الخميس، 16 يوليو 2015

كفاية بقر بقى! دراما الموسم- الثانوية العامة

  مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 17 يولية  2015

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.


مقالة- كفاية بقر بقى!


في تقرير يحمل سمة الطرافة بقدر ما يحمل قفزة ثورية في عالم الزراعة، قدمت الـ بي بي سي في مايو 2015 وصفاً عن استحداث نظام تكنولوجي تتمكن من خلاله البقر من حلب أنفسهم! النظام الجديد بيقدم نفسه في صور متتالية من البقرات السمان بيتم زراعة شريحة إلكترونية تحت الجلد، وتبدأ البقرات في التحرك وفقا للشريحة اللي يمكن اعتبارها "بطاقة هوية" للبقرة تمكنها من حجز مكان في مسارات محددة لكي يتم حلبها.

يعتمد النظام على تحديد "هوية" الأبقار من خلال الشريحة الإلكترونية لتحديد كمية اللبن التي يتم إدرارها، وبالتالي اعتبارها "أوفر الأبقار حظا" والأولى بالرعاية الغذائية والصحية فيما بعد. يذهب التصميم الذكي إلى مستوى سريالي من الطرافة غير المستبعدة للتحقق على أرض الواقع حين يشير أن بإمكان إدخال خاصية تكنولوجية فيما إذا أثارت البقرة شغبا أثناء عملية الحلب أو كما ذُكر تسببت في المتاعب، فسيتم إرسال رسالة نصية للمزارع الذي تمّ توصيفه بأنه ولي أمر "البقرة".

على الرغم من أن التقرير أثار جدلا بين المدافعين عن حقوق "الأبقار" في كل من بريطانيا وهولندا وأستراليا واعتبار التكنولوجيا تتعدى على ما تمّ وصفه بالرادع الإنساني للممارسة اليومية، فإن نفس التقرير قد يثير جدلا لايقل أهمية عن مشهد الأبقار السمان المتراصات بمحاذة إحداهن الأخرى في انتظار الحلب على جانب آخر من العالم.
انطلقت منذ ساعات صافرة "مارثون الثانوية العامة" في جمهورية مصر العربية، امتلأت صفحات الأخبار بأسماء وصور شباب وفتيات ملتصقا بهم نسبة مئوية تمثل قيمة ما تمّ تحقيقه من إنجاز في تلك الموقعة التي تصفها الثقافة المصرية بأنها معركة “مصيرية” فارقة.

عزيزي اللي مستني نتيجة أفشل وأسخف وأحط اختراع اسمه “تنسيق الثانوية العامة”.. اسمحلي أقولك:
إذا كان البقر في الخبر أعلاه مستني دوره في انتظار تطبيق التكنولوجيا عليه، علشان نعرف مين البقرة العفريتة اللي هتدينا إنتاج أكتر، إنت متختلفش عن البقرة بطلة التقرير كتير!

عزيزي القاريء قبل ما تجهز ليستة الشتايم وتتهمني إني باقتل الأمل الأخضر الورور في القلوب الخضرا الورور برضه في الزمن الأخضر الورور، إشمعني هو يعني اللي مش هيخضرّ، أحب أعرفك بنفسي.. 

محسوبتك "بقرة" سابقة، ابتدت عملية التسمين ليها من أولى ابتدائي من خلال الحشو والتدفيس في صفحات كتير وأكاد أقسم بـ "حوافري" العشرين إني مش فاكرة منهم أىّ كلمة غير نشيد الأبجدية الإنجليزي. ارتبط في تعلمي بشكل شرطي بالمزيكا والفساتين الملونة والحفلات الغنائية في نهاية العام الدراسي.

عملية تسميني كبقرة استمرت لحد مرحلة الثانوية العامة، واللي الأستك اتشد فيها لأقصى مدى ممكن، أشبه بحالة الطواريء في أوقات الحروب، والحمد لله عدينا وجبنا خرطوم المية وفسيناه في الحيطة المنيعة وعبرنا بمجموع يليق ببقرة مطيعة بتسمع كلام صاحبها وبتاكل كل الـ "برسيم" اللي بيتقدم ليها وبتمضغه وبتهضمه كويس وبتعيد إنتاجه في شكل إجابات شافية كافية وافية في أوراق الامتحانات زي ما شوال "البرسيم" نص بالظبط.

وتمّ المراد والـ "بقرة" يمكن صورتها مطلعتش مع أوائل "البقر"، لكنها قدرت تلعب في شريحة البقر المتميز اللي كان بينه وبين الدرجة النهائية اللي مفيش حد في أي نظام تعليمي مطلوب منه يحققها أصلا، لكنه – ياللهول- كان فاضل على الحلو تكة.

كبقرة سابقة، خليني أقولك إن الأربعين خانة اللي بتملاهم في التنسيق، واللي غالبا هتجيلك منهم الرغبة (32) في جواب مسوجر على باب بيتكم، مش هم دول قيمتك في الحياة ولا النسبة المئوية اللي وصلت لها، مش هي دي أهميتك، وبلاش تخليها ملتصقة بيك وكانها جزء أصيل في هويتك اللي لسه بتتحسس طريقها، علشان تثبت وجودها كإنسان مش كـ”مجموع طالع له راس بني آدم”.

خليني أقولك إنك هتخوض حوارات مالهاش لازمة عن الاختيار البرستيجي للكليات والاختيار الجغرافي للأمنيات والاختيار الجندري للتخصصات والاختيار الكلاسيكي “أومال مين هيشيل اسم العيلة ومين هيفتح العيادة من بعدي (صوت برطمة داخلية أنا عايزة افتح كشك أصلا) والاختيار النفسي لإشباع رغبات الوالدين اللي مقدروش يحققوها لروحهم في عمرهم، فقرروا يخلفوا كائنات شبيهة لهم، مهمتها إنها تدعك الفانوس وترجع بالزمن أكتر من تلاتين سنة، علشان تنكش الحياة في شكمجية أحلام الوالدين.

كـ “بقرة” سابقة خليني أقولك إنك عزيزي الحامل للشريحة الإلكترونية اللي مش متشافة ومزروعة تحت جلدك، هيتم دفعك دفعا، علشان تمشي في مسارات محددة سابقا، على عكس رغبتك الحقيقية. هتقف في طابور طويل ملتحم مع باقي "البقر"، وهتتشارك الإحساس الغريب المصحوب بالسؤال البديهي: هو أنا ليه مينفعش أدرس اللي بحبه وأشتغل اللي بحبه برضه، وأكمل حياتي بعمل الحاجات اللي بحبها، من غير ما أتخانق مع الأفراد أو في "نظام حلب البقرة"؟! هتفضل تتحرك على حسب ذبذبات الشريحة اللي بتشدك بقوة المغناطيس لنهاية المسار علشان تلاقي نفسك بتاخد "ختم" الشفخانة: جامعة كذا.
هتخش الجامعة اللي لو صادفت إنها رغبتك، فأنت هتكون معروف في السنة الأولى في اليوم الأول من أول شعاع أهو الي شايف روحه/ها "البقرة المقدسة" اللي قربوا يقدموا لها القرابين للعبادة، وإذا كان قرار التنسيق شلوتي النزعة وحدفك علي الرغبة غير المتوقعة في آخر الليستة، فأحب أقولك حصلت لـ "بقر" كتير قبلك، فاثبت كده، علشان إنت وافد على المزرعة الجديد.
كـ "بقرة" سابقة بتكتشف أن سنين عمرك في الجامعة تقدر تسكنها تحت تشابتر "مفيش"، وزي ما خرجت من ابتدائي بنشيد الأبجدية، غالبا هتخرج من الجامعة بفكرة أو اتنين، والكثير جدا من الولا حاجة، وزي ما البقر بيختموها في الشفخانة علشان يتأكدوا إنها صالحة للاستهلاك الآدمي، بيختموك إنت برضه، وإنت متخرج من الجامعة.. هيدوك شهادة "كبيرة"، بس محدش هيفهمك يعني إيه "كبيرة"، ومقاسها الكبير ده مقارنة بمين ومع أنهي شهادة تانية في بلد تانية!

يا صديقي اللي مستني السمنة من بطن النملة وقاعد على أحر من الجمر مستني تنسيق الثانوية العامة، أنا مش عايزاك تحبط، لأننا يا عزيزي كلنا "بقر".إحنا السابقين حاولنا نتمرد على الشريحة المغروسة في الجلد، ويمكن وصلنا متأخر شوية، لكن إنت كـ "بقر" مستجد لسه قدامك فرصة.

استقبل نسبتك المئوية اللي الست الوالدة بتضيف عليها عشرة في المية وهي بتتباهي قدام الجيران، وأعرف إن الرقمين دول مش هم قيمتك الفعلية. خض معركتك بشجاعة في اختيار الكلية اللي أنت عارف ومتأكد إنك هتقدر تنجح فيها، ولو عندك ضلالات مجتمعية وهلاوس عائلية بفعل الضغط المستمر، احسم خوفك بدري رد عليهم ببساطة: إن شاء الله الصبح بدري هنجيب اتنين رجالة شداد هيشيلوا اسم العيلة ويطوحوه لأبعد نقطة ممكنة، وركز إنك تكتشف نفسك إنسانيا ومعرفيا في مجال يناسب قدراتك وتحمل نتيجة اختياراتك بكل شجاعة.

ابني لنفسك طريقة للتعلُم عن الحياة كلها تكون أكبر من حيطان مدرسة أو جامعة او مدرج لسه بيفصلوا فيه البنات عن الولاد أحسن الخطيئة تقع لو كوعك خبط في إيد زميلتك، وأكبر من مقررات تقدر تقراها كلها بضغطة زرار على الإنترنت. 

اخلق لنفسك مساحة حرة للتفكير والاختيار باللي يناسبك، وصَحي فضيلة الشك المنسية.
ببساطة.

اتعلم إنك تجهز روحك للدنيا "الكبيرة" مش بالشهادة الـ "كبيرة" اللي هيختموك بيها كمواطن "بقرة" صالح لم يثر شغبا طيلة فترات انتظاره للحلب المتوحد مع شريحته، المتسق مع مساره المحدد سلفا.

استعد، لكن بدماغ "كبيرة" تكون قادرة إنها تفند وتزيل الغشاوة عن كل اللي هيتباع لك بعد كده في ورق سوليفان، سواء من البشر أو الواقع.

أتمنى لك عتبة جديدة لحياة تشبه روحك وتفاصيلك
وكـ "بقرة" سابقة، أحب أبلغك سلام باقي البقر اللي بيحاولوا يتأقلموا جوه الشفخانة، لغاية ما نتشعبط في جلابية ثورة نؤمن فيها أن التعليم والتعلُّم هم في الأصل حرية واختيار.
وساعتها هنهتف بصوت واحد: "كفاية بقر بقى".