نصٌ جديد منشور على منصة أنطولوجي، وهى فهرس جمالي يُعنى بمتابعة وأرشفة الأدب العربي
نحتاجُ أن نصَل سويًا إلى هدنة
أن تكُفَّ عن تذكيري أنَّ الجوَّ بالخارج يبدو رائعًا
أن تتذكر ما أخبرتُك به من قَبل أنِّي فقدتُ عدسة عيني في الطريق.
يُمكنك أن تبقى بجانبي طِيلة يومين أو عامين لا أعرف على وجه الدقة
لم يُخبرني أحدٌ متى سينتهي الأمر لأني لا أعرف أيضًا على وجه الدقة كيف بدأ.
يُمكنكَ أن تمسحَ بِمنشفةٍ مُبللةٍ بماءِ الزَّهرِ على جبيني حين أُعاودُ ادعاء المرض.
في حقيقة الأمر لا أدَّعي المرضَ على الإطلاق كما تقول أمي
بل أقاومه بكل طريقةٍ مُمكنة لئلا يقترب مني.
تُخبرني الذاكرة أنِّي قبل الذهاب إلى النوم قمتُ بابتلاع حبتين أو ربما أكثر، لا أتذكر!
مكتوبٌ على العُلبةِ الصفراءِ أنها للتخلُّص من كركرةٍ بالبطن تُورثني الحَرَجَ باستمرار.
في الصباح، العُلبةُ الصفراء ذاتها تُخبرني أنها مُسكِّن لآلام العظام الحادة.
الذاكرة لا تُخبرني على وجه الدقة لِمَ ابتعتُ العُلبةَ الصفراء، في أي زمنٍ حدث ذلك؟
لربما جاءت إلىَّ العُلبة من دُرجِ أبي بمكتبه الصاج القديم.
لأبي ساقين طويلتين لا بد أنَّه ابتاع العُلبةَ في زمنٍ ما ليدرأ عنه الحسد!
أو لربما كانت لأمي؟
فهي تُخبرُنا دومًا أنها تُخزن الغضبَ في جيوبٍ سريَّةٍ بقفصها الصدري
وحين ينهمر، يكن الوقتُ مُتأخرًا للغاية أن نصُد الركلاتِ المتتالية.
لا تُخبرني الذاكرة أي شيء
هناك تجويفٌ يتسع
تستقرُّ مكانه عُلبة صفراء.
لا أتذكر على وجه الدقة كَم حبةً ابتلعت!
غير أني أشعرُ أن لا عظام لي بالمرَّة
واللحم يتمترسُ أعلى الحُنجرة.
يُمكنك أن تبقى دون أن تخبرني أنَّ اليومَ مناسبٌ للغاية لتمشيةٍ لاستنشاق رائحةِ المطر.
دخانٌ مُتصاعدٌ من الذاكرة يُشوشُ على مراكزِ الشم بداخلي.
أُعيدُ تذكيرك أنِّي ربما لبعض الوقت سأفقِدُ حاسَّة الشم أيضًا
غير أنَّه يُمكننا التوصل إلى هدنةٍ هذا الصباح.
لنضعَ العُلبةَ الصفراء جانبًا
سأعيدُ تلاوةَ حكايا عن حبةِ ملفوفٍ زارتني في الحُلُمِ البارحة
طبقاتُها مُحكمةٌ للغاية غير أنَّ البعض منها معطوب
لديها قدرةٌ مُرعبة على إخباري بما سَقَطَ من الذاكرة.
في كُلِّ مرةٍ تتعرى حبَّةُ الملفوفِ أمامي
أتشبثُ بذراعِكَ أكثر
أغرِسُ أظافري في جسدك
أخبُرَك برغبتي أن تبقى
يُمكنُك الاستلقاء بجانبي طيلة يومين أو عامين لا أملك بُوصلة لذلك.
سأعيدُ تكِرارَ الحكايا عن حبَّةِ ملفوفٍ مُذهلةٍ بلا انتهاء
ستغفو بجانبي
سأتأكد أنِّي راوغتُ الرَّغبةَ المتكررةَ في استدعاءِ العُلبة الصفراء
أريد أن أخبرَكَ أنِّي أريدُ أن أغفو أيضًا
لبعض الوقت.
غير أنِّي في كُلِّ مرةٍ أغمضُ عينَيَّ، تنتظرُني حبَّةُ الملفوف في الحُلُم
وأنَّ الحكايا كُلَّها صارت مُوجعة.
أودُّ لو أخبرك
أننا بحاجةٍ لهدنةٍ هذا الصباح
وأن تكف عن تذكيري أنَّ الجوَّ بالخارج صار رائعًا
أودُّ أن أُحكِمَ قبضتي علي كفَّيك
فأنا ارتعبُ حين تُفلت يدي
غير أن لا عِظامَ لي تمنحني قوةً كافية
ومحاولة الإبقاء المتعمدة تبدو واهية
في الصباح نحنُ بحاجة لهدنةٍ بالفعل
لربما علينا أن نقصدَ الصيدليَّ ونخبره أنَّ كلينا بحاجةٍ لعُلبةٍ صفراءٍ جديدة
وأنَّه يتوجب على العلبة الصفراء أن تُعيدَ إنباتَ العظامِ في راحة يدي.
سيصبح لديَّ حينئذٍ يدٌ قويةٌ
ستُمكنني من إزاحة المقاعد الفارغة حَول المائدة
وأن أكفَّ عن انتظار ما لا يجيء
وأن أمنح مُتسعًا لحبَّةِ ملفوفٍ مُذهلة فلا يتوجب عليها الاختباءُ في ثنايا الحُلُمِ مُجدَدًا.
نحنُ بحاجةٍ لهُدنة في الصباح
هذا كلُّ ما في الأمر
تتوقف عن إخباري أنَّ الجوَّ يبدو رائعًا بالخارج
وأعدُكَ أن أحاولَ مُجددًا
أن أُراوغَ العُلبةَ الصفراء
وأُراوغَ الذاكرةَ أيضًا
أتشبثُ بما بَقِي في يدي مِنك
أو أُفلِتُك مرَّةً واحدةً
وأخيرة.
اللوحة المُصاحبة للنص للفنانة الأمريكية "كاثرين هايد"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق