النصوص الشعرية، منشورة على موقع أدب360، والذي يُعنى بتقديم رؤية مُغايرة للأدب المُعاصر.
مانيفستو
مانيفستو لأُخرِج رأسي بعيدًا عن كيسٍ بلاستيكي أسود:
تقليل عدد المكالمات الواردة تحت اسم "ماما"،
الكف عن صياغة إجابات نموذجية لتساؤلات العائلة،
فلأتذكر ابتياع قليلاً من القسوة- لن يضر.
تدريب أحبالي الصوتية على نطق حرفىّ "اللام" و"الألف" ملتصقين برغبتي في الكف عن إسعاد "آخر".
العناية بأصابع القدمين وترتيب مقابلة عملٍ مع حذاءٍ جديد إن تطلّب الأمر،
التأكد أنّ عروق الساق لم تتجذر بالألم/
تحديد عدد ساعات العمل على اللابتوب ولتكن أقل من خمسين ساعة باليوم.
إرسال رسائل نصية تحمل كلمة واحدة "اتوكسوا" لخبراء تقيؤ الكلام الممضوغ سابقاً في كلّ شىء.
الرد على كافة وارد الإنبوكس بكلمة واحدة "مُتعبة"،
الكف عن رشق سهام العتاب واللوم للجميع- لاجدوى-
استبدالها ببطاقات معايدة والاحتفال بأيام إعلان التخلي الكامل.
الاعتذار عن بروفة الأداء غدًا فلستُ مُتأكدة أن هذا حقاً ما أود القيام به.
كسر زجاج البُوصلة
التأكد من عدم جرح أصابعي وأنا أحاول إعادة توجيه عقاربها نحو ما أود بالفعل القيام به.
كتابة يافطة بالقلم الأسود على ورقة بيضاء وإلصاقها بظهري:
"لستُ لوحًا زجاجيًا،
لقد تهشمتُ بالفعل،
كلّ يومٍ أحاول ألا أؤذي أحدًا،
أو نفسي بحوافي المُدببة"
التأكد من استقامة الظهر حين الجلوس،
ملاطفة العمود الفقري بعدم إرسال المزيد من الأنفاس المعطنة بندوب الماضي،
تناول عصير طازج،
يخلو من السكريات و التصنع،
تكويم جبال الغضب على حدة،
الالتفاف حولها لرؤية ما يجثم خلفها،
شد عضلة القلب وفق تمارين الرفق بالذات،
ملعقة محبة كل ساعة أو ساعتين من أشخاصٍ عابرين لا يزيد عمرهم عن ست سنوات.
صنع أرفف جديدة أعلّق عليها أقنعة لا أود ارتداؤها بعد اليوم،
ابتياع كلب بٌتر ذيله لسبب لا أعلمه
فك الطوق عن عنق كلب لن اقتنيه
طلاء الأظافر بلون لا يشبه الدم،
و ليكن لون يشبه كل مرة اخترقتني الحياة بخفة.
الاشتراك بالنادي المجاور لتعلم الطفو والاتزان
ثم فرد الذراعين بأقصي اتساع للتحليق بعيدًا عن هنا.
اختبار صداقة جديدة مع حمامةٍ تحط على طرف شباكي،
ترنو إليّ عبر السلك الشائك كل يوم لائمة.
السير بفردتي حذاء -لا تشبه إحداهما الأخرى- لأطول مسافة ممكنة
باحثة عن جذع نخلة ارتكن إليه.
تماهي عروق يدي مع جسد الأشجار الناظرة إليّ في طُرق ٍ لم أسلكها بعد.
وخز جلدي برسم شجرة تسكن منتصف عمودي الفقري،
أسميتُها "مزيكا" تُذكرني دومًا أني أحمل إيقاعي بداخلي.
استكمال خريطة بناء أكشاك للحزن حول المدينة،
تخصيص ساعة يوميًا لمقابلة عتمتي،
الكتابة عارية كلما استطعت ذلك
إرسال أحرفي إليك دون انتظار استلام صك المحبة.
تحديث:
صبيحة يوم الخميس الموافق السابع من سبتمبر لعام ((ميلاد))ي 2017 صرتُ موشومة ب"مزيكا".
أسبوع
تُرسلُ إليَّ المُحررة أنّه يتوجبُ الانتهاءُ من النصِّ قبل الظهيرة.
أهرولُ إلى الشاشة قبل أن تتفلَّت الفرصةُ من أصابعي.
Dear, I hope this email finds you fine
أتململُ في مقعدي، ما جدوى أن يكون العالمُ بخيرٍ إن لم يكن أيٌّ منّا كذلك!
أخبرُها:
اليومُ الأوّلُ: هناك عطلٌ فنيٌّ في شبكة الاتصالات بمُوجب فوضى عارمةٍ اجتاحت البلاد ونحنُ نيام.
اليومُ الثاني: تُوفِّي أبي البارحة، غير أن هناك جثةً تنظرُ إليَّ بعينين مجوفتين منذُ أكثر من سبعةَ عشرَ عامًا ولربما أكثر.
اليومُ الثالث: النصُّ يتحوّل إلى كلماتٍ ذاتِ أنيابٍ حادةٍ تغرسُها بلا هوادةٍ في يدي اليُمنى بينما أطفو في الحُلم.
اليومُ الرابع، أتشككُ في قدرتي على الإمساك بقلم، لربما حان الوقتُ لزرع ِمزيدٍ من الأصابع على جانبي كفَّيّ الصغيرتين.
اليومُ الخامس: فقدتُ البصرَ بالكُليّة. بحثتُ كثيرًا في خزانة أمي، لم أجد ما فَقَدت، غير أنّي اختبأتُ عمراً بأكمله، ووشت بي قدمان صغيرتان لم أتمكن من حشرِهما في حذائها باللون الأحمر.
اليومُ السادس: يتساقطُ جلدي قطعةً تِلو الأُخرى، أُبلغ الجيرانَ عن رائحةِ شُواءِ لحمٍ بشري تنبعثُ من فُوهة مطبخي. لم يحضر أحد.
اليومُ السابع: تنزلقُ قدمي في فُوهةٍ باللونِ الأزرق تبتلعُ كلَّ شيء، يكتملُ الخَلقُ ويغمرُ الكونَ صفيرٌ يُعطل الأذنين.
تخابرُني المُحررة مرةً أُخرى،
أتناولُ الهاتف:
أخبرها أنّي مُتعبة منذُ عشرين عامًا أو أكثر
أتأكدُ من إحكامِ غلقِ ستائر الغُرفة
علَّني أستريح.
أكتبُ إليكَ يا أبي
أكتبُ إليكَ يا أبي لأُخبرك أنّه صبيحةَ اليوم تمَّ إرسال شهادة يُخبرونني بها أنّي قدمتُ سندًا هائلًا للعمل،
تُرى مَن يقدم لي السندَ ذاتَه، وأنا أتعلَّمُ كلَّ يومٍ ببطء كيف أتكىءُ على نفسي.
أكتبُ إليكَ يا أبي بعد أن فَرِغَت جُعبتي من حِيلِ التظاهُرِ كلَّ صباحٍ أنَّي بخير،
وحين يأتي المساء يَنفَضُّ كُلُّ أحدٍ من حولي وأتساقطُ عجزًا من عدم قُدرتي على قُبول الخَسارة.
أكتبُ إليكَ يأ أبي لأُطمئنُكَ أنّي أتناولُ كُلّ صباح بيضةً كاملةً لئلا يُصابُ جدارُ المَعِدَةِ لديَّ بعطبٍ مماثل.
أكتبُ إليكَ يا أبي لأُخبرك أنّي تصادقتُ مع الذُبابةِ التي كانت تحومُ فوق الأسرَّة في غُرفة العناية وأثارت في نفسي ارتيابي القديم من المشفى،
كنا الوحيدتين القادرتين على التحليق وَسَط جثثٍ هامدةٍ تمًّ تبطيءُ سَحبِ الحياةِ منها لأجلٍ قريب،
كان لزامًا أن نصيرَ صديقتين حميمتين الآن، كلانا رأى.
أكتبُ إليكَ يا أبي ففي كُلّ مرةٍ أعودُ للمنزلِ أتعثُر بعصا لكَ تركتها خلف الباب،
أسندُها على حافةِ سريري علَّها تقصُّ علىَّ ما لم تقصه طيلة حياتك من قصص خرافية.
أكتبُ إليكَ يا أبي فقد أذهلتني عدد المرات التي قضيتُها مذ رحيلك مُستغرقةً متفحصةً بشرتي في المرآة،
الجِلد الذي تساقطَ مِنكَ في مرحلتك الأخيرة يبدو أنَّني جمعتُه مرةً واحدةً لأُرمم وجهَكَ بوجهي فلا يُغادر أحدُنا الآخر.
أكتبُ إليكَ يا أبي لأنِّي تعاركتُ اليوم مع أخي حين فَقَدَ فردةَ جوربِه المُفضل،
وحين بحتُ له أنّه يُمكننا ارتداءُ جواربك انهار باكيًا،
لا أحد يُريدُ السيرَ في حذائك يا أبي، الحذاء ضيِّقٌ للغاية.
اكتفي بارتداء جوربك الرمادي،
استعيضُ بزهراتٍ خضراء متناثرة بامتداده عن كُلِّ محبةٍ ممكنة كان يُمكن أن تنمو بيننا.
أكتبُ إليكَ يا أبي لأخبرك أنِّي انتهيتُ من قراءةِ كُلِّ ما كُتِبَ عن الفَقد ولا زلتُ لا أعلمُ على وجه الدقة ماذا فَقدت؟
أكتبُ إليكَ يا أبي لأشير بسبابتكَ إلي موضعٍ في سُويداءِ القلب انغرس به وتدٌ مُدببٌ أخشى أن أتحرك فيتعمَّقُ الغرس، وأخشى ألَّا أتحرك فيتعفَّن الجُرح بداخلي.
أكتبُ إليكَ يا أبي لكى أُعيدَكَ إلى الحياة،
أو لأعيدَني إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق