الجمعة، 10 سبتمبر 2021

"غادة عبد العال" تُغير شروط اللعبة....كلاكيت رابع مرة!

 مقالة نقد مجتمعي معاصر تتناول محطات الكاتبة والسيناريست المعاصرة "غادة عبد العال" وقضية الاحتضان والتبني بمصر 2021

المقالة منشورة على موقع شريكة ولكن، وهو موقع معني بقضايا النساء في لبنان، العالم العربي، ومنطقة شمال أفريقيا.

******

"غادة عبد العال" تُغير شروط اللعبة .... كلاكيت رابع مرة!


 

 (1)

تابعتُ مثل كثيرات مسلسل "عايزة أتجوز" الذي انطلق في عام 2010. لم أكن أعرف كاتبته، غادة عبد العال من قبل، بالرغم من شهرتها في عالم المدونات بمدونة تحمل نفس الاسم، ولاحقًا في كتاب أيضًا. كان مسلسلًا ساخرًا عن طقوس الزواج في المجتمع المصري، كما تخبر غادة عن نفسها في مدونتها:

"أنا أمثل 15 مليون بنت من سن 25 إلى سن 35 و اللي بيضغط عليهم المجتمع كل يوم عشان يتجوزوا مع أنه مش بإيديهم".

راقت لي فكرة المسلسل كثيرًا، فهو يعتمد على أحد القواسم المشتركة بين المصريين في ذلك الوقت، قاسم بدا لي أنه يحمل قدرًا من الواقعية والصدق يتجاوز كل ما يتمّ تصديره لنا عبر الأغاني مثل "المصريين هم بالأكيد الذين شربوا من النيل وبعدين غنلوه، أو لونهم قمحي لون خيرك يا مصر".لربما كان القاسم الوحيد بعد "هم#الثانوية_العامة، هو معضلة زواج الصالونات، أو كما يخبر الجيل الأحدث كيف يمكننا اختيار شركاء الحياة ضمن تقاليد وقيم الأسرة!! حين كتبت غادة عبد العال "عايزة أتجوز" كتبت وهى تجلس بداخل الصالون المُدهب، كانت تحدثنا جميعًا وتتحدث معنا أيضًا، تُحوّل الخيبات إلى ضحكاتٍ فيصبح ما تٌخلفه تلك الذكريات بكل ما تحمله من غشومية، جلفنة، وتنطع إلى مساحة آمنة للتندر والفُكاهة. كانت حدوتة "الصالون المُدهب" تجذبنا جميعًا لأننا كفتيات باختلاف طبقاتنا/ أعمارنا/ اختياراتنا تعرضنا لها، وكانت جُزءًا من تاريخنا المشترك، تاريخ الطبقة المتوسطة التي يحلم الشباب بعد التخرج بأن يسير في مسار محدد وواضح، وكذلك الفتاة، الأحلام العادية – كما يُمليها كتالوج النجاح والتحقق والقبول بداخل نفس الطبقة- بتكوين بيت وأسرة وما يلي ذلك من أحلام لاحقة مثل إنجاب الأطفال وبقاء العائلة ممتدة.

المسلسل يخبرنا أن بطلته "عُلاعبد الصبور" في الحلقة الأخيرة- والتي يجب أن تأتي سعيدة كالعادة المملة- تجد أخيرًا فتى الأحلام، الرجل "المختلف" كجائزة، تظفر بها البطلة بعد تخطيها لكافة الحواجز والعراقيل التي وُضعت في طريقها على صينية الجاتوه في الصالون المدهب. بشكل شخصي كرهت النهاية، لكني تفهمتُ أنها جزء من صناعة الدراما ككل، وأنه لربما تلك أحد كواليس العمل والجمهور يمكن "عايز كده".

أحبطتني النهاية، غير أن شخصية "علاعبد الصبور" تجسدت في لحمٍ ودم، بعد أن بدأت في متابعة الكاتبة نفسها عبر حسابها الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي. في كل مُشاركة سريعة عبر الفيس بوك، كان واضحًا أن الكاتبة تود أن تستكشف حدودها بداخل الإطار المحافظ للمجتمع، وتصبح جزءًا منه،  تضع نفسها وأحلامها بداخل شروط اللعبة التي يقترحها المجتمع، ألا وهى لامواعدة، لا علاقة خارج إطار الزواج، لااختيارات خارج اختيار الصالون المدهب، فقط البقاء والانتظار والدعاء أن "ياتي ابن الحلال اللي يعرف قيمتك ويعوضك عن كل اللي فات!". في كل محاولة منها لطرح موضوع للنقاش، كان جليًا أنها تحاول أن تفهم وتستكشف، أن تصل إلى هدنة مع مجتمع لا يخبر الفتيات على وجه الدقة ما المطلوب منهنّ بينما ينتظرن أن يطل عليهنّ الفارس بحصانه الأبيض- مع الاعتذار للسيدة ماجدة الرومي التي أخبرتنا أن النساء هنّ من سيطللن بالأبيض بالطبع في نهاية المطاف!

(2)

جاءت المحطة الثانية حين أرادت "غادة" أن تتبع نداء الكتابة مما يتطلب منها ترك مهنتها الآمنة كصيدلانية في مسقط رأسها مدينة المحلة والقدوم للعاصمة القاهرة لتصبح ترسًا جديدًا تحاول أن تحتفظ بصوتها وسط ضجيج العاصمة، بل وتجد لموهبتها موضع قدمٍ وسط المنافسة الشرسة داخل صناعة الدراما والسينما. صمدت الموهبة، ولم يكن المسلسل مجرد ضربة حظ لن تتكرر. ما حدث أنه تكرر بشكل جميل وباتت الموهبة أكثر وضوحًا بالرغم مما تشاركته مع متابعيها حول عدم تلقيها الدعم أو المساندة الكافيين، بل وتعرضها في كثيرٍ من الأوقات للتمييز كونها "الفلاحة" التي أتت من الأقاليم لأضواء العاصمة حتى أدركت أن لاأضواء بالعاصمة والتشويش يهرس الجميع!

تتشارك "غادة" مساراتها مع متابعينها، تجعل الشخصي يحتل مساحة من العمومية فينخرط متابعيها معها وكأنهم يعرفونها فهى تبدو "واحدة منهم". تتنوع شريحة المتابعين بين المؤيد والحانق من آرائها ووصمها مرارًا بال"تهور" حتى أن واحدًا من المتابعين أخبرها بيقين العارف بالغيب "أنها ستموت وحيدة"، وغيرها من التعليقات التي تفجر نطاعة معهودة من متابعي الفيس بوك الذي يتطوعون بإبداء النصح دون أن يُطلب منهم أو تتلبسهم روح الإله فينظرون للجميع من بروجهم العاجيّة! تستمر"غادة"  تكتب، تشارك، وتعلن ما تفكر به. تود أن تفهم، وتفكر دومًا بصوتٍ مرتفع، يبدو أنه يزعج البعض.

(3)

أما التحول الثالث، حين تخلت الكاتبة عن الحجاب وظهرت على صفحتها أيضًا. يتقاطع هذا المسار مع مسار العديد من الفتيات- كاتبة هذا المقال واحدة منهنّ- في تلك الفترة. كانت محطة التخلي عن الحجاب قاسية- للجميع.لم يكن القيام بمثل هذا القرار بأمر يسير، نتبادل في جلساتنا تاريخنا الشخصي حول ذلك. في بعض الأوقات نتحول إلى إخفاء الصورة القديمة ليس خجلًا، بل محاولة تقليل الجهد في شرح أنفسنا والدفاع عن اختياراتنا التي لاتحتاج لكل هذا القدر من الإهدار في الوقت والجهد. البعض منّا تركز على الصورة الجديدة كمن تبدأ حياة مختلفة بالكلية وتموت نسختها الأقدم. الكثيرات من الفتيات في تقاطعهنّ مع مسألة الحجاب رفضه/التمسك به/ التخلي عنه/ الزود عمّا يمثله، نتردد كثيرًا في أن تتحول اختياراتنا الشخصية إلى طرحٍ على المشاع في المساحة العامة يناقشها الغرباء بكافة أطيافهم.

أعلنت "غادة" ذلك على صفحتها ومارسته فعلًا وتفصيلًا. تلقت الهجمات المرة تلو الأخرى حول ذلك. حين استقر بها المُقام بعض الشىء، كانت تلتقط بين الحين والآخر ممارسات من واقع نسيج المجتمع وكيف تتحول الممارسات الدينية إلى ممارسات قمعية بالأساس للنساء. لم تكن داعية دينية تبشر بدينٍ جديد بل كانت فقط فتاة "تؤمن"، ولنقل أنها تود أن تؤمن إيمانًا يأتي من القلب وليس من ترديد الببغاوات، هى تلك الفتاة المطيعة التي بالفعل تود أن تتحرك وفق القواعد والأصول شريطة أن يشير إليها أحدهم أين المخبأ السري لكل تلك القواعد والأصول التي تمّ الاتفاق عليها ولم يخبرنا أحد!! في كل طرحٍ تُقدمه وتشاركه "غادة"، تقع حائرة في كل ما يحمله ذلك من تناقضات مع واقعها الجديد. لم تقفز غادة نحو مجتمع متشدقي الحريات، فنحن نعلم- بفعل السنين والتجارب المًركزة التي تلت ثورة يناير وكشفت سوءات الحناجر- أن تلك أوهام أخرى لاتلبثُ أن تنفثأ مثل فقاعة صابون في مجتمعاتنا المكمكمة. "غادة عبد العال" لازلت تحمل الطبيعة المحافظة، يمكنك بسهولة التعرف على ذلك، اختياراتها واضحة، مسارها غير ملتبس، وبالرغم من ذلك فهى منبوذة من المجتمع المحافظ ذاته، مما يدعو للعجب!

مثل هذا المجتمع يقف عاجزًا أن يستوعب تحولاتها أو يُفسح مكانًا لمن تقم بمثل تلك الخيارات التي تلطمه لطمًا في وجهه وفي كل مساراته المحددة وفق الكتالوج الذي بذل النفيس والغالي ليتمترس أفراده وفق شروطه المحددة بكل دقة. كيف لفتاة أن تسخر من تقاليد الزواج علانيةً وتفتح "الصالون المدهب" كاشفةً عُهر كل ما يتم بداخله حتى وإن كان في قالب كوميدي لكننا نعرف أنه من المُضحكات المُبكيات؟ كيف لفتاة ترك مدينتها الصغيرة حيث الحماية – كإرث عائلي- من الأهل والأقارب، وتأتي لتعيش بمفردها لتبتلعها نداهة القاهرة؟ كيف لفتاة القفز بموهبتها فقط في سباقٍ محموم بداخل عالم الدراما والسينما دون أن تتكأ على عائلة فنية أو شبكة علاقات قوية داخل المجتمع المخملي؟ كيف تجرؤ أن تتخلى عن حجابها لتصبح شبيهة بفتيات "البندر"، يبقى هتمشي على "حل شعرها". لم أجد يومًا معنى لمثل هذه الجملة أن تمشي أحدنا على "حَلّ شعرها" ولطالما رددتُ بيني وبين نفسي "هو فيه أجمل من مشهد واحد ست أو بنت ماشية وفاردة شعرها ونسمة الهوا بتطير خصلاته". ولكني انتبهت سريعًا أن كل ما يحيط بالفتيات والنساء من قُبحٍ لا يسمح بمثل تلك المشاهد الرومانسية حتى لو كانت الفتيات بطلاتها الوحيدات في متعة بسيطة يتم إزاحتها شيئًا فشيئًا لتسكن الخيال فحسب. إذن ف"غادة" صارت ضمن الفتيات اللواتي يمشين على "حل شعرهنّ"!

مبروك، فلنفعل ذلك، دونما التفاتة ندم.

(4)

يأتي التحول الأعمق والأصدق، حين أعلنت الكاتبة والسيناريست الشهيرة غادة عبد العال لمتابعيها في الرابع عشر من شهر يوليو للعام الحالي تبينها طفلها "آدم"، يبدو الاسم برمزيته واضحًا ببداية جديدة وحياة جديدة، بل وقفزة جديدة تعلنها وتسلط الضوء بتجربتها الشخصية مرة أخرى نحو أحد أهم المنعطفات المجتمعية  بمصر، ألا وهو الاحتضان بمصر، ومبادرة اكفل طفل في بيتك. تنهال عليها التهنئة من كل حدبٍ وصوب، تهنئة لايشوبها شائبة فهى "واحدة" من مجموع نساء يٌعلنّ بكل رغبة وصدق عمّا يفكرن فيه ويفعلنه دونما التفات.

يُعلق أحد المتابعين أن "عُلاعبد الصبور" يبدو أنها وجدت نهايتها السعيدة! لازلتُ ارتبك أمام مفردتىّ النهاية السعيدة، فنحن "نساء" أىّ نهاياتٍ سعيدة تنتظرنا في مجتمعاتنا التي لا تسمح لنا بالمشاركة في وضع أى من شروط التعايش وفق اختياراتنا. بكيت بينما اقرأ الخبر مرة تلو الأخرى، علمتُ أني أبكي لأني أعلم جيدًا أن الطريق لصنع اختياراتنا لايُكلل بالتصفيق، أو الهُتاف أو التشجيع بل العرقلة وحدها هى ما ينتظرنا وبكل صورة ممكنة، ومن الجهات الأربع. النساء لاا ختيارات أمامهن لا اختيارات على الإطلاق وإنهنّ- مثل غادة- إذا أردن أن يصنعن الحياة التي تُعبّر عن رغباتهنّ خارج كتالوج المجتمع، فسيدفعن الثمن لذلك طريقًا طويلًا يقطعنه بمفردهنّ في قاطرة لا تنتهي من المفاوضات.تتقاطع حيواتنا مع أخريات وآخرين، لكن يبقى الشاهد الوحيد على الطريق هو ذاكرتنا والخوف الذي ينهش دواخلنا قبل الإقدام على خطوة جديدة خوفا من أن تتحول قفزًا في الفراغ!

كل شىء حول النساء لا يصفق لهن، لا ينتظر منهن سوى التحرك بداخل الإطار المرسوم، حتى مع إدعاءات الحرية المهلهلة التي يجب أن تأتي بضوابط وحدود وشراشيب لاتخدش عين المجتمع الذي يتلصص أفراده كلٌ على الآخر استعدادًا للرجم متى ما سنحت الفرصة. أبكي فرحًا، أرسل قلبًا عبر الوسط الإلكتروني مصحوبًا بدعاءً أن يصبح "آدم" ابنا للجميع وأن "تخاويه"#أم_آدم. أكف عن البكاء، أردد بصوتٍ مرتفع: الأمومة اختيار، الزواج اختيار، العمل اختيار، نسيج الحياة اليومي وما يحمله من تفاصيل عادية أيضًا خيار شخصي. أمسح وجهي، فلنمحو كلمة "نهاية" ونضع عوضًا عنها "بداية" إنسانية تصنعها امرأة أخرى من قبيلة النساء اللواتي ارتضين أن يركضن مع الذئاب.

الأحد، 5 سبتمبر 2021

صندوق باندورا- دراما إذاعية

 صندوق باندورا


"صندوق باندورا"- 2021

مغامرة صوتية يتتبع من خلالها المستمع الذاكرة الجمعية لتراث الإذاعة المصرية القديم، يشتبك أبطالها مع الشعور بعدم الإنتماء للماضي، ثم وقوعهم في فخ الحنين ل"ماضٍ" يُعبر عنهم. من خلال قصة تحدث في وقت الحجر للكورونا، نجد بطلة المسرحية تبدأ في البحث عن ذاكرة تجمعها مع والدها الراحل عبر شرائط كاسيت قديمة للعائلة. فأين يقودها ذلك؟ هل ينفتح أمامها صندوق "باندورا" كصندوقٍ للشرور كما تصوره الأسطورة القديمة، أم يصبح شىء آخر؟ ماالذي تكتشفه؟ هل تجد ما تبحث عنه؟

هل يمكن أن نحتفظ بصوت من نحب!

ما الذي يخبرنا به الصوت، الذاكرة، الصندوق القديم!

المسرحية لا تقدم إجابات مباشرة، بل تًضفر التجريب الصوتي مع البناء الدرامي وتوظيف الشعر كبطل رئيسي في العمل.

********

 فريق عمل مسرحية "صندوق باندورا"

فكرة وكتابة: ريهام عزيز الدين

أداء: شريف اليمني- ريهام عزيز الدين

قصيدة: ريهام عزيز الدين

مهندس صوت: إيهاب نجاتي

الميكساج: ريهام عزيز الدين- إيهاب نجاتي

استديو: ديجيتال ساوند- القاهرة- مصر

إنتاج: مشروع "تبدو كالهمس" في مرحلته الثانية، تعاون مشترك بين المكتب السويسري للشئون الثقافية بالقاهرة ومهرجان "لازم مسرح" للمسرح المستقل.

إنتاج عام 2021.

رابط الاستماع:

صندوق باندورا

*****

"تبدو كالهمس"- مشروع تدريب وإنتاج مسرح صوتي

ظهر "تبدو كالهمس"- مشروع تدريب وإنتاج مسرح صوتي في مرحلته الأولى  كورشة تدريبية أقيمت لمدة أسبوع في مهرجان لازم مسرح ٢٠١٩ قام بالتدريب إريك ألتورفير للمشاركين من مصر وسوريا فن إنتاج المسرحيات الصوتية من خلال عناصرها المختلفة، الكتابة والإخراج والتمثيل بالإضافة إلى العمل مع الموزع الموسيقي ومهندس الصوت. أثمر ذلك عن إنتاج ثمانٍ مسرحيات صوتية تم نشرها بنجاح على الإنترنت، 

ثم تمت دعوة صانعيها إلى المشاركة في مهرجان موجات ٢٠٢٠. في نفس العام بدأت النسخة الثانية من تبدو كالهمس وعلى مدار ثمانية أشهر قام المشاركون بكتابة وإنتاج سبع مسرحيات صوتية قصيرة من خلال شبكة من الفنانين امتدت بين القاهرة والإسكندرية وبرلين وزيوريخ.

الأربعاء، 18 أغسطس 2021

طقوس العبور- مشروع كتابة إبداعية ونقدية- منحة آفاق 2021

 فوز مشروع "طقوس العبور" بمنحة آفاق للكتابة الإبداعية والنقدية المقدمة من صندوق آفاق لعام 2021

مؤسسة آفاق مؤسسة مستقلة تموّل الأفراد والمؤسسات العاملين في المجال الفني والثقافي. غداة انطلاقتها، بدأت اهتمامات آفاق تتوسّع تدريجياً حتّى باتت تشمل السينما، التصوير الفوتوغرافي الوثائقي، الفنون البصرية، الفنون الأدائية، الكتابة النقديّة والإبداعيّة، الموسيقى، إضافةً إلى البحوث والتدريب وتنظيم الفعاليات. تعمل آفاق، انطلاقاً من مقرّها في بيروت، مع فنّانين ومؤسّسات على امتداد المنطقة العربية والعالم.

برنامج الكتابات الإبداعية والنقدية

أطلقت آفاق برنامج الكتابات الإبداعية والنقدية في العام 2018 لدعم الكتابات النقدية حول الثقافة والفنون كما الكتابة الإبداعية (متمثّلة في أدب الأطفال والناشئة، الشعر والقصة القصيرة، الرواية المصوّرة والنصوص المسرحية، والمنصّات الإلكترونية التي تعنى بهذا النوع من الكتابات) الصادرة باللغة العربية .

فاز مشروع "طقوس العبور" ضمن 22 مشروع كتابة إبداعية ونقدية حصلت على المنحة لهذا العام.

تلقّت آفاق خلال فترة التقديم 195 طلباً من 15 بلداً عربياً من بينها العراق والأردن والكويت والسودان واليمن، وقد أتت النسبة الكبرى من الطلبات من مصر (45%) وسوريا (12%). وكان لافتاً تقدّم ثمانين كاتباً /كاتبة وفناناً/فنانة (41%) بمقترحات مشاريعهم/ن الأولى لهذه الدورة.

ضمّت لجنة تحكيم الكتابات الإبداعية والنقدية للعام 2021 الشاعرة والمترجمة والكاتبة المصرية ايمان مرسال، الكاتبة والأكاديمية التونسية أميرة غنيم، والكاتب اللبناني هلال شومان.

مشروع طقوس العبور

مسرحية "طقوس العبور" عن جريس، فتاة مراهقة، قزمة، تعيش مع جدتها ماتيلدا المتشددة دينياً في مزرعة صغيرة، تخضع لطرق علاجات شعبيّة تتبعها الجدّة على أمل أن تصبح مثل باقي الفتيات. لدى جريس صديق وحيد، بركة، مصاب بمتلازمة داون ولا عائلة له. تكتشف بالمصادفة أن والدها "الميّت" على قيد الحياة ويعيش في مدينة القاهرة. تسعى جريس لكشف الحقيقة فتتوالى المفاجآت.

قالت لجنة التحكيم في اختيارها:

"تراوح المتقدّمون والمتقدّمات إلى منحة آفاق هذا العام بين أسماء معروفة مكرّسة في مجال اختصاصها وأسماء جديدة لم يصدر لها عمل من قبل. وقد استندت لجنة التحكيم في تقييم مشاريع هذه الدورة إلى معطيين أساسيّين أوّلهما وضوح أسئلة المشروع وفرادته، وتميّز طرحه ولغته، ومقدار ما يحمله من ابتكار في التناول ومن توسيع لدائرة التجريب في مجاله. وثانيهما أهميّة الرهان على المواهب الشابة وضرورة دعم المشاريع الواعدة التي قد لا تحصل على فرص عادلة بسبب تجريبيّتها أو اختياراتها الفكريّة أو المجال العام الذي يتحرك فيه أصحابها."

الاثنين، 7 يونيو 2021

عيادة "السعادة النفسيّة" ترحب بكنّ!

 مقالة منشورة على موقع جيم

تاريخ النشر 7 يونية 2021- 2470 كلمة

موقع "جيم"موقع يهتم بالإنتاج المعرفي والنقدي والثقافي في شؤون الجندر والجنس والجنسانية خارج عن الخطاب السائد لوسائل الإعلام المهيمنة.


بينما كنت أتجول في أحد أحياء القاهرة، استوقفتني لافتةٌ كُتب عليها: "استشاريّة التحليل النفسي والسعادة النفسيّة"، توقفتُ لالتقاط صورةٍ ومشاركتها مع الأصدقاء والصديقات كمزحة تلقائيّة، ثمّ تبادلنا النكات حول "طب ما السعادة النفسيّة طلعت سهلة أهه! احنا بس نمشي ورا السهم!". لم أكن أعرف أن هذه اللقطة العشوائية ستصبح بوابتي للعبور إلى تتبُع عالم الخدمة العلاجية النفسية للنساء في مصر. أتشارك في المقالة الحالية تلك الرحلة بإعادة رؤيتها ككل مثل مسرح تقف على خشبته أطرافٌ عدة: الدولة، القوانين المتعلقة بالصحة النفسية، حوادث مفجعة في المشهد الحالي تستهدف النساء وخبرات شخصية تتناقلها النساء في محاولة للنجاة والمقاومة لخلق معرفة تأتي من خبراتهنّ. بينما أفعل ذلك، أجاهد للوقوف على مسافةٍ واحدة من جميع الأطراف كي لا أنزلق نحو قفزٍ سريع إلى استدلال قاطع أو طرق مختصرة لإشكالية شديدة التعقيد في مجتمعاتنا، قد لا تكفي لها مقالة واحدة، بل قد تتطلب دراسات حقوقية ونوعية معمّقة والدفع بجهدٍ منظم لإقرار تشريعات وقوانين تكفل الحماية والرعاية لمتلقي الرعاية النفسية وبخاصة النساء.

محطة (1): بماذا تخبرنا الداتا الحالية؟

لا تلقى الصحة النفسية وشؤونها أيّ جانبٍ من جوانب الاهتمام والأولوية، لاسيما في ظل الأنظمة الصحية المهترئة في العديد من بلدان العالم العربي واعتبارها رفاهية، بالإضافة إلى إرثنا الثقافي الشعبي الذي يميل إلى التعمية والتضليل بشأن الاضطراب النفسي واعتباره جالبًا للعار. في محاولة لتقصي إجابة للسؤال: هل النساء هنّ الأكثر ترددًا إلى العيادات النفسية مقارنة بالرجال؟ فوجئتُ بسيلٍ من الإحصائيات والدراسات لكنها كانت عن المرأة واكتئاب ما بعد الحمل والولادة1 أو الصحة النفسية للنساء في حالات الطوارئ!2 ولم تنج من تلك الفجوة تقارير منظمة الصحة العالمية بالرغم من برامجها المتمرسة في دعم الصحة النفسية، غير أنه يُحسب لها إدراج قضايا العنف الأسري تحت برامح العافية النفسية. تنص التشريعات الصحية وحقوق الإنسان على التالي:

"يحق لجميع المصابين بالاضطرابات النفسية أن يتلقوا معالجة عالية الجودة وأن تقدم لهم الرعاية من خلال خدمات الرعاية الصحية سريعة الاستجابة ويجب حمايتهم من جميع أشكال المعالجة غير الإنسانية أو التمييز".3

لا تتدخل منظمة الصحة العالمية في ما يضعه كل بلد من سياسات، برامج، قوانين، مرافق، معلومات، قرارات أو خدمات، باعتبار ذلك شأنًا داخليًا تصوغه الدولة وفق رؤيتها وتوجهاتها. إذًا، الأمر منوط بالدولة. لنستكشف تاليًا ما تقدمه الدولة من خدماتٍ حول الرعاية النفسية للنساء.

محطة (2): ما الذي يمنحه الإطار المؤسسي؟

اتخذت الحكومة في مصر بعض الخطوات الخاصة بخدمات العلاج النفسي تمثلت في: قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009 الذي تمّ التصديق عليه وتعديله بتاريخ 2020، تشكيل المجلس القومي للصحة النفسية عام 2010 على أن تكون مهمته تنفيذ القانون ومراقبة تطبيقه في منشآت الصحة النفسية الحكومية والخاصة، تحديد شروط ممارسة مهنة المعالج النفسي ومنح ترخيص مزاولة المهنة من قِبَل وزارة الصحة المصرية، تشكيل الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة والسكان بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية بهدف تأمين صحةٍ نفسيةٍ أفضل ورفع كفاءة مستشفيات الصحة النفسية، وأخيرًا تقديم خدمة العلاج النفسي من خلال العيادات الخارجية بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة مثل العباسية والدمرداش لقاء بدلٍ رمزي. 

تبدو تلك الخطوات للوهلة الأولى باعثةً على بعض الأمل، غير أنه كما نقول في مصر، "جت الحزينة تفرح". فبمجرّد أن حاولتُ زيارة الموقع الإلكتروني للأمانة العامة للصحة النفسية في محاولة للتعرف إلى طبيعة وواقع الخدمات المقدمة، فوجئتُ بعدم وجود موقعٍ أساسًا واعتماد العاملين على إنشاء صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فبدا لي الأمر كأنه مبادرة شعبية لا مؤسّسية! من ناحية أخرى، قامت نقابة الأطباء بمصر بتدشين موقع إلكتروني بُغية التحقق من هوية الأطباء المرخصين لمزاولة المهنة. قمتُ على مدار شهر بمحاولة زيارة الموقع في محاولة للإمساك بطرف خيطٍ حول آليات الحماية تحت مظلة وزارة الصحة، فكانت النتيجة إما أن الموقع لا يعرض أيّ نتيجةٍ على الإطلاق، أو أنه يُظهر بياناتٍ متضاربة غير مُحدثة.

محطة (3): تساؤلاتٌ لمجموعة من النساء

سمحَت لي مجموعةٌ من النساء، وعددهنّ اثنتا عشرة سيّدة من الطبقة المتوسطة العليا تتراوح أعمارهنّ بين منتصف الثلاثينات وأول الأربعينات، أن يصبحن رفيقات المعرفة بينما أمضي في رحلتي للتعرّف إلى مسار خدمة تلقي العلاج النفسي. تناولنا الأمر عبر التفكّر في الأسئلة التالية تحديدًا: كيف تختارين طبيبك/طبيبتك النفسية؟ هل لديك معارف أو معلوماتٍ عن قوانين الصحة النفسية في مصر؟ هل سمعتِ عن بروتوكول الجلسة الأولى؟ ماذا تفعلين في حال تعرضتِ لانتهاكٍ ما داخل غرفة العلاج؟ أي مسارٍ تتبعين؟ 

جاءت إجابات النساء المشارِكات كما يلي:

  - كافة نساء المجموعة لا يذهبن لتلقي الخدمة العلاجية في العيادات الخارجية بالمستشفيات الحكومية، علاوة على رغبتهنّ في التكتم على الأمر، فهنّ عمومًا لا يثقن بالأداء الحكومي في مجال الصحة. وأضافت إحداهن أن رخص ثمن التذكرة دليلٌ على "الكَروَتة".4 

  - كافة السيدات المستطلَعات لم يسمعن من قبل عن قانون رعاية الصحة النفسية.

  - استوقفتني إجابة إحدى السيدات عن قانون رعاية المريض النفسي إذ قالت: "أنا لا أستطيع تصديق أن هناك رعاية أو حماية بالفعل يمكن تقديمها للنساء، ماذا لواستُخدم مثل هذا القانون لإلصاق التهم بنا بأننا أمهات غير مؤهلاتٍ لرعاية أبنائنا، لاسيما في حالتي مثلًا، فأنا لديّ قضية متداولة مع طليقي في محكمة الأسرة، ويسعى لانتزاع حق الحضانة مني، ماذا لو أُسقطت في يده تلك المعلومة!"

  - حين طرحتُ سؤالًا عن كيفية اختيارهنّ طبيبهنّ/طبيبتهنّ النفسية، أجمعَت السيدات على أنهن يستشرنَ إحدى الصديقات المقربات، كما ذكرنَ أنهن يتأثرن أيضًا بعددٍ من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (أطباء/طبيبات نفسيون ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أو على شاشة التلفزيون بصفتهم/ن المهنية). 

  - أما عن معرفتهنّ ببروتوكول الجلسة الأولى، وهو مجموعة من القواعد المهنية التي يتوجب على الطبيب/ة مشاركتها مع المريض/ة في لقائهما الأول، مثل إبراز ترخيص مزاولة المهنة، أو تحديد المدرسة العلاجية أو ذكر الإشراف الذي يتلقاه من أطباء نفسيّين معترفٍ بهم، فلم أتلق أيّ إجابة منهنّ على الإطلاق، بل إنهنّ أجمعنَ على كونها المرة الأولى التي يسمعن فيها عن ترخيص مزاولة مهنة العلاج النفسي!

  - لدى طرحي سؤال "هل شعرتِ يومًا بعدم الارتياح في أثناء الجلسة العلاجية؟ وما تصرفك في هذه الحالة؟"، أخبرتني كل سيدة على حدة بأن الارتياح مع المعالج/ة نسبي بعض الشيء، واتفقن على أنهن في حال الشعور بعدم الارتياح، يغادرن بعد انتهاء الجلسة ولا يعُدن مرة أخرى ويستعوضن الله في ثمن الجلسة. وحينما أعقبتُ سائلةً "أين تضعن شكواكنّ في حال حدوث انتهاكٍ داخل الغرفة العلاجية؟"، لم أتلق أي إجابةٍ على الإطلاق.

محطة (4): حادثة مُفجعة

خلال العام السابق، رُصدَت قضيّتا "انتهاك جنسي ضد فتيات ونساء داخل العيادات النفسية" في مصر. الأولى لا زالت قيد التحقيق لدى النيابة العامة، أما الثانية فأُحيل المتهمون بها إلى محكمة الجنايات بعد تداولها لأكثر من سنتين. القاسم المشترك بين القضيتَين هو طبيبٌ نفسي يقنع مريضاته بطريقةٍ علاجيةٍ استحدَثها ألا وهي "الحضن"، ثمّ يتحول الأمر إلى تلاعبٍ ذهني بضحاياه في الكلّية ليستدرجهنّ إلى عيادته الخاصة ومن ثم اغتصابهنّ والتحرّش بهنّ باستخدام الحقن الشرجي بعد إقناعهنّ بأن تلك طريقة مستحدثة في الطب للقضاء على ما يشعرن به من توتر وتضييق من قبل العائلة. ولسنواتٍ طويلة، يجري ذلك بالتواطؤ مع زوجته.

القضية المحسومة من قبل النيابة في مصر، أطرافها ست فتيات في أكثر المراحل العمرية هشاشة (بين 16 و18 سنة) تعرّضن لانتهاك بشع، ومجرمٌ ظلّ يمارس جريمته لمدةٍ تزيد عن عشر سنوات، يظهر في القنوات الفضائية باعتباره "الطبيب النفسي" القادر على منح المشاهدين كل الأجوبة الضرورية لفهم ذواتهم وعالمهم وقهر ما يواجهونه من تحديات عبر الشاشة، كما له كتابٌ يتم توزيعه على كل الفتيات في الكنيسة باعتباره كتابًا روحيًا، كيف لا وعنوانه "الثانوية العامة في يد المسيح"؟ محاضرات ذلك المجرم ملء السمع والبصر، وقد بنى لنفسه صورةً ذهنيةً للتلاعب بضحاياه، بمشاركة زوجته وتواطؤ كل من منحوه صك العبور دون محاسبةٍ إلى عوالم فتياتٍ في مرحلة المراهقة، ليتاجر بمصطلحاتٍ "نفسية" ومعرفةٍ ضحلة، فيبدو أنه العارف والعالم والمُوحى إليه ليُحرر الفتيات الخائفات من أمراضهنّ التي لا يَعينها بعد، ذلك الزوج المحب الذي تدعمه زوجته، الزوجة المتواطئة التي تنبري للدفاع عن زوجها بينما تستدرج الفتيات اللواتي يُخدعن بسذاجة الطمأنينة المفرغة من أى معنى أو دليل، الصّد والرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتصوير الطبيب/المجرم على أنه عبقري يتعرض لمحاولات تشويهٍ للسمعة بمجرد أن بدأت الفتيات في التحدث عمّا يحدث عبر مبادرة اتكلمي الداعمة للنساء اللواتي يتعرضن للعنف.

عشر سنوات من صناعة الوهم، ترويجه، ممارسة التوحش، تدمير حيوات فتيات لا ذنب لهنّ، ثمّ تتم إحالة المجرم وزوجته إلى محكمة الجنايات. تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي احتفاءً بـ"الإنجاز"! هل في ذلك عدل؟ وأيّ عدالة ننتظر!

تخبرنا اللغة المعاصرة أن من المهم حين نكتب عن مثل تلك الحوادث المفجعة أن نستبدل "الضحايا" بـ"الناجيات". جميل، فلنقُل "ناجيات" عوضًا عن "ضحايا"، لكن ماذا سنفعل بكل تلك المرارة المتكتلة في الحلق! عشر سنوات من الصراخ في العدم، عشر سنوات من ترديد قصة الانتهاك سنةً تلو الأخرى، وروايتها مرةً تلو الأخرى لئلا تسقط من الذاكرة أو تتبعثر مفرداتها. عشر سنواتٍ صرخت فيها الفتيات في الخواء، خواء قانوني، خواء مجتمعي وخواء ديني، قبل أن يأتي قرار النيابة متأخرًا ومؤلمًا، لا بل موجعٌ حين نعرف بأنّ المجرم لا يزال حرًا طليقًا لم يتم القبض عليه، وأنه يتخفى في إحدى محافظات مصر.

سيراهن الجميع مرة أخرى على الذاكرة السمكية للمجتمع والانبراء للتأكيد بأنّ ما حدث "استثنائيًا" لا يجب القياس عليه. ستتحول مثل تلك القضايا إلى ملعب جديد لمضغ الكلام من دون أن تجد لها صدى تشريعيًا يكفل حماية ورعاية الناس في مضمار العافية النفسية، لاسيما النساء. لربما كان الأمل يكمن حصرًا في تلك الأُختية التي وجدَت طريقها إلى الفتيات في القضية أعلاه، تلك المبادرة التي التقطت طرف الخيط وجعلت صوتهنّ مسموعًا، بل مزعجٌ إن تطلب الأمر. وطالما أننا وُصمنا عبر الأزمنة بأننا "هستيريات"، فهيّا بنا "نُهستر" كآليةٍ للبقاء والحماية ودعم الرفيقات.

محطة (5): علامات تساعدك على اكتشاف التلاعب داخل غرفة العلاج النفسي

بينما كنت أتجول في المحتوى المعرفي عبر الإنترنت عن الصحة النفسية، صادفتُ مقالة باللغة الإنجليزية يشارك كاتبها ما يعتبرها مؤشرات خطيرة يجب التنبّه إليها في أثناء تلقي الخدمة العلاجية. قمتُ بترجمة تلك المؤشرات أدناه إلى اللغة العربية، لاسيما أنها تشبه كثيرًا سياقنا العربي.

العلامات الخمسون لإنهاء العلاقة العلاجية فورًا داخل الغرفة العلاجية، وهي كالتالي:

  1. المعالج/ة  لم ي/تحصل على تدريب كافٍ ومتخصص لتناول ومعالجة الحالة التي تعانين منها.
  2. المعالج/ة غير مكترث/ة بالتغيير المرجو من العلاج أو توضيح أهداف العلاج.
  3. يمتنع الطبيب/ة عن التحديد بشكلٍ واضح ودقيق كيف يمكنه/ا تقديم المساعدة في كافة المسائل التي أودت بك إلى اختيار الخدمة العلاجية.
  4. لا ي/تقدم لك تفسير أو شرح للعلامات التي يمكنك من خلالها معرفة أن رحلة العلاج قد انتهت.
  5. لا ي/تطلب المعالج/ة الاستشارة من أطباء/ معالِجين آخرين.
  6. ي/تمنح ضماناتٍ ووعودًا أو كليهما.
  7. لدى المعالج/ة شكاوى غير محسومة مع جهة منح الترخيص في بلد العمل.
  8. لا ي/تخبرك الطبيب/ة عن حقوقك كـ"عميل/ة" مثل السريّة، سياسات استقبال العيادة أو المبلغ المقرر، بشكلٍ يجعلك تمنح موافقتك قبل البدء في العلاج. وهذا يختلف في حال كنت عميل/ة جديد/ة، في تلك الحالة، هناك معلومات إضافية يجب على المعالج/ة أن يقدمها وتعتبر حقًا أصيلًا للعميل مثل إطلاعه على ترخيص مزاولة المهنة وإدراج العيادة محل العلاج ضمن المؤسسات المعترف بها لمزاولة المهنة.
  9. ي/تصدر عليك أحكامًا أو أوصافًا أو ي/تنتقد تصرفاتك أو أسلوب حياتك.
  10. ي/تنظر إليك بدونية أو ي/تُشعرك بأنكِ "أقل قيمة" وأقل معرفة منه/ها بطريقة مباشرة أو عبر المرواغة.
  11. ي/توجه اللوم إلى عائلتك، أصدقائك أو شركائك العاطفيين.
  12. ي/تشجعك على توجيه اللوم إلى عائلتك، أصدقائك أو شركائك العاطفيين.
  13. ي/تحصل (سواء عرفتِ أم لم تعرفي) على تسديد احتياجاته النفسية من خلالك بدلًا من أن يضع كافة تركيزه في العلاقة العلاجية وتطور العميل/ة فيها.
  14. ي/تحاول أن يكون صديقك/تك.
  15. ي/تقوم بملامسة العميل/ة (الحضن) من دون موافقة العميل/ة.
  16. ي/تحاول أن يقيم علاقة عاطفية/جنسية مع العميل/ة.
  17. ي/تتحدث بشكلٍ مفرط عن شؤونه/ا الشخصية من دون أي هدف يخدم العلاقة العلاجية.
  18. ي/تحاول أن ي/تدرج بنودًا جديدةً بذريعة مساعدتك قد لا تتصل بالعلاج أساسًا ومن دون موافقتك.
  19. ي/تذيع معلومات عن العميل/ة من دون إذنه/ها وموافقته/ا.
  20. ي/تخبرك بهوية عملاء آخرين.
  21. ي/تخبرك المعالج/ة بأنه لم يخضع في السابق لأي علاج.
  22. لا ي/تتقبل تعليقاتك ولا ي/تعترف بأخطائه/ا.
  23. ي/تركز الجلسة العلاجية على التشخيص من دون تقديم مساعدة نحو التغيير.
  24. ي/تتحدث كثيرًا.
  25. لاي/تتحدث على الإطلاق.
  26. ي/تتحدث بطريقة معقدة للغاية كمن ي/تجلس بداخل "فقاعة سيكولوجية من المصطلحات" ما يجعلك تشعرين بالارتباك والحيرة.
  27. ي/تركز المعالج/ة على الأفكار والفهم العقلي وي/تستبعد المشاعر والانفعالات والخبرة الانفعالية الجسدية.
  28. ي/تركز المعالج/ة على المشاعر والانفعالات والخبرة الانفعالية الجسدية، دون الأفكار والفهم العقلي والمنطق.
  29. ي/تتعامل المعالج/ة كأنه/ا ي/تمتلك إجابات أو حلول لكل شيء، ي/تقطع وقت الجلسة العلاجية في إخبارك كيف يمكنك إصلاح مشاكلك وحلها.
  30. ي/تخبرك بما يجب عليك فعله، أو ي/تأخذ قرارات بالنيابة عنك، ي/تقدم نصائح لم تطلبها.
  31. ي/تشجع اعتماديتك بأن تشبع احتياجاتك النفسية من خلاله/ها.
  32. ي/تحاول أن يُ/تُبقيك مستمرة في العلاج دون رغبتك وإرادتك.
  33. ي/تؤمن المعالج/ة أن طريقته/ا هى الطريقة الوحيدة الناجحة ويحطّ من قدر الطرق والمناهج الأخرى في العلاج.
  34. يثير الخلاف معكِ/ صدامي بشكل متكرر.
  35. لا يتذكر اسمك أو تفاصيل خاصة بك من جلسات سابقة.
  36. لا ي/توليك الاهتمام، بل يعمد إلى التظاهر السطحي بالاستماع والفهم.
  37. ي/تجيب على الهاتف أثناء الجلسة.
  38. ي/تظهر المعالج/ة حساسية تجاه ثقافتك أو خياراتك الدينية.
  39. ي/تتجاهل أو ينكر أهمية الروحانية.
  40. ي/تحاول فرض روحانية أو ديانة أو خيار ديني بعينه على العميل/ة.
  41. لا ي/تتعاطف على الإطلاق.
  42. ي/تتعاطف بشكل مفرط.
  43. ي/تبدو متورطًا وانفعاليًا تجاه مشاكل العميل/ة.
  44. ي/تبدو شديد/ة الحساسية والانفعالية، ي/تتأثر ويُستثار بفعل المثيرات التي تُعرض في العلاقة العلاجية.
  45. ي/تدفعك نحو مشاعر شديدة الهشاشة أو ذكريات ضد رغبتك لعدم جهوزيتك لتلقيها.
  46. ي/تتجنب المعالج/ة استكشاف المشاعر الهشة أو الثقيلة معك.
  47. لا ي/تطلب موافقتك لاستخدام أيٍ من أساليب وتقنيات العلاج النفسي.
  48. ي/تطلب من العميل/ة أن ي/تمارس انضباطًا أكبر للسيطرة على الانفعالات، الوساوس والإدمان من دون مساعدته/ا على فهمها أو التوصل إلى ما يكمن في داخلها.
  49. يطالبك باستمرارٍ أن تشعر/ي بالامتنان والتقدير والرغبة في معرفة ما يكمن وراء الانفعالات، الوساوس والإدمان، متجاهلًا ما تفضله أنت في الوقت المناسب لك، كاللجوء إلى إحدى مهارات التكيف لإدارة الانفعالات ريثما تصبح مستعدًا لمستوًى آخر.
  50. ي/تميل باستمرارٍ إلى إلغاء المواعيد أو التأخر عنها، أو يأتي/تأتي متأخرًا/ةً إلى موعد الجلسة العلاجية.

محطة (6): مانيفستو دائرة النساء الاثنتا عشرة

ساعدني انفتاح مجموعة النساء الاثنتا عشرة سابقًا على العودة إليهنّ مرةً أخرى بُغية استكشاف مانيفستو خاصٍ بنا. وضعتُ العلامات الخمسين تلك بين أيدي النساء وشرعنا نكتشف ونبني سويًا. كنا نجلس في دائرةٍ تشبه دوائر القبائل القديمة بحيث ترى إحدانا الأخرى، غير أننا استعضنا عن النار المقدسة في وسط الدائرة بعددٍ من الأوراق كُتبت على كل منها إحدى العلامات الخمسين. بدأنا واحدة تلو الأخرى بتناول قصاصات الورق وإخبار ما إذا كان الأمر قد حدث لنا بالفعل أم لا. لم يكن أحدٌ مرغمًا على مشاركة التجربة الشخصية، غير أن قراءة المكتوب في القصاصة بصوتٍ مرتفع، أحدث شيئًا غريبًا. كذلك أسرّت لي إحدى المشاركات قائلة: "شعرتُ بأني أستطيع الوثوق في حدسي، نعم لقد تعرضتُ لذلك، غير أني لم أتبيّن في حينه أن هذا يُعد مؤشرًا خطيرًا. كنتُ ألوم نفسي بسبب ريبتي المفرطة، ولم تكن لديّ معرفة عمّا يمكن أن يحدث، كما كنتُ استبعد في الكلية أن يتعمّد الطبيب إيذائي بمثل تلك الممارسات." 

استمرت الدائرة لأكثر من ساعتَين متواصلتين دون رغبة في التوقف. أدهشني حجم التدفق الذي أبدته المُشاركات لتحريك ما يمور في داخلهن. لم يكن الأمر مجرد فعل فضفضة عابر بقدر ما كان رغبة في أن يختبرن للمرة الأولى كيف يمكن أن يتحرّرن من سلطةٍ وهميةٍ منحنَها بشكلٍ مجاني لطبيب/ة، وأدهشتني قدرتهنّ على المواجهة. إذ بالرغم من هشاشتهنّ النفسية التي دفعتهنّ لطلب العلاج النفسي كحقٍ طبيعي وإنساني للغاية، إلا أن ذلك جعلهنّ يرَين من ناحيةٍ أخرى أنهنّ لسن في موقفٍ أقل أو أضعف، أو في موضعٍ يجعلهن مستباحات. لوهلة، شعرتُ بأنه حين نتشارك المعرفة - حتى إن كانت ما زالت تتلمس طريقها - ونبنيها سويًا، ثمة حماية تمنحها إحدانا للأخرى، فلا يغدو الوقوف في مجتمعاتنا على قدمٍ واحدة يحمل كل تلك الخيبة والمرارة والخذلان. 

هل تودنّ تجربة الأمر في دوائركمنّ؟ أخبروني بذلك، فلنتشارك المعرفة والأمل.

ملحوظة: صورة غلاف المقال من أرشيف الكاتبة - الدقي، القاهرة، 2018

 

الأحد، 6 يونيو 2021

الإصدار الرسمي لديواني الأول: "ظِلّ، ماءٌ، وحديقة"- 2021


 

في عام 2017، اتخذتُ قرارًا بنشر أولى مجموعاتي الشعرية، سعيتُ لذلك بطموح الأطفال وحماستهم أن العالم سيستقبلني فاتحًا ذراعيه.

لم يحدث.

مارستُ ما أجيده حين تملؤني الخيبة، فعل التكوّر على الذات، تكديس النصوص في ملفاتٍ لاتغادر سطح حاسوبي، معاقبة عالم الشعر والشعراء والنشر بأن اختفي لكىّ يبحثوا عن الطفلة التي حملت نصوصًا لم يقرؤها أحد.
لم يبحث عني أحد !
استولى الشعر على وجداني، كنتُ أكتب على أطراف الصفحات البيضاء بينما أعقد اجتماعات إدارية في عملي الذي أحب.
كنتُ أجلس أتناول طعامي بينما يرقصُ في مقدمة رأسي صورة أود لو أني أُخرجها كعنقودٍ من الكلمات الخضراء،
تارة أفعل، وتارة أخرى أسحقها سحقًا قبل أن تولد.
بدوتً كمن ترقص رقصة شامانية على حافة الجنون.
مارستُ القسوة على كل ما أكتبه،
لم أكن أدرك أني بذلك أسمح لقسوة العالم بالخارج أن تتسلل بداخلي.
لم أكن يومًا امرأة يسحقها الخارج، فكيف سمحتُ لذلك أن يحدث!!
كيف سحقتني بكلتا يدىّ!
في بداية عام2021، كنتُ أكتشف مسارًا للرحمة حولي، والعالم، وكل شىء.
أعدتُ ترميم البيت بداخلي،
عقدتُ هدنة ممتدة مع الطفلة الخائفة بداخلي.
كنتُ أطفو في نهرٍ من المحبة والرحمة لم أتذوقه من قبل.
حملتني الموجة إلى أرضٍ يبدو أنّي أتجذر بها منذ أزمنة.
عدتُ لكل النصوص التي خبأتُها بعناية لكيلا تصل إليها يد أحدهم،
بينما أُردد كل لحظة "فلأجرب أن أؤمن بي اليوم"،
نزعتُ عن كل ما سطرتُ فعل القداسة،
تركتُ الهشاشة الإنسانية تتدفق كيفما تشاء.
أُرخيتُ قبضة يدي بعض الشىء،
أتعلم كل يوم، أن أمنح بعضًا منّي للخارج وألا أتوقف عن الإيمان بما لدىّ.
استمعُ لصوت أوراق الشجر أينما سرت،
وحده يخبرني أين سأيمم وجهتي،
واليوم، ها أنا "هنا".
أصل، لبعض الوقت.
وهذا يكفي
الآن.

الجمعة، 23 أبريل 2021

لماذا لم أحب قط "النظارة السوداء" و "أنا حرّة"- قراءة إحسان عبد القدوس 2021

 لماذا لم أحب قط فيلمىّ "أنا حرة" والنظارة السوداء؟

مقالة منشورة: ملف العدد- إحسان عبد القدوس

مجلة فنون للثقافة والأدب- مصر

23 أبريل 2021.

قراءة نقديّة مُعاصرة لفكر الكاتب والروائي المصري الشهير إحسان عبد القدوس، وبخاصة الفيلمين المذكورين، تفكيكهما من خلال فهم ديناميكية العلاقة بين الكاتب "الذكر" والأم، وإمكانية مراجعة ما نادت به تلك الأفلام في عام 2021.

صورة شخصية قديمة للكاتب والروائي المصري "إحسان عبد القدوس" في طفولته.

لماذا لم أحب قط "النظارة السوداء" و "أنا حرّة"- قراءة إحسان عبد القدوس 2021؟

لا أعلم عدد المرات التي شاهدت فيها فيلمى "أنا حرة"- 1959 أو "النظارة السوداء"- 1963 المأخوذين عن روايتين بنفس الاسم للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، ولكني أعلم أنه في كل مرة أفرغ من نهاية المشاهدة يكبر بداخلي حائط أسمنتي يعلو المرة تلو الأخرى ويقف حائلًا لرؤية مفهومىّ الحب والحرية كما تمّ تقديمهما في الفيلمين. أحاول استكشاف الأمر بشكل أكثر موضوعية عن طريق قراءة مقالات نقدية عن أعمال "إحسان عبد القدوس" وبخاصة السينمائية منها، وأتعثر دومًا في توصيف جلّ النقاد له، بأنه "كاتب الحب والحرية، وأصدق من عبّر عمّا يجول في عالم المرأة الانفعالي". في حقيقة الأمر، يُغضبني الشطر الثاني دومًا ويضعني في مثار السؤال الممتد بداخلي، لماذا يتمّ الاحتفاء بالكاتب الرجل إذا ما اختار طواعية أن تصبح شخصيات رواياته أو أفلامه شخصيات نسائية، أليس ذلك بديهي في فعل الكتابة كما يفترض به- هكذا أظن- أن تكن الكتابة في جوهرها فعل متجاوز للكاتب نفسه وإخلاصًا بلا مواربة لعالم أبطال الرواية/ الفيلم. أليس بديهيًا في تكوين هوية الكاتب أن ينغمر بالكلية في العوالم الانفعالية لشخوصه دون أن يتوحد بها، ويسرد ما رآه في رحلته لكهوف شخصياته المعتمة ويعبر بالقرّاء نحو فهم أعمق ليس لذواتهم فحسب وإنما تعقيدات الروح التي لا تفصح عن نفسها بكل تلك المباشرة المعهودة خارج الكتابة؟ لربما لم يتحقق ذلك في عالمى "أنا حرة"، و"النظارة السوداء" بالنسبة لي، على وجه الخصوص، ولذا دوما شعرتُ فور الفراغ من مشاهدتهما بالغضب والخيبة.


أفيش فيلم "أنا حرة"- لبنى عبد العزيز، شكري سرحان، صلاح أبوسيف


قبل أن تبدأ أحداث الفيلم، لدينا أفيش بعنوان "أنا حرّة" أشبه بصوت قرار واعٍ تمّ الوصول إليه مبكرًا، يخبرنا كل من المؤلف والمخرج والممثلة أن "الحدوتة" ستنتهي بتلك العبارة، وكان ذلك جديرًا أن يمنح المشاهد قبل أن يدلف الفيلم شعورً بالطمأنينة، غير أن هذا لم يحدث. بطلة الفيلم "أمينة" منذ الوهلة الأولى يتم نعتها بأنها صعبة المراس، تنتقل بنا الأحداث بين سياقات مختلفة يجمعها رابط واحد، إظهار كيف تتمرد "أمينة" على كل ما لايعجبها في تلك السياقات وكيف تصطدم في كل مرة تفصح فيها عن رأيها واختيارها، ونتيجة حتمية يتم تنفيذ العقوبة المجتمعية المتعارف عليها إما بالنبذ أو بالرغبة في "شد اللجام" ومحاولات التدجين المستمرة لفرخ البط الأسود. لا أنكر أنه في مشاهدة أحداث تجري في الأسرة أو تجمع النساء، أو في الشارع، وجدت تعبيرًا حقيقيًا عن صورة ذلك الصراع والصدام ومحاولات الكرّ والفرّ بالرغم من أني أشاهد "أمينة" في داخلي وأنا في عام 2020. حقق لي الفيلم "تنفيسًا" مؤقتًا حين أدرك أن اختياراتنا في الحياة كنساء في مجتمعاتنا لن تأتي بكل تلك السهولة، وأن لنا "رفيقات" حتى وإن كنّ عابرات كطيف متخيل لرواية أو من وراء شاشة عرض سينمائية. إذن من أين نبتت الخيبة؟

ينتهي الفيلم بالبطلة والبطل يتعانقان وينتصر الحب ويصفق المشاهدون، وأتململ كعادتي. إذن في نهاية المطاف الأمر لم يكن أن "أمينة" تسعى للتمرد على تقاليد مجتمعها البالية والتصدي لها، في نهاية المطاف تحول الأمر إلى البحث عن "رجل" بمواصفات "مختلفة"، إذن كانت رحلة "أمينة: رحلة البحث عن الحب وليس الانعتاق والحرية لبنات جيلها. ولا ضير في ذلك على الإطلاق، أن تصبح "أمينة" باحثة عن الحب، عن قصتها الشخصية في الامتزاج مع "آخر، لا ضير على الإطلاق، لكن ما شأن الحرية بذلك المسار! أشادت كثير من المقالات النقدية بالفيلم باعتبار "أمينة" رمزًا لكيان أكبر، وهو الوطن. ولكن حتى بتبني تلك الفرضية والتي لا يمكن اعتبارها سوى "مساحة" أخرى لإيجاد معنى أو طرح تفسير متخيل، لماذا إذن قضايا المرأة يتم تأطيرها ضمن قضايا الوطن، هل ذلك يمنحها اتساعًا في الرؤية، أم يفرغها بالكلية من مضمونها. أما عن حرية "أمينة" الذي وعدنا بها الفيلم منذ "عنوانه"، فلماذا الحرية تأتي إليها عن طريق "رجل" ظل يرقبها طيلة حياتها، ثم يتحين الفرصة المناسبة كى يقوم بدور "المعلم" الذي حتمًا في نهاية الأمر يود أن تصبح "تلميذته" النجيبة مُستحقة للعلامة الكاملة، حينئذ يمكنها الحصول على الجائزة والتكريم، وسيصبح هو ذات نفسه الجائزة بعد أن يقبل بها بعد أن تعبر كحصانٍ يستعرض قدراته بالقفز فوق حواجز معدة له مسبقًا، ينتظرها على الناحية الأخرى ليمنحها قلبه ومحبته!! لم يمنحني "أنا حرّة" ما وعدني به بتقديم مفهوم الحب والحرية من عالم المرأة، كما قيل لي.


أفيش فيلم "النظارة السوداء"- نادية لطفي


نفس المسار يُعيد نفسه مرة أخرى في  فيلم "النظارة السوداء" الذي تمّ تقديمه في عام 1963، غير أن المسار يصبح أقل تعقيدًا وأشبه بترسيم مبكر للحدود بين الأبيض والأسود بطريقة محسومة. ف"مادي" بطلة الفيلم بنمط حياتها في جزء الفيلم الأول لربما يثير الغضب في شريحة عريضة من جمهور الطبقة المتوسطة- كما أفادت المواد الأرشيفية عن الفيلم- بينما يأتيها الخلاص من خلال البطل الذي يحثها على إعادة مفهوم الحرية بداخلها لنراها تتحول بدرجة 180 في النصف الثاني من الفيلم، بل وزيادة على ترسيخ رغبتها في الانتماء لمقبولية جديدة، تبدأ في الانخراط في العمل الخيري من أجل الوطن. الفيلم لا يشعرني فقط بالخيبة، بل يجعل المقولة الشعبوية التي تتردد دومًا على أفواه الوعى الجمعي "طبعا إحنا مؤمنين بالحرية، بس بشروط" شديدة الإيلام بالنسبة لي.

سيبدو بديهيًا القول أني أشاهد الفيلمين بعين تنتمي لعالم  وسياق مختلفين، وفارق زمني يتجاوز الستين عامًا. وهذا يحمل بعض الصحة لا شك، لكن أليس هذا هو الهدف من المراجعة النقدية لكل ما نملكه من أرشيف إنساني، ألا نترك ما خلفه السابقين يبتلعنا بين الحين والآخر، بل نحوّله لعتباتٍ نتكأ عليها في لحظتنا الآنية. من ناحية أخرى، دفعتني الخيبة التي شاهدتها في الفيلمين المذكورين إلى البحث عن إجابة لتساؤلٍ آخر، كيف كانت النساء أنفسهن يرين الحرية في تلك الفترة الزمنية؟ ويضعني ذلك في مأزق تساؤل آخر، من "النساء" التي أود التعرّف عليهن عن قرب وأحملهما معي من تلك الحقبة ! من "النساء" المُخاطبات بمفاهيم الحب والحرية عبر الروايتين أو الفيلمين في تلك الحقبة؟

لم تبدو أيًّا من "أمينة" أو "مادي" عوامل جذب لي على الإطلاق، فوضعت عني كل ما يحملان من رمزية أو معانٍ تمّ إقحامها في وعيي القديم قسرًا. عدتُ إلى التاريخ، وحملني بلا أدنى مواربة نحو "درية شفيق"، والتي تزامن وجودها وعملها ما يحدث في مسار مواز لتلك الحقبة التاريخية. اقتبس الفقرة التالية من مسيرة "درية"، وأتوقف عندها قليلًا:

"في عام 1951، قبل ثورة 1952، اقتحمت درية شفيق- وهى قائدة الحركة النسوية ، وقد عكست التوجه الليبرالي للنسويات الحديثات ومعها 1500 امرأة البرلمان، مطالبات بحقوقهن السياسية كاملةً، وإصلاح لقانون الأحوال الشخصية، ومقابل عادل لساعات العمل.

بعد قيام ثورة يوليو أصدر مجلس قيادة الثورة بيانًا يعلن فيه عن حل جميع الأحزاب السياسية، وحظر جميع الحركات النسوية المستقلة، واستُبدلت تلك المنظمات والحركات بكل ما يتبع النظام. في تلك الفترة، ارتدت الحركة النسوية للعمل الخيري فقط.

في عام شاركت "دريّة" ومعها عدد من النساء في إضراب عن الطعام لعشرة أيام، اعتراضًا على لجنة دستورية لم يكن للنساء فيها مكان. وقد كانت أكثر المواجهات مباشرةً بينها وبين عبد الناصر في عام 1957، فقد بدأت في إضراب آخر عن الطعام في مظاهرة ضد احتلال مساحات من الأراضي المصرية من قِبل القوات الإسرائيلية، واعتراضًا (كما رأت) على «الحكم الديكتاتوري للسلطات المصرية والتي تدفع البلاد نحو الإفلاس والفوضى». تمّ وضع درة شفيق في الإقامة الجبرية لانتقادها جمال عبد الناصر، لتبدأ عزلتها من عام 1957 وتنتهي بانتحارها المأساوي في عام 1975."[1]

إذن في الفترة التي قُدمت من خلالها "أمينة" و"مادي" في تتبع لمسارهما الشخصي مفاهيم عن الحب والحرية، كان الواقع المصري في نفس الوقت  يمتلك جسدًا وروحًا وحياة متجسدة بكل وضوح، كانت لدينا رواية لم يلتقطها من وصفه النقّاد بأنه كاتب الحب والحرية! بالطبع الإجابة البديهية هى تجنب استثارة حفيظة السلطات والصدام مع "المغضوب عليهم" من قبل القيادة السياسية آنذاك، قد يصل إلى التواطؤ في تمريرمفهوم الحرية في تلك الفترة ليصبح  مفهومًا "مسالمًا" مدجنًا من الحرية التي تأتي في نهاية المطاف من "السلطة" الذكورية التي تبارك تلك الحرية التي تحصل عليها المرأة فقط حين تكون مستوفية لل"شروط".

قادني ذلك البحث إلى تساؤلٍ جديد، " هل مطلوب من الروائي/ صانع السينما في واقعنا العربي أن يكون نسويًا؟" أو بمعنى أدق أن يكون متماشيًا مع ما يحدث في واقعه إذا ما قرر أن يتناول "قضايا النساء"؟ يفتح مثل هذا التساؤل المزيد حول ما تمنحه الكتابة من حريات في التقاط من أين يود الروائي أو صانع السينما أن تبدأ قصته سواء داخل الرواية أو الفيلم وأين تنتهي، وذلك لا يمكن التفاوض حوله بأى طريقة. لكن يمكننا أن نتخفف قليلًا من منح الألقاب المجانية في توصيف العمل أو الكاتب، وبخاصة في منطقة يبدو فيها بشكل واضح أنه يقدم مفاهيم تقترب للتشويش حول الحب والحرية، تلك المفاهيم السامة المغلفة بغلاف فضفضاض من الدعوة المجاهرة بالحرية بينما تبطن بداخلها تدجينًا وتأطيرًا يكاد يقترب كثيرًا من يمينية التقاليد والأعراف التي تمّ الإعلان والوعد بتحطيمها. من ناحية أخرى، إذا ما أزحنا جانبًا فقط لبعض الوقت الإشادة بقدرة الكاتب على تقديم تنويعات من الشخصيات النسائية،  التي لا ريب حولها في تقديمه تنويعة من الشخصيات والتي في أساسها المرأة، لماذا لا يوجد ضمن كل تلك النماذج نموذجًا يشبه "روز" والدته!


صورة أرشيفية للسيّدة روزاليوسف وإحسان عبد القدوس


مرة أخرى، ستقف حرية الكاتب في اختيار الفصل الكامل بين حياته الشخصية والمهنية، غير أن شخصية "روز اليوسف" بكل ما تحمله من ثراء إنساني يصب مباشرة في مسارات تكشّف معنى الحب والحرية يصعب عدم التوقف عنده من الشخص العادي، فما بالنا بشخصية "كاتب" يقف ويتأمل ولا يمرر كل من يعبر في حياته، بل يتحول العالم بالنسبة له نسيجًا لا يمل من إعادة غزله بمختلف الشخوص المرة تلو الأخرى. تشير الكتابات الأرشيفية حول "إحسان عبد القدوس" أن هناك ثلاث نماذج نسائية تأثر بهن الكاتب، ألا وهنّ: والدته، عمته التي تولت تربيته، وزوجته. سأستبعد الزوجة لأن دورها يأتي مساندًا بعد تشكل اللاوعى- مخزن الإبداع الأكبر- في سنين الطفولة الأولى. تحمل طفولة "إحسان" لكثير من التأرجح بين عالمين عبر عنهما بكل قوة جسد العائلة من ناحية الأب التي اتسمت بالمحافظة على التقاليد والأعراف، وناحية الأم التي تجسدت في حياة "روز اليوسف" تلك السيدة التي توصف بأنها "أكبر من الحياة ذاتها" لما مرت به من تجارب وخبرات وتعقيدات جعل حياتها نسيجًا يصعب تكراره.

منحت الحياة الطفل "إحسان" سيناريو يتجسد من خلال والدته، غير أنه حين اختار كتب- في بعض الأحيان- وقدم لنا نماذج نسائية متنوعة، لكنها نماذج مرتبكة، تقف حائرة في المنتصف، يستسيغ لها أن تلعب دور الضحية، ضحية شىء أكبر منها، وسيأتي البطل ف النهاية ليقدم لها يد العون ويعبر بها نحو الأمان. نساءٌ لا يستطعن التحقق سواء بالاندماج الكلي في مجتمعاتهن أو بتحمل مسار التحرر للنهاية، أى نهاية تنظرها بطلاته!! نهاية مرتبكة.

نعم قدم الكاتب "إحسان" نماذج نسائية متنوعة أمر لا شك فيه، غير أن النموذج الذي كان الطفل بداخله يخشى منه ويحبه في آن واحد لم يظهر، "روز". يُقرضنا علم النفس بعضًا من الفهم بتوضيح أن اكثر النماذج التي نتعلق بها ونحبها في آنٍ واحد هى النماذج التي "نخافها" لأنها تستدعي بداخلنا "جُرح" قديم. وفي علاقة الطفل بوالدته، جرح الفقد وبخاصة في السنين الأولى يصبح شديد الوطأة وشديد التعقيد بين الرغبة الشديدة لاحقًا في البحث عمّا فقد كمحاولة للالتئام، يستتبع ذلك دوران المرء في ضبابية المشاعروالانفعالات والهواجس حول أحقيته واستحقاقه للمحبة من أول مصدر لها، والرغبة الموازية في "عقاب" من يظن الطفل أنها تخلت عنه، مُغلفةً بالرغبة في إخفاء ذلك كله بسلوك "التقديس" المبالغ به. كما يمنحنا أيضًا العلاج النفسي مسارًا للفهم والتكشف، حين نرى الطفل ينمو لكنه يميل إلى تكرار نفس البرمجة التي تربى عليها، و تجذرت في لاوعيه فباتت مثل ماكينة تحرك أفكاره وأفعاله ورغباته مستقبلًا. يكبر يبحث عمّا فقد عن طريق إعادة كتابة "سيناريو" قصة حياته المرة تلو الأخرى. يتحقق الشفاء والتعافي حين يتمكن من إعادة كتابة سيناريو حياته بطريقة مغايرة شرطة أن يتخلص في روايته من دور الضحية، قد يغير الأبطال، يحولهم من ضحايا مفعول بهم إلى فاعلين، هنا يتحقق الشفاء. 

كتب "إحسان" سيناريو قصص وروايات حقيقة لا مجازًا، لكنه لربما لم يشف من جرح "فقد الأم" في الطفولة، وحين وعى بأمه رآها وكأنها "بعيدة المنال" فاختار طوعًا أو لاوعيًا أن ينمو في "ظلها"، ومن هنا دخل الضوء.