‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، ضربة شمس، ثقافة، مجتمع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتابة إبداعية، ضربة شمس، ثقافة، مجتمع. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 1 يناير 2014

حماقة الإجابة النموذجية

 مقالة منشورة بجريدة التحرير - ملحق "ضربة شمس"

تاريخ 2 يناير 2014

رسوم: الفنان وليد طاهر


في سلاح التلميذ و المعاصر كان دايمًا فيه سكشن من ورا اسمه الإجابات النموذجية و اللي غالبا معظمنا كان بيفتحه الأول قبل ما يبتدي يحل انا شخصيا كنت بتضايق جدا لما بابا يخبي السكشن دوت في محاولته البائسة اني أحل لوحدي. الحيلة دي كنا بنعملها علشان نقيف الإجابة على السؤال (لا داعي للتصفيق ع النصاحة أوفر دوز).

 بنكبر شوية و بنخش في بلاعة الثانوية العامة و بتصطدم عليها كل طموحاتنا و خططنا اللوذعية في الحياة و بنفتكر أن العيب كان في الأسئلة اللي  جاية من بره الكتاب!

 كنت دايمًا بسأل نفسي لما أسمع تصحيح الثانوية العامة هم بيعملوا إزاى "إجابة نموذجية" علشان يقدروا يصححوا عليها كل العبقرية اللي دلقناها في الورق 😂, بنكبر أكتر و بنلملم روحنا من وهم الثانوية العامة، بنخش معترك الحياة، آه هي معترك عشان بتتعرك جواها يا حلو وبتتعارك وبتتعجن في الخلاط. بتكتشف إنك بالرغم من إنك بقيت طويل وأهبل 😂، قصدي كبير ومش بتمتحن ولا حد بيسألك أى أسئلة، إلا أن الإجابة "النموذجية" بقت محوطاك في كل حاجة، أقولك إزاى:

- أبوك وأمك وعيلتك: متوقعين منك أنك الابن أو البنت النموذجية، يعني اللي ينفع يتقيف في صناديق توقعاتهم وصورتهم الذهنية عن اللي "لازم" وحتمًا ولابد تبقى عليه، وأوقات بيطلبوا منك تحقق أحلامهم هم الشخصية اللي مقدروش يحققوها فبيرسموا ليك سلسلة من الصور والقوالب ومطلوب منك تتحرك جواها بالمللي!

- كبرت واشتغلت: الشغل متوقع منك أنك تكون الموظف المثالي، وطبعًا ده معناه الموظف اللي عليه العين والحاجب علشان عايزينه، بس كمان شوية يلا نشوطه ونجيب حد تاني علشان يلبس سلطانية فخر أداء الشغل، وكل ده وهم بيسلم وهم.

-    الحب و العلاقات والجواز، يمكن أوقات بنراوغ في الإجابات النموذجية المتعلقة بيهم وطول الوقت بندبدب في الأرض أن الحب "شريك/ة يقبلونا زى ما أحنا" لكن احنا مين ويا ترى بنخش العلاقة واحنا عارفين احنا مين وهم مين، ولابنخشها وكل واحد لابس جزمة ضيقة في دماغه علشان عايز يلاقي حاجة محددة أو صورة معينة اترسمت في عقله/ها هو وهو قاعد الساعة اتنين بالليل في ليلة شتوية بيحاول يفهم هو ايه اللي جابه هنا. يمكن مبنقولشي أننا عايزين شركاء "نموذجيين" لكن هل فعلًا بنقدر نتقبل أن شركاءنا بشر عاديين، هم كمان ممكن يكونوا متلخبطين في روحهم!

 مش قادرة أحدد ليه الإنسان بيدور على إجابة نموذجية للأسئلة اللي بتتنطط في دماغه؟ والأهم ليه الإنسان برضه مُصر أنه ميتعتعشي من مكانه غير لما "يكوّش" على كل الإجابات! كمان، ليه لازم يوصل، والوصول يكون لشيء نموذجي. النموذج بالنسبة ليا هو "اتفاق" أو عقد على أن إجابة معينة نفعت تجاوب على سؤال معين في وقت معين مع ناس معينين. 

إزاي بنستخدم نفس الإجابة دي مرة ورا التانية في مكان تاني ومع ناس تانيين في ظروف تانية مختلفة خالص، وكأننا مُصرين أن الحياة تمشي بنفس السيناريو لنفس الكتالوج!

مع كل مرة بقفش نفسي فيها- ما أنا كمان أوقات الحمار الأصيل جوه مني بينهق- بدور على الإجابات النموذجية، بقفش حتة من روحي بتبقى عايزة ترتاح أو تريح شوية قبل ما ترجع تتمرجح في حلزونة الأسئلة اللي ملقتلهاش إجابة لحد دلوقتي. آه، أوقات الإجابات النموذجية ب"تريح" لأنها بتدي الوضوح اللي ممكن نحتاجه في وقت ما، وقت الشوشرة والتشويش وضبابية الرؤية. يمكن.

 على قد ما أنا بحب الأسئلة وبشوف أنها نقطة البداية في أى مشواربتقرر تمشيه علشان تفهم روحك ودماغك وتلاقي لنفسك مكان على خريطة عالم أوسع ومتغيربشكل رهيب، إلا أني ابتديت أفهم أن أوقات مش بنستحمل نمشي من غير إجابة، ووجود إجابة بيطمنا أحيانًا، بس طمأنينة كدّابة! السؤال في بدايته بيكون شقي ولذيذ وحِرِش كده، زى أنك تتأمل في السما وتسأل هى ليه الشمس مالهاش أب ولا أم، أو أنك تاخدلك غطس في المية وتقابل سمكة بتزق سمكة تقوم تسأل هو السمك لما بيتكلم المية بتخش في بوقه ومش بيشرق، طب هو السمك عنده لغة يتكلم بيها مع بقية السمك، بيفهموا بعض إزاى؟ طب ليه الفراخ كائنات مزعجة جدًا ويا ترى لما بناكلها وبتنزل البطن ده سبب لكل الزيطة والضجيج اللي موجودين برانا وخصوصًا في المدن اللي في كل شارع تلاقي محل "فراخ محمرة"!

مع الوقت ممكن السؤال يتحول لدهاليز وممرات تاخدك معاها فتنسى أصلًا، هى الحدوتة ابتدت منين، وتقف تدبدب وأنت واقف على مفارق الطرق وتقول، بس أنا إيه اللي جابني هنا؟! ويا ترى أنا بدور على إيه! أنا وصلت ولا تهت، ولا أكمل من غير ما أعرف ومش لازم أعرف دلوقتي!

 البعض مننا بيشوف أن ده متعة، والبعض التاني ممكن يشوف في ده خوف وارتباك وحيرة، والبعض التالت ممكن عدم الوصول لشيء يكون بيؤلمه لدرجة انه بيقف ويغني "ماسك الهوا يااااااخراااااابي بإيديا". ساعتها يمكن الإجابة، تكون زى مُسكن لطيف بيقلل من فرهدة المشوار، تبلبعه كده مع بوق مية وتقول نفسك بااااااس خلاص لقد وجدتها وقفشت الإجابة. بس هيبقى أكبر غلط تعمله في حق نفسك وحق أى حد تاني لما تقولهم وسع يا جدع أنا اللي معايا كل الإجابات النموذجية، مافيش حد غيري هيقول بقى وسبوني أمسك المكرفون لوحدي!

ساعتها بتؤذي نفسك أكتر ما بتؤذي أى حد تاني، لأنك بتتحول لروبوت آلي متبرمج على شوية إجابات، كل ما حد يدوس زرار يقوم هو يحدفه بشوية "رص" تحت بعضيهم، من غير ما يبص في عينين البني آدمين اللي واقفين قدامه بكل تجاربهم المختلفة جدًا.

يمكن الحياة جمالها وعذابها ومغامرتها ونعمتها، أنها عمرها ما كانت ولا هتكون لوكشة أسئلة وتحت منها لوكشة إجابات. علشان نفضل نحس أننا قادرين كل يوم الصبح نصحى ونبص للشمس، ونضحك من سؤالنا القديم عن "عيلة الشمس" بس على الأقل لسه فيه حاجة قادرة تزغزغ روحنا وتخليها تتحرك أبعد من الركود والذبول والموت ببطء. 

لو عايز رأيي- مع أن محدش طلبه بس انا هتطوع وأقوله- مش محتاج تمشي في الدنيا غير بشنطة فاضية، ممكن مرة تعبيها بشوية أسئلة، بس حاسب لتعبيها بأصنام شوية شوية كده هتجوع وهتاكلها وهتضحك على نفسك أنك كنت فاكر روحك خلاص وصلت للحكمة المكتوبة على مؤخرة نملة ماشية تحت حجر في غابات أفريقيا، وطول الليل والنهار قاعد تغني يا "منعم"، معايا الإجابات النموذجية، معايا الكتالوج المشوي...قرررب واتفرج!