الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

و عندك ربع كيلو "طاقة إيجابية" و باتنين جنيه "بهجة" و متنساش السلطات!

 مقالة منشورة على موقع "زائد 18" بتاريخ 15 أكتوبر 2015

موقع زائد 18 موقع مصري شبابي شامل مستقل مخصص لنشر مقالات الرأي في المجالات المختلفة. يهدف لإتاحة منصة حرة للشباب للتعبير عن أرائهم دون قيود ودون تدخل من إدارة الموقع. يصدر عن مؤسسة زائد 18 للنشر.

مقالة: "وعندك ربع كيلو طاقة إيجابية!"- زائد 18

و عندك ربع كيلو "طاقة إيجابية" و باتنين جنيه "بهجة" و متنساش السلطات!

منذ فترة ليست بالقصيرة ظهر علي مواقع التواصل الاجتماعي مصطلح "الطاقة الإيجابية"،و في بداية ظهوره اقترن بجزء كبير من محاضرات التنمية البشرية الهادفة لإشاعة روح التفاؤل والأمل الداعمة والمطلوبة عند مرور البعض بلحظات إنسانية هشة تتطلب وجود دعم نفسي حينئذ. وعلي الرغم من الجدل الخاص الجدير بالطرح حول "التنمية البشرية" هل هي بالفعل علم حقيقي أم مجرد حالة من الوهم يلجأ إليها بعض المعالجين النفسيين أو المدعيين للإيحاء لمرضاهم أنهم قادرون علي تحمُّل مشقات الحياة، إلا أن المصطلح لم يتم طرحه كجزءٍ من كلٍ يمكن الأخذ به و الرد عليه بقدر ما تمّ التعامل معه شيئا فشيئاً علي أنه نظرية غير قابلة للدحض أو التفنيد، بل و ظهر لدينا أتباع الدين الجديد "ديانة البهجة" و متبعي طقوس "الطاقة الإيجابية". و خلونا نتكلم أن الموضع ابتدى بمجرد تبادل صور يمكن تصنيفها تحت تيكت انها صور "مبهجة" وتكون عادة إما لقطات لأشخاص مبتسمون دون أن يخبرنا أحدهم هل هم مبتسمون بالفعل لأن هناك ما يستحق الابتسام، أم أن لديهم قصة تروى لم نعرفها فهي أعمق من مجرد ابتسامة عابرة أم أن الأمر أتفه من كل توقعاتنا و أن تلك الصور "المبهجة" لم تكن سوى بعض المتطوعين الذين طلب منهم أن يقفوا لأداء مهمتهم أمام الكاميرا وصودف أن مهام وظيفتهم هي الابتسام!

 جميع الاحتمالات ممكنة، و جميع الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة و هي إشاعة جو من التفاؤل و السعادة بألوان قوس قزح، فلا أحد يريد أن يفتح عينيه صباحاً علي مأساة أو خبر مفجع. ثم أخذت الديانة في التشكل لتبدأ مرحلة التبشير بالدعوة و ذلك من خلال هاشتجات توثيقية مثل "بهجة/فرحة/ سعادة/ بلالين/ النور اللي في اخر النفق/ بهججة/ براح/ زقططة" و غيرها مما جعل دائرة المريدين تتسع لتضم الدعوة عدداً لا بأس به من الناس العابرين. قد يبدو الأمر حتي هذه اللحظة لاشيء يدعو للاهتمام أو التوقف، فالأمر لم يخرج من نطاق المشاركة الإنسانية و التواصل و هذا أحد أهم أسباب التواجد علي شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة أن بحث الشخص عن السعادة و ما يروق له هو حق إنساني أصيل.

جاءت اللحظة الحاسمة بانتصار الديانة الجديدة فأصبح لدينا عالما متكامل الأركان  من "البهجة" دون تساؤل هل هي حقيقية أم مجرد لقطة عابرة من كاميرا مصور زهقان و هل تصلح بالفعل كفعل مقاومة حقيقي. من يعمل في مجال الطب يعلم أن هناك ما يسمى ب placebo و يمكن تفسيره بإعطاء بعض أنواع المرضى "دواء" هو في حقيقة الأمر عدد من الفيتامينات التي لا ضرر منها و قد لوحظ أن حالتهم المرضية تتحسن بالفعل. لم تعد ديانة "البهجة" و طقوس "الطاقة الإيجابية" مجرد "دواء" لبعض مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، بل تحولت الديانة الجديدة لأداة تمييزية ونبذ لمن رفضوا إعلان الشهادة أو الطواف حول كعبتها. أصبح لدينا الآن مصطلحاً يتم استخدامه بكل أريحية للنبذ، ألا و هو "الطاقة السلبية" و ذلك يبدو منطقياً للغاية فقد تمً تمرير المصطلح الأولي "الطاقة الإيجابية" دون أدنى مقاومة و لربما في حالة انهزام و سحق جماعية و ظمأ للتشبث بالأمل و النبش عنه في تفاصيل الحياة الصغيرة. فأصبح لدينا طاقة يمكن وصفها بالكراهية لكل ما/ من يمكن تصنيفه علي انه "طاقة سلبية" و أصبح لدينا تواطيء بالصمت علي نبذ كل من يجاهر بالمعصية و يعلنها أنه/ها لا يتبعون "ديانة البهجة"،و أصبح الوصم أن من يلجأ إلي المساحات المفتوحة علي شبكات التواصل الاجتماعي لبث همه و شكواه هم أشخاص يتسولون الاهتمام و يسعون لجذب الانتباه فبالتالي يجب توقيع أغلظ العقوبة عليهم و جلدهم بسياط الوصم أنهم "ناشري ذبذبات الطاقة السلبية" و أنهم اللي "خرموا الأوزون" و يجب أن يتم نبذهم و تجاهلهم. فكانت النتيجة أن البعض أصبح يتحسس موقع قدمه في ذلك الصندوق الأبيض المتقاطع مع الكثير جدا من فقاقيع البهجة، كما أصبح الفرد يتحسس كل كلمة لربما فرقعت بلالين الطاقة الايجابية المنثورة في الأرض بعد أن تمّ الانتهاء من نشر تراتيل السلام بين ربوعها ولم يعد لدينا سوي محاربة الشرذمة الضالة "بتوع الطاقة السلبية" الأوغاد. 

انطلقت كتائب مجاهدي البهجة في ربوع الكوكب الأزرق في ملاحقتهم والتسفيه من محاولة البعض الجديّة في الصراخ التي تتطلب الكثير جدا من الشجاعة النفسية في اعلان علي الملأ الافتراضي "نعم نحن بحاجة للمساعدة، نعم نريد أن نلقي بعض الاهتمام، نعم نحن محبطون لدرجة أننا نكتب عن معاناتنا في تلك المساحة الوحيدة المتبقية، نعم نحن نعاني و نبحث عن قشة للتعلُق". و قد يكون أن شبكات التواصل الاجتماعي قد شهدت من قبل استغاثات من مستخدمين أعلنوا عن إقدامهم عن الانتحار و لم تؤخذ بالجدية الكافية، أو تمّ التفاعل معها بصورة جدية و أسفرت عن مهزلة جديدة لن نتطرق إليها فيكفينا أنها تركت مكسباً إنسانيا لا يجب أن يستهان به ألا و هو أن بداخلنا لازال ذلك الخيط الرقيق القادر علي الاستماع لأنات البشر وتلبيته مهما كان كاذباً أومخادعاً وليكفينا أننا حين نستطيع سنمد لهم يد العون إن أمكننا ذلك فلربما ما يحتاجون إليه في تلك اللحظة مجرد ربتة علي الكتف وإحساس يعيد إليهم إيمانهم أن معجزة الحياة ما زالت موجودة و أن كل شيء ممكن ولربما  "عايزين يحسوا إنهم متشافين يا أخي" و مع كل تلك الاحتمالات فذلك قد يكون يداً تأخذ بهم بعيدا عن قرار الانسحاب أو التقوقع حول الذات أو القرار بمغادرة الحياة بأسرها.

    لم تتوقف ديانة "البهجة" و طقوس "الطاقة الإيجابية" عند مجرد مستخدمين عشوائيين علي شبكات التواصل الاجتماعي قد يُغفر لهم سوء الفهم و التقدير و الكثير جدا ً من الأنانية التي تفرضها قواعد استخدام التكنولوجيا، بقدر ما أصبحت منهجاً تتلقفه الدولة لترويج ما تروج له ليمر بين مؤيديها في سلام و في تواطيء مخجل. حين دشنت الدولة بإعلامها هاشتاج "مصر بتفرح" لم يتوقف أحد للسؤال البسيط الساذج "أيوة يعني ايه؟" انغمس الجميع في الطواف حول كعبة البهجة الجديدة، تكالبت الجماهير في إظهار طقوس "الطاقة الإيجابية" حتى أني رأيت بأم عيني في أحد شوارع البحر الأعظم عربة نقل كبيرة بها عدد من السيدات و الرجال يرقصون بشكل هستيري في منتصف الليل ظننته للوهلة الأولى أنه احتفالاً ب"عفش عروسة" لكن فاجأتني الإجابة "لا يا أبلة، دي مصر بتفرح". أذكر حينها أني لم أكن فرحة،وأذكر حينها أن محاولات البعض للتخفيف من هستيريا "افتعال الفرح" قد تمّ وصمها بأنها عبارات لتكسير الهمم و المجاديف لاتصدر سوى من عملاء أعداء الوطن ويجب معاقبة مروجي الطاقة السلبية بالنفي من جنة الوطن المنتظرة. لم يتساءل و لن يتساءل المؤمنين بديانة البهجة وقتئذ "هو احنا كنا فرحانين بإيه؟" طب و يا تري إحنا لسه فرحانين؟ طب فيه أمارة للفرح طيب" و غيرها من تلك الأسئلة البسيطة المشروعة جدا. تم الاكتفاء و الاحتفاء بانتصار مزيف لل"فرح" و بتدشين الهاشتاج الذي تم الردم عليه كما تمّ الردم علي مناسبة صنعه من الأساس.

فلنعترف أننا في هذه اللحظة نعاني الهزيمة أمام دولة حالفة يمين طلاق تلاتة "إننا نفرح" مع إن يعني مافيش دليل واحد بيشاور علي الفرح و لو من بعيد يعني، وبعدين يعني هو احنا نكره. لكن من ناحية أخرى مافيش مبرر أن نستمرىء هزيمتنا في المساحة الانسانية الوحيدة المتاحة للتنفيس و هي شبكات التواصل الاجتماعي،و إن يكن هناك من فعل يستحق أن نفعله في تلك المساحة المليئة بالوصم و النبذ و المشاجرة والتمييز فهي فعل "أنسنة التكنولوجيا". قد يبدو ذلك مُغرقاً في المثالية، لكن لماذا لا نبدو إنسانيين في عالم افتراضي يثبت يوماً بعد آخر أنه ليس مجرد عالم ينطفيء بمجرد ضغطة إصبع، لماذا لا نخطو خطوات نحو تقديم الدعم لمن يعلنون أنهم في حاجة إليه و يتلمسون آخر بصيص لهم بعد أن ضاقت عليهم الجدران الأربعة في الحياة الحقيقية فهربوا إلي عالم الشاشات، لماذا لا نطرح أنفسنا مجرد بشرعاديين لنا لحظات "فرح" حقيقية و لنا لحظات هشة تستوجب قدراً  من الشجاعة لإعلانها فهل يكون جزاء ذلك الاستهزاء بتلك اللحظة و وصم أصحابها!

و لايُفهم من ذلك أن نتقمص جميعاً دور "دكتور خشبة" و ننطلق لممارسة العمل النفسي فلنتركه للمتخصصين هم أقدر منّا بذلك، لكن أقل دعم ألا نجعل تلك المساحة الضيقة بالفعل تضيق أكثر فنتلفت يوماً و نكن قد فقدنا بالفعل شخصاً عزيزا لدينا لم نكن متنبهين لمعاناتهم و حين تنبهنا تأخرنا جدا في الوصول. دعوا من تصنفونهم بائسين و أصحاب الطاقة السلبية و الشرذمة الغير مؤمنة بديانة البهجة و المتمردة علي طقوس "الطاقة الإيجابية" يعبروا عن أنفسهم و آلامهم و معاناتهم لربما عابر قادر أن يمنحهم معجزة ما،  افسحوا لهم مكاناً فسفينة النجاة لن تقلع ب"الفرحين" فقط.

حاذوا الصفوف و خلي الكتف في الكتف و ضموا علي بعض وقت الضيق و "أتأنسنوا" يرحمكم الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق