الأربعاء، 29 أغسطس 2018

طفلٌ عاق- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 29 أغسطس 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة للشاعرة المصرية- ريهام عزيز الدين 2018

طفلٌ عاق

ماذا أفعل بطفلٍ في السبعين لم يُصنع علي عيني،

لم يتناول طعامه الذي وضعته علي المائدة.

حين كررتُ علي مسامعه السُمّ الذي تم تلقيني إياه:

“اشرب اللبن علشان أحبك”،

اتسعت عيناه،

تناول الكوب مني، 

التقم الثدىّ البلاستيكي أفرغه دفقةً واحدة،

انتظر حتي ارتسمت على وجهي علامةُ ارتياحٍ مؤقت،

بصق في وجهي كلّ ما ظننتُ أنّي نجحتُ في حشره في فمه.

ماذا أفعلُ بطفلٍ في السبعين؟

يصحو كلّ يومٍ لايتذكر البارحة ولا يتذكرني!

بالأمس سقط مني في طريقِنا إلي الحمام المُجاور لغُرفتي،

ساقاه الطويلتان عبثتا بي،

ظننتُ أنّه قادرٌ اليوم علي الخطوّ أولى خطواته لاكتشاف العالم.

أىّ عالمٍ ينتظر طفلًا في السبعين عاق،

 يبصقُ الحليب في وجه أمه المكلومة عليه.

لم يكن هناك عالمٌ ينتظرنا.

كانت الحياة تعيدُ دورتَها من حيث ظننتُ أنها تنتهي.

ماذا أفعلُ بطفلٍ في السبعين؟

كيف سأقيس نموه هذا الصباح؟

هل سأطلب منه أن يقف علي باب المطبخ،

ويرسل أمرًا عسكريًّ الجنودِه النائمة بعموده الفقريّ فيقف مُنتصبًا!

أىّ كرسىّ سيجعلني أبدو أطول منه!

ليس لدىّ حائطٌ يُمكنني تعليقنا عليه.

أزالت أمي كلّ ما يستدل علينا في البيت الجديد.

ماذا أفعلُ بطفلٍ في السبعين؟

سقط مني البارحة

شُجت رأسُه

لازلت انظر إليه متكومًا بداخل المنشفة

في البدء، كنتُ أظن أنني ألده

وأنّ تلك هي اللحظة التي أمنحه فيها ثدي كى يتكون رابطًا أبديّا بيننا.

ارتبك،

تتشوش الرؤيا

فلاممرضات يحملن إلىّ الخبر السعيد،

ولاطفل تمنحني عيناه سَكينة و أرض أتجذّر بها.

تأتي النجدة

يتم توجيه أصابع الاتهام نحوي

لا أصلح أن أكون أمًا

أنظر إلي أصبع يستطيل ويكشف أسوأ مخاوفي.

ارتبك

انتزعوه مني

أودعوه أحد مؤسساتِ الرعايّة.

في ليلة الغياب الأولى،

كان السرير يتسع لشخصين

نمتُ علي الجانب الأيمن كما أحب،

لأتمكن من النظر إليه على الجانب الآخر

لم يكن هناك سوى بقايا حليب،

يُذكرني بأنه تقيأ محبتي

وفراغًا يتسع

أحاول أن أُحجمه من ناحيةٍ بحائطٍ قديم

يحملُ علاماتِ نموّ طفلين

أحدهما في الثامنة

على بابِ مطبخٍ قديم.

من ناحية أخرى،

أقف عارية الثديين،

أتحسس إمكانية تدفق الحليب تارة أخرى،

لربما سيعيدونه إلىّ في الصباح

سأخبره أنه لا يوجد حليب

ويمكننا تناول شيء آخر

وليكن بعضًا من الحياة علي سبيل الرغبة.

سأخبره أني أتساقط تعبًا

أنهكتني الحِيل،

وأنّ عيناىّ  ابيضتا حزنًا

وأنّي لاأعلم كيف أكون أمًا لطفلٍ في السبعين،

وأنّي لست غاضبة،

وأني- برغم كل شىءٍ- أحبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق