السبت، 8 ديسمبر 2018

الرحمة


قبل أن تخبر تعريفًا للرحمة،

سيتوجب عليك أن تختبر مرارة فقدان كل شيء.

في غمضة عين يتهاوى كل ما حلمت به لمستقبلك

يختفي كحفنة ملح تذوب سريعًا


وسط حساء يتم طهوه على نار هادئة

***

كل ما ظننت أنك قابض عليه بكلتا يديك،

كل ما اعتبرته قيّمًا وخبأته بعناية عن أعين الناظرين،

كل ذلك سيزول

لترى كيف يمكن للأرض المترامية أن تغدو مجرد قفارًا وهى تجثو أمام الرحمة

***

 

في صبيحة كل يوم تركض وتركض للحاق بعربة تظنُ أنها لن تتوقف أبدًا.

يخدعك المسافرون بجوار النافذة

يرمقون العالم من خلف النافذة، بينما

يحملون شطائر الدجاج المغمسة بالمايونيز

 تقع في الفخ أنهم سيقبعون هناك للأبد.

****

لكي تشير بسبابتك أين تقف على خريطة الرحمة

ستتيه لتجد رجل يرتدي زيًا هنديًا قديمًا متكومًا على قارعة الطريق

تقترب

ستدرك كم كان من الممكن أن يكن أنت،

ستعي كم أنتما متشابهان

هو- أيضًا- ارتحل ذات مساء واضعًا في جيبه خطط عدة

وأتكأ على ثروته المخبأة في كل شهيقٍ وزفير.

ستعيدك جغرافيا كل شيء إلى مركز روحك، هناك تتجذر الرحمة

****

لكى تصل إلى الرحمة وتسجد مستسلمًا

ستعبر فوق كل ما خبأته بعناية من أحزانٍ سابقة

سيتساقط كل شيء

كشجرة تخلع عنها أوراقها

تستيقظ صباح يومٍ ما، والحزن ينظر إليك في العينين ينتظرك لتحدثه

ستبني بيديك العاريتين جسراً

ستعبره لتتعرى شيئًا فشيئًا كاشفًا موضع هشاشتك

كخيطٍ نافرٍ، سينسل الحزن يكرّ أحزانك القديمة

ستنظر كما كان مهترئًا هذا القماش منذ أزمنة.

حينئذٍ سترى بماء قلبك، ماذا تعنيه الرحمة

ستتعطل اللغة

غير أنك تجد نفسك من جديد قادراً أن تربط حذاءك

ستضع خطوة أمام الأخرى لترسل كومة الخطابات تلك،

ستبتاع في طريق العودة، خبزًا طازجًا

ستسمع صوتًا يهمس لك وسط  صخب المدينة

"أنا من كنت تبحث عنه في كل شيء"

سيغمرك الصوت بالكلية

سيمشي كلاكما في معية الآخر

كظل

أو كصديق

ستعي حينئذٍ ما الرحمة.

ناعومي شهاب ناى

Kindness

Before you know what kindness really is
you must lose things,
feel the future dissolve in a moment
like salt in a weakened broth

 .
What you held in your hand,
what you counted and carefully saved,
all this must go so you know
how desolate the landscape can be
between the regions of kindness.
How you ride and ride
thinking the bus will never stop,
the passengers eating maize and chicken
will stare out the window forever.

Before you learn the tender gravity of kindness,
you must travel where the Indian in a white poncho 
lies dead by the side of the road.
You must see how this could be you,
how he too was someone
who journeyed through the night with plans 
and the simple breath that kept him alive.

Before you know kindness as the deepest thing inside, 
you must know sorrow as the other deepest thing.  
You must wake up with sorrow.
You must speak to it till your voice
catches the thread of all sorrows
and you see the size of the cloth. 

Then it is only kindness that makes sense anymore,
only kindness that ties your shoes
and sends you out into the day to mail letters and 
     purchase bread,
from the crowd of the world to say
it is I you have been looking for,
and then goes with you every where
like a shadow or a friend.



السبت، 1 ديسمبر 2018

إلى أولئك المتعبين!


لقد قطعنا مسافات طويلة لكل أرض لا تشبه جذورنا

الروح حاضرة الآن

تهمس لك بخفية لكى تعود

فلتلتمس من حواسك ملاذا

وتدعها تشدك من يدك لتريك كافة المعجزات الصغيرة

التي ضيعتها في لهاثك في حياة سابقة

دع روحك تتعلق بحبات المطر وهي تسقط في بطء وتتحرر

قلد البرق في نورانيته

والتسبح روحك في بحر لون أبدي ينير بيائه عتمة اليوم

فلتجلس بجانب الحجر ولتستمع إلى صمته

حتى تتسلل إليك منه هدوءه وسكينته

كن رحيما بنفسك

كن مفرطا في ذلك.

إلى أولئك المتعبين- جون أودنهو.


You have traveled too fast over false ground;
Now your soul has come, to take you back.

Take refuge in your senses, open up
To all the small miracles you rushed through.

Become inclined to watch the way of rain
When it falls slow and free.

Imitate the habit of twilight,
Taking time to open the well of color
That fostered the brightness of day.

Draw alongside the silence of stone
Until its calmness can claim you.

Be excessively gentle with yourself.


John O'Donohue-  'For One Who is Exhausted'


صباحاتٌ مُوحشة- قصيدة

 قصيدة منشورة بموقع الكتابة الثقافي

تاريخ 1 ديسمبر 2018

تمت مشاركتها ضمن فعالية مئة ألف شاعر للتغيير، بمكتبة الكتب خان بالقاهرة- جمهورية مصر العربية.


صورة للشاعرة أثناء إلقاء القصيدة في مكتبة الكتب خان بالقاهرة، ضمن فاعلية مئة ألف شاعر للتغيير

صباحات موحشة

إنها أحد تلك الصباحات التي أتوحش فيها محبتك بالكلية

أتعارك مع أمي لأنها حجبت عني الرؤية

أتعارك مع أخي لأنه لا يشبهك بالقدر الكافي

أتعارك مع الحلم لأنك بت بعيد الحضور

أتعارك مع الله- لأني أظن كثيراً- أنه تركني بمفردي

أعلم تلك الصباحات جيداً

التأكد من القدرة على التنفس بشكل منتظم

الربتة على الكتف أن كل هذا سوف يمر

إعادة مضغ العبارات الواحدة تلو الأخرى، دون السماح لأحداها أن تخترق الجدار

لا زلتُ أمارس لعبتي القديمة في الاختباء أسفل مكتبك الصاج القديم

أصنع عالمًا متكاملًا أعيش فيه بمفردي

أعقدُ صداقات متتالية مع أحذية العابرين

أروي حكايا لا تنتهي عن نبتة  باللون الأزرق

تنمو ببطء في منتصف قفصي الصدري

تشدني من يدي شداً لتعيدني إلى الحياة

فلأخبرك إذن ما لا تود سماعه

الحياة لا تعبأ بك

لم تتوقف لحظة واحدة بفعل الغياب

السيارات لازالت تمر في شوارع المدينة تتقيأ الوسخ

طوفانٌ لا يكف عن الثرثرة لكي تتشوش الرؤية أكثر

لا يستدعي أحد ذكراك

شجر المانجو الذي زرعته في سبع سنوات

لم يبكيك

أصابعٌك التي خلّفتها على صفحاتٍ بيضاء بتوقيع اسمك كختم أبدي للمحبة،

تمّ استئصالها بفأس ذات نصل لامع

ثيابك التي بالغت في ابتياعها تمّ تعبئتها بعناية في حقيبة سوداء سيأكلها العفن لا محالة

أطفالك التي أورثتهم الوحشة، يتمترسون خلف جدار سميك من الوحدة

يكممون أفواههم لكيلا يشي نشيج قلبهم بهم في العتمة

الحياة لم تتوقف بالغياب

تسير وفق نوتة موسيقية لمغنٍ استيقظ فاقداً الصوت

تلك الصباحات التي أتوحشك فيها

هي ما يتبقي بيني وبينك

أتعارك لكيلا تنسل خيوط ذكراك من الذاكرة

غير أن ذاكرتي معك خاوية

وتاريخنا الشخصي

يحمل صورة وحيدة

احتفظ بها

لكيلا تصل إليها أصابع غضب قديم.

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

رؤيا


أنا أتفهم، لا بأس في ذلك. 

الحلم العاجز بالوجود بالكلية، 

ليس أن تبدين بل أن تكوني. 

في كل لحظة واعية، 

هناك ضوء أحمر بانتظارك. 

الهوة الساحقة بين ما أنتِ عليه مع الآخرين وبين ما أنتِ عليه حينما تنفردين بذاتك. 

أنا أعلم ذلك الدوار، النهم الشديد المستمر لأن تصبح أحشائك خارجك، 

أن تتعري بالكلية، 

أن تتجلى الحقيقة من خلالك، 

أو تلك الرغبة العارمة في أن يتم محوك بالكلية ودمارك. 

كل إيماءة، 

كل انثناءة، 

كل ضحكة،

 كل تكشيرة هي كذبات جديدة.

هل ستنهين كل ذلك الألم بالانتحار؟ 

لا أعتقد، إنه مبتذل لكِ.

عوضاً عن ذلك، سترفضين الحركة، 

سترفضين الكلام، 

سترفضي أن يلوك فمك كذبات جديدة. 

ستنغلقين على ذاتك بمتاريسك المعتادة. 

حينئذ لن تضطري للعب أي أدوار، 

أو القيام بأية حركة خاطئة.

هكذا تظنين.

الواقع أفعى شيطانية.

ستتسرب الحياة شيئاً فشيئا حيث تختبئين. 

إن مخبأك ليس منيعاً كما ظننتي. 

ستجبرك الحياة أن تتفاعلي.

لا أحد يطلب منكِ الصواب أو الخطأ، 

لا أحد يهتم إنك كنتِ حقيقية أو تدعين. 

إن هذه الأشياء تصنع فارقاً فقط على خشبة المسرح، 

ولأخبرك شيئاً لربما هناك أيضاً لا وجود لذلك.

أنا أتفهم لماذا ترفضين الكلام،  

ولماذا ترفضين الحركة، 

ولماذا تلعبين دور اللامبالاة المصنوع بعناية من أعماق ذاتك.

أنا أتفهم، 

في حقيقة الأمر أنا معجبة بقدرتك على فعل ذلك 

فالأمر يتطلب قوة ذهنية قوية.

أنا أتفهم أن هذا الدور يجب أن تلعبيه للنهاية، 

لذلك الحد الذي تملين منه، 

عندئذ ستتركينه، 

ستضعينه جانباً مثل كافة الأدوار 

التي تركتيها من قبل واحداً تلو الآخر.




الخميس، 15 نوفمبر 2018

مسدس

قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 238- نوفمبر 2018

 مجلة "أوكسجين" مجلة نصف شهرية ثقافية إعداد وتحرير الروائي والشاعر زياد عبد الله.

*****

مسدس



في طريق العودة إلى المنزل يبدو كل شيء بلون براز شخص مريض

حين توقفنا الاشارة الحمراء للعبور نحو الجحيم بعينه

تراودني فكرة أن أوقظك من مخدعك وأنهال تصويباً على كل البشر:

الشخص المتأفف بجوار زوجة لا تخبئ كراهيتها في العربة المجاورة

عامل "الدليفري" المنخرط في سماع أغانٍ ليهز أوتار الخواء بأي فعل أو إعلان للوجود

أطفال يحشرونن روؤسهم حشراَ في نوافذ العربات ليمارسوا فعل الشحاذة

امرأة تقود عربة فارهة بمفردها يتدلي من شفتيها سلك أبيض تختلس عبره ضحكة بين الفينة الأخرى.

سأفرغ معدتك فيهم جميعاً

و سيشكرونني لاحقاً علي جميل صنيعي.

أخرجك بالفعل من حقيبتي،

أنهزم أمام اكتشافي المتأخر للجبن

أصوبه نحو نفسي

يخترقني صوت السائق هل يتوجب عليه أن يسير يمنة أو يسرة؟

أصل المنزل في تمام الساعة التاسعة،

وصول مبكر يليق باستقبال الثقل فأنا لا آوي إلى الفراش قبل الثانية عشرة

إذن هي ثلاث ساعات سنقضيها سوياَ

أضعه أمامي

أدور حوله في دوائر يقصر و يطول قطرها.

أشعر بتنميل خفيف يزحف في قدمي.

أستريح

أعدل جلسته ليتمكن من رؤيتي و أتمكن من النظر في فوهته.

تمنعني هشاشتي وخيبتي من استخدامك.

وتمنعك صلابتك في ممارسة مزيد من القسوة عليّ

يمتد الصمت بيننا طويلاً

تختمر في رأسي فكرة مدهشة

بدلا من أن يصوب أحدنا سهام الترقب نحو الآخر

فلنعقد صداقة مؤقتة

لكن كيف سنبدد الوقت بعبء الصداقة المؤقتة

سأخبرك بما أجيده

سأقص عليك حكاية

وسأسألك أن ترسمها علي هذا الجدار الأبيض

فاستمع جيدا.

لنرسم بالطبشور عل الحائط جسد رجل ..لنقل إنه في السبعين،

ارسمه طويلاً ذا شعر كثيف وعينين عسليتين

بل ارسمه طفلاً في الثامنة

كُسرت للتو لعبته المفضلة فشعر بالوحدة

بل ارسمه كبالون باللون الأصفر أفلته نفس الصبي فلم يلمس أرضاً قط.

لا تضحك عليّ كثيرا

أنا أحاول مساعدتك

فلنعد للبدء

ارسمه رجلاً طويلاً

في السبعين

شعر كثيف

عينان عسليتان

ارسمه وحيداً

يتحسس جراب مسدسه بين الفينة  والأخرى

املأ تجويفه خوفا

لربما تركته أمه يوما ما

ربما تركه الجميع

ربما أنت يا صديقي المسدس، الوحيد الذي لم يتركه

كنت صديقاً وفيا إذن

فلتصنع مكان لك على الرسم أيضاَ

هكذا

تبدو الصورة أكثر وضوحا

رجل وحيد

عيناه عسليتان

يملؤه الخوف

يتحسس مسدسه

اقتربنا كثيراً

لكن لازال هناك ما هو ناقص

شيء حقيقي ناقص!!

لربما شيء حميمي!!

لربما تركناه في خزانة المشفى الخشبية

موقنة أن هناك شيء ناقص في الرسم.

ستأتي أمي بعد قليل

وسيتوجب علينا إزالة كامل آثار الرسم على الحائط

لكن كيف يمكننا إزالة الذي لم يكتمل

فلترسم طفلة في الثامنة

تقف علي باب غرفة أوصدوا بابها جيداً

 تنظر من ثقب الباب

إلى رجل

وحيد

وخائف

ويتحسس مسدسه طول الوقت.

اكتمل الرسم

فلنزيله سريعا

ونغسل أيدينا جيداً

لنبدو أطفالا مهذبين

تفوح منهم رائحة الديتول

ويربعون أذرعهم حول صدورهم  ضرورة الأدب

أمي قادمة

وسيكون لزاما أن أخبرها أنني ما زلت أتقلد المنصب الأول في المدرسة

ليس هذا فحسب

سأخبرها بأنه تمّ اختياري لأداء دور البطولة في المسرحية النهائية

و أني قمت بحفظ النص كاملا غيبا

ستأتي أمي بعد قليل

سأخبرها كل شيء

سيتوجب علينا أن نمحو الرسم من على الحائط

يجب أن يكون المنزل نظيفا

وضيقا

حين يرن جرس الباب

سأهرع إلي الشراعة لأتبين وجهها

سأستعير وجه أبي

وأحباله الصوتية

سأغلق الباب في وجهها جيداً

سأعود منتصرة إلي أبي لأخبره، كي استحق محبتي

أخبره بالفعل

هو لا يراني

لا زال يتحسس مسدسه

هناك بصمة أصابعه و أصابعي و فوهة مصوبة نحوها

فلننتهِ من الرسم سريعا

بل نزيل بأسرع

يتوجب أن يكون كل شيء نظيفا

وضيقا

كمنزلنا

أو كمشفي

اللون الأبيض ينبعث برائحته العطنة من كل صوب

ها نحن ذا انتهينا من الرسم

فلنحتفل

سأطلب مراقصتك

سأعيد توجيه فوهتك هكذا نحو الأرض

سألف ذراعي حول خزانة الرصاصات الممتلئة

أي نوع من الموسيقا تحب أن نرقص عليها؟

آه تذكرت ليس بإمكاننا تشغيل الموسيقا

فأبي يرتبك حين يحضر اللحن

أبي يرتبك حين تحضر الحياة....أو تتخلى عنه

فلنرسم إذن

رجلاً وحيداً

وخائفاً

يرتبك

فيتحسس مسدسه بين الفينة و الأخرى.

أتعلم

لطيف أن تكون من دون أذنين

أنا أيضاً مولودة بعيب خلقي أسماه الأطباء بعد فترة "بعثرة الحواس"

أذني تحتل مكان عيناي، بينما عيناي تتجولان في مكان آخر.

فلنصنع لحناً إذن و ليكن لحنا سرياً

لا اغضب به أبي

ولا أريد أن تنهمر أمي في نوبات بكاء مستمرة جراء اتساخ الجدران

ولأن سجادة الصالون الذي لم ينفتح لأحد لم تبسط بطريقة لائقة

أو لأن اللحن يشي بقصة حب لم نخبرها بها

لنرقص إذن في لحن سري

دقت الساعة

إنها الثانية عشرة

لقد عبرنا يا صديقي

الساعة الثانية عشرة!!

الثقل يعلن حضوره المستبد

المنزل نظيف جدا

وضيق

أنت لا تزال محتفظاً بالعدد ذاته من الرصاصات.

رسمة الطبشور علي الحائط الأبيض لن يراها سوانا

ورجل وحيد

وخائف

يرتبك

يتحسس مسدسه بين الفينة والأخرى.