونما التفات نحو أرضٍ الجديدة.

أتساءل كيف يعبر دون أن يحمل معه حكايا تحمل بعضاً مني،

منه،

وما كبُر بيننا في الغياب!

 

الطريق نحو المقبرة لم يستغرق سوى دقيقتين أو لربما سبعة عشر عاماً!

تنسحب مني الذاكرة كقلم جاف فرغت أنبوبته للتو تجبره مرات متتالية أن يكتب شيئاً،  ينظر إليّ يائسًا

امراة تشبهني- كراحة يدي- تتكور أيضًا مع ساقيه الطويلتين

في الصندوق الخشبي المغطي برائحة المانجو الذي لم يتذوقه.

شريط أبيض بلا صوت،

بلا حركة،

بلا ذاكرة.

 

 

(2)

 

استيقظ في الثامنة أقف قبالة  باب دوّار يأخذني إليه برفق،

يتلاشى  صوت أمي  كأن لم يكن.

حين يعود في الظهيرة،

يتخلى عن قميصه المُبلل بعرق المحاولة،

يُريني عضلة تبرز على استحياء أعلى ساعده،

كنت أتشبت بها،

وبه،

أصنع منها أرجوحة كي أرفس العالم كعادتي ضاحكة !

 

بعد سبعة عشر عاماً أو أكثر،

كانت عضلة ساعده البارزة هي انتصاره الأخير،

محاولته المتهكمة لمعاودة الرغبة في الحياة،

قبل أن يكور ساقايه الطويلتان في صندوق خشبي،

مُغطي بالقماش الأخضر،

يتجه وحيداً نحو حافته.

 

(3)

أتوسل إلى الأحجار العالقة بروحي كلّ صباح،

أن تعود إلى موطنها في حديقة منزلي حيث تنتمي.

أمضغ مئة كتاب عن كيفية الزراعة وتجاوز الفقد،

أود أن أزرعك  في مواسمٍ لانهاية لها.

استيقظ صبيحة كل يوم،

أدعو أن تُنبت في شرفتي يومًا ما.

يخبرني المتمرسين في مواسم الرحيل

أنّي لن أستطيع معك صبرا،

كي أعيد إنباتك يتوجب علىّ أن أدفنك بطريقةما،

أبحث عن أرض تُحبك

تمنحك ذراعيها بلا قيدٍ،

بلا غيابٍ مُحتمل،

 بلا وعدٍ ينكسر.

 

في رأسي،

أُعيد إليك الحياة في اليوم ألف مرة

لم تمتلك يوماً هاتفاً خُلويا،

غير أني أهاتفك بلا انقطاع:

أنشأتُ مشروعاً باللون الأخضر،

أمضي في مسارات الكشف مُغمضة العينين،

احتفظ ببقايا صوتك في ملف الكتروني أخشى أن أفقده إن انقطع التيار الكهربائي!

غادرتُ خوفي القديم من الغرق،

لا زلت أتذوق المحبة على مهل.

ينقطع الخط.

عاجزة أن أفلت يدك كي يغادر أحدنا الآخر،

محاولات إنباتك في شرفة المنزل باءت بالفشل!

احتفظ بك أسفل وسادتي كسنٍ لن تبصره الشمس الشموسة،

لن ينبُت

سيبقي فراغ أعلى اللثة

ليذكرني بما فقدت

وأني أمارس فعل الحياة بقسوة كيلا يبتلعني الغياب.

الندبة الموشومة بأعلى الكتف تمسك بي بكلتا ذراعيها

تنهرني  كيلا أتوقف عن المحاولة.

 

 

(4)

 

أحدق بثقبٍ  يتسع داخلي،

يعج بكتيبة نملٍ تمشي بحوافٍ مدببة فوق جلدٍ يحترق،

ثمة صقيع يُجمّد أطرافي الأربعة كصليبٍ دُق للتوّ على الناصية.

تتخدر حواسي بالكلية

بلا أدنى مقاومة،

أهمس:

من غير العدل أن يحدث كل ذلك،

غير أن كل ذلك قد حدث بالفعل.

أحدنا مات مرتين،

كيف السبيل للململة الخسارة!

أغفر لك!

 

 

(5)

البيت مُعتم،

لا رائحة طعامٌ يُطهى أو مائدة تُعد،

لا صوت طمأنينةٍ يُخفف وطأة جُدرانٍ أسمنتية بُنيت على عجل.

ألقم مفاتيح البيت فم الباب الجائع،

أسير على أطراف أصابعي خشية أن أوقظ من سكنوا البيت في غيابي الممتد.

أسترخي على أريكة وضعتها أسفل شباكٍ يطل على ذاكرة الطفولة، 

لا ستائر تحجب الرؤية.

البنايات الأسمنتية وحدها تراني.

أتحسس ضفيرتي البُنية التي أحببتها دومًا ممتدة نحو سرتي،

تستحيل إلى حبلٍ سًري يُعيدني في كل مرة إليك.

 

(6)

جدتي ذات السن الذهبي حين تبتسم،

تهب لي ثعبانها الذي يأكل ذيله، وتبتسم!

خط يدك بالأزرق والأخضر" كل من عليها فان"، 

فوق المقبرة

دليلًا أبديًا للتيه والحنين،  

يقترب ببطء.

أغمض عيناىّ.

العتمة تُغلف الزوايا الأربع لصندوقٍ خشبي،

مُغطى بقماش أخضر.

يأتيني صوتٌ أعرفه:

"حديقتك  أنبتت شجرتىّ ليمون غرائبيتين بحجم البرتقال!"

ابتسم،

أوشك أن أخبر الصوت  أن تلكما ساقيك  الطويلتين

هاهما أنبتتا في البلد البعيد الذي أحببت،

لا أفعل.

احتفظ بسرٍ صغير ينمو بيننا،

ابتسم

تدق على النافذ حمامة رمادية،

تترك ريشة بيضاء توقيع محبة ممكنة.

أفتح عيناىّ ببطء.

تفوح رائحة حليب طازج،

أتحسس ثدياىّ

ينسل منهما سائل باللون الأخضر

ثمة عينان تنظران لي بفرح

يشب برأسه خارج الصندوق الخشبي،  

أزاح القماش الأخضر بأسنان نبتت بخجل

يشاكس الحمامة التي حطت على النافذة

يكركر ضاحكًا بغنج.

أُسميه "أنت"،

نتعاهد أن نبني معًا ذاكرة جديدة،

ذاكرة للحب.

أليس الحب أن يصبح أحدنا ذاكرة الآخر؟

(7)

إليه.

(8)

الغريب:

11 أغسطس 1944- 16 سبتمبر 2017

(9)

.

اللوحة للفنانة باميلا جريس