مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 8 مارس 2016
موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.
"إنتي الوليّة"!
تعد جملة "إنتِ الولية" الإيفيه الأشهر للراحل عاطف السكري المتنكر في صورة يونس شلبي في المسرحية الأكثر جماهيرية “العيال كبرت”، واللي جهود ومغامرات أبطال المسرحية فيها انصبت حول الكشف عن هوية المرأة المجهولة. الانطلاق في البحث لم يكن مستدلا على صفات معينة، أو طرح مسبق سوى أن أى "أوبشن نسائي" يكون قادر على ملأ فراغ السؤال: "مين الولية؟؟".
وعلي الرغم من أن لفظ “الولية” يحمل وصمًا شعبويا تختلف السياقات في تفسيره سلبا وإيجابا، إلا أن تركيبة الإيفيه "إنتِ الولية؟" يتم استخدامها شعبويا أيضاً في كثير من الأحيان، لما بنكون بندور على "امرأة بعينها"، بس مابنبقاش عارفين إحنا بندور على إيه تحديدا.
يشهد الثامن من شهر مارس احتفالا عالميا بيوم المرأة العالمي، وتتبارى كافة المواقع الإعلامية ودوائر الدعم الإيجابي للمرأة في الاحتفاء بنماذج نسائية من وجهة نظرهم تستحق الاحتفاء، وعلى الرغم من المجهودات، حسنة النوايا جدا، لتقديم نماذج إيجابية للمرأة، إلا أن المتابع لما يتم طرحه من أسماء، بتجبرك إنك تتقمص شخصية عاطف السكري، وتسأل: "إنتي الولية؟"، ومين بنقدر نقول عليها/ هن أنها الأحق بزووم الكاميرا كنموذج يمكن الاحتذاء بيه وشحن زمزمية الأمل، وإن فيه تغيير حقيقي على الأرض تقوده امرأة في سياق معين وبمعطيات واقعها.
ستتبارى كثير من الاستفتاءات في حشد أسماء نساء، لا أعتقد أنهن بحاجة لمزيد من الشهرة، أو لتسليط الضوء على قضاياهن. على سبيل المثال، في العام المنصرم تمّ ترشيح الكاتبة نوال السعداوي من قبل استفتاء عربي كناشطة حقوقية ملهمة للجمهور، فتجد نفسك متسائلاً: "هي ليه الدومينو قفلت على دكتورة نوال"، هل لا يوجد لدينا مناضلات وناشطات في حقوق الإنسان يدفعن نتيجة اختياراتهن ورؤيتهن لفعل الثورة ثمنا غاليا يتراوح ما بين الحبس والاعتقال؟ ولدينا نموذج إنساني حي في ماهينور المصري، أو نموذج فقدناه في الركب، في الشهيدة شيماء الصباغ؟!
أربع سنوات مرت على ثورة يناير، تلك التي أعطتنا قبلة للحياة لازلنا نتعكز عليها حتى اللحظة، ألا يوجد لدينا قصة/ قصص تُروى؟
هل نبحث عن "ولية"، ولا ندرك من هي التي نبحث عنها؟ أم أننا بالفعل موجودات ونفتقر إلى عدسة الكاميرا التي تصنع مما ننسجه في تفاصيل حياة منهكة يومية نجاحا يستحق الاحتفاء به؟
من هي "الولية" التي تستحق الاحتفاء والاحتفال بها في يوم المرأة العالمي؟!
تدور حولي كادرات تتقاطع بطلاتها في إصرارهن على انتزاع حقوقهن الضئيلة في دائرة الحياة اليومية: حق اختيار ارتداء غطاء للرأس أو عدمه، ومعارك الكثيرات خلال الأعوام الماضية في إثبات هذا الحق، بل وانتزاعه إذا لزم الأمر، وتضحياتهن على طريق العقاب لأنهن خرجن على كتالوج المجتمع المتدلدلق بتدينه، قصص عن بنات يبحثن عن سكن مستقل عن الأسرة، وتعبيرهن عن احتياجهن لمساحة خاصة يمارسن فيها الفن أو الجنون -أو لنقل- ليمارسن فيها فعل الحياة ذاته.. أخريات يقررن ممارسة فعل اختيار أن تتزوج أو لا، دون الانصياع لهتافات الجماهير إنها"تتستت وتقعد بقى في بيت اللوح.. قصدي بيت العَدَل".أمهات وزوجات وفتيات يقفن على الجانب الآخر من عدسة الكاميرا ، لكنهنّ يقاومن مرارة القهر والهزيمة بتغذية الحبل السري بينهن وبين أحبائهن بالانهماك بالكلية في تفاصيل الحياة اليومية، ويتحملن وحدهن بكل شجاعة أعباء أن تستمر أسرهن الصغيرة في غياب أحد أفرادها دون جريرة حقيقية.
الكثير من النساء اللاتي أخذن قرارا شجاعا بعدم استكمال علاقة زواج تدمر كرامتهن، في مقابل أن يبدأن حياة أخرى قد لا تلوح فيها أي فرص للوقوف على القدمين مرة أخرى، لكن اختيار الانعتاق كان حتميا للنفوس الحرة.
أولئك الباسلات اللاتي اتخذن قرار صفع الفاشية في ذروة تماهيها مع الجماهير المهللة بالقيم والأخلاق والفضيلة، وفضحن فعل السلطة العاهر بكشوف العذرية، والذي تعود ذكراه للتاسع عشر من نفس الشهر، وكأن الشهر ذاته يأبى أن يمضي دون أن يترك وصمة وبصمة لا تنمحي عن كيف ترى السلطة المرأة في صراع الثورة طيلة السنوات المنصرمة.
أعطيت أمثلة في حدود معرفتي المتواضعة – لا للحصر- وما عشناه في حلم الثورة ولن يكتبه التاريخ عنا، لأن أصواتنا لم تُسمع بعد. لدينا قصص تروى، فقد منحتنا الثورة الأم شجاعة لممارسة الفعل الثوري واستنساخ ما آمنا به في حلم أكبر، ليصبح دوائر صغيرة تتسع، فتحرك المياه الآسنة. تلك الخطوات التي يراها البعض هامشية وغير مرتبطة بـ"نضال" أكبر، لهى جديرة بالتأمل والتناقل والتوثيق، لأننا في صدد نفخ روح الخلق في منظومة قيم تتفق وما نراه نحن، ونبحث عن "ولية" تشبهنا نحن، بمعطيات واقعنا المعقد، ونراها تشتبك معنا في معاركنا الهامشية اليومية.
نحن بصدد إعادة تفكيك قطع البازل وتركيبها بما يمنحنا ما سلب منا، وما تم إخصاؤنا بعمد لنصبح كائنات مشوهة استغرقت عمرا وحياة ً كاملة لتدرك ذلك.
نحن بصدد أن نحدث ثورة، سيكون لنا صوت يُسمع، والعديد من القصص لتروى لمن سيأتي بعدنا، ليدرك هشاشة السلاسل الحديد التي يكبلنا بها مجتمع أضعف من أن يتم الخوف منه.
وفي الحياة، سأتخلص من السؤال الاستفهامي المطروح على لسان عاطف السكري، وسأخبر جميع الشجاعات الجميلات الباحثات التائقات لمعنى الحرية فعلا وممارسة:
أنتن "الولية"
متدوروش على نموذج كامل الأوصاف في النضال وفي الحياة.. احتفلن بما صنعتن.. وكنّ على ثقة أن لديكن قصصا عن الحياة تروى وأكثر، حتى وإن لم تمنحكن الحياة فرصة لتكن اختيارا في استفتاء، فأنتن قادرات على فعل المقاومة، بل على فعل الحياة ذاتها، وليس فقط التظاهر بأننا "نحيا".
وبعد الرغي ده كله، لو حد سألني: طيب مين "الولية"؟ هييجي في دماغي الست اللي شفتها في موقف المنيب للميكروباصات، حيث يتم تحميل وشحن وتعليب وطرد فقراء الصعيد، ليتوجهوا عائدين إلى قراهم المنسية، محملين برزق جديد، والكثير من الخيبة.. تلك السيدة التي وصفها أحد ركاب الميكروباص بأنها: "المرة اللي واكلة كلاوي النمل".. سيدة في منتصف الثلاثينيات ترتدي إحدى تلك العباءات ذات عدد اتنين غرزة من على الوسط، وطرحة سوداء مليئة بكل ما يمكن من شأنه أن يلمع في النهار والليل، ذات وجه بنسميه في الصعيد مدور وليه طلة قدر الحليب الطازة .. أما لماذا يطلقون عليها "المرة اللي واكلة كلاوي النمل"، فللحديث بقية ، أول ما الميكروباص يوصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق