الثلاثاء، 5 أبريل 2022

مسرحية "أليس في موقف المنيب" تفوز بمنحة إنتاج المورد الثقافي- 2022

 مسرحية "أليس في موقف المنيب" تفوز بمنحة إنتاج من مؤسسة المورد الثقافي 


"فازت مسرحية "أليس في موقف المُنيب" بمنحة مؤسسة المورد الثقافي لدعم الثقافة والفنون. المنحة المُقدمة هى ضمن برنامج المنح الإنتاجية في دورة عام 2022. يهدف برنامج المنح الإنتاجية إلى دعم وتشجيع جيل جديد من الفنانين والأدباء من المنطقة العربية، وذلك بدعم مشاريعهم الإبداعية الأولى في مجالات الموسيقى والسينما والأدب والفنون البصرية وفنون الأداء. 


استلم فريق البرنامج 424 استمارة تقدّم، اختارت منها لجان التحكيم 27 مشروعاً. جاءت مسرحية "أليس في موقف المُنيب" ضمن الخمس مشروعات فنية الفائزة بمجال الأدب.


مسرحية "أليس في موقف المُنيب"

دراما فانتازيا كوميدية باللغة العاميّة المصريّة المعاصرة. بعد أن تنبّه مطوّرو فايسبوك إلى أنّ المصريين يميلون لاستخدام “لغة” لا يفهمونها ولا مرجعية لها في نظام تحليل البيانات لدى الشركة الأم، يتمّ تصميم الروبوت الاجتماعي فائق التطور “أليس” وإرسالها في مهمة لجمع أهم ما يميّز اللغة العاميّة المصرية ودراسة الأنماط السلوكية التي تميّز الشعب المصري حالياً. يقع خطأ في التجربة، ويتمّ إنزال الروبوت في منطقة “المُنيب” وهي منطقة شعبية وتعدّ المحطة الأولى لاستقبال القادمين من المحافظات الأخرى للقاهرة المكتظة، كما ينقطع الاتصال مع الشركة الأم لتبدأ “أليس” بمفردها في استكمال مهمتها.


مؤسسة المورد الثقافي هى مؤسسة إقليمية غير ربحية تأسست عام 2003، تسعى إلى دعم الإبداع الفني في المنطقة العربية وتشجيع التبادل الثقافي داخل المنطقة وخارجها. يستند عملها على تقدير قيمة التراث الثقافي المتنوع في المنطقة العربية والإيمان بالدور المحوري للثقافة في تطوير المجتمع المدني وبأهمية إتاحة الثقافة للجميع، وبحق الفنانين في حرية التعبير.
****

ماقالته لجنة التحكيم:

شملت لجنة التحكيم أعضاء وعضوات من العالم العربي، هم/نّ:

لجنة التحكيم:

سمر حداد،  سوريا/ ناشرة
نوارة لحرش، الجزائر/ كاتبة
وجدي الأهدل، اليمن/ كاتب ومحرر

وجاءت أراء لجنة التحكيم في الأعمال المٌقدمة للدورة الحالية، كما يلي:

“تجربة التحكيم كانت ممتعة بكل المقاييس. الموجع أن أغلب المواضيع المطروحة تتسم بالحزن، وتنشغل في الحروب واللجوء، وهذا يعكس مدى فداحة الوضع الذي يعيشه الشباب العربي.”
– سمر حداد

“شخصياً اِستفدتُ كثيراً من تجربة التحكيم، كما استمتعت بقراءة الاِستمارات والاطلاع على مشاريع طموحة وأفكارٍ واعدةٍ لشباب وشابات من جغرافيات عربية مختلفة، كلهم شغف بالفن والأدب والإبداع.”
– نوارة لحرش

“لاحظت أن معظم المشاريع تحتوي على أفكار إبداعية جديدة ومغايرة لما عهدناه، فكانت المفاضلة بينها أمراً بالغ الصعوبة، وآمل أن ترى النور جميع تلك المشاريع الجميلة التي تقدّم بها الشباب، سواءً تلك التي فازت أو لم تفز.”
– وجدي الأهدل


 

الجمعة، 21 يناير 2022

إيمانٌ صباحي

إيمان صباحي

نصٌ منشور بمجلة أوكسجين، وصفه الروائي والكاتب السوري "زياد عبد الله"، بأنّه نصٌ مدهش.

عدد 269.


الصورة من أعمال الفنان الباكستاني أنور جلال شيمزا (1928 – 1985)


إيمانٌ صباحي


تعتريني رغبةٌ في الإيمان كل صباح، الإيمان الذي بإمكانه تصديق كل ما تضعه أمامي على مائدة الفطور، وأنّ حبات الطماطم تبتسم في وجهي، وأن الفول كان يبكي بانتظار أن أستيقظ سريعاً لأتناوله، وأنّ كلّ ما أخبرني به عقلي حول رحلات أثيرية لتوائم الروح حدثت لي في النوم، وأنّ ريتشيل في رواية فيرجينا وولف "رحلة الخروج" تنتظرني بنفاد صبر لتخبرني أنها ستجد الحب في نهاية الفصل السابع والعشرين، وأن بإمكاني فقط البقاء قليلاً بعد أن قطعت شوطاً لا بأس به في القراءة بوصولي للصفحة 199!

ها هي تعدني بأن قلبها يتفتح على مهل، فلأبقى معها إذن لبعض الوقت، ولا أُمارس الخيانة ببدء القراءة مع ايلينا فيرانتي وكلّ هذا الصدق في حياة البالغين الكاذبة!

أؤمن بالله بالطريقة القديمة:

 أتوضأ وأقف باتجاه القبلة، وأحاول أن أوجّه عقلي نحو الكعبة المتخيلة التي تقف بين قدمي، غير أن عقلي يراوغني وأفكر بفرجي.

أُدرب نفسي على الإيمان بقراءة كل الكتب المقدسة، وبعض الصباحات تدفع للاعتقاد أن كل شيء قابل للتصديق والاختراق بمسام جلدي، وله أن يجد متكأً في شرايين جسدي.

في صباحاتٍ أخرى أشعر أني استنفدت رصيدي السابق، أفلتُ روحي خارج دفتيّ كلّ كتاب، حتى وإن كان مقدساً. أمدُّ قدمي بتوجسٍ خارج دفتيّ كتاب، أُودّع أحرف القداسة بعينين مراوغتين، لن أخبرها بأكاذيب الأمهات، ولا بوعود الآباء التي ستتكسر بالعودة لاحقاً.

أقفز خارج الكتب المقدسة، لا تجد قدمايّ أرضاً. أتعلّم يوماً بعد الآخر، وفي الصباحات اللاحقة، يمكنني أن أطفو لبعض الوقت.

في الصباحات التالية، تراودني زخاتٌ أثيرية للإيمان. أؤمن ببائع البطاطا في الشارع المقابل، أبتاع منه ثلاث حبّات متخمة بالدفء المرتقب.

لست موقنة أني سأتناولها جميعاً! أعلم أن فمي يبدو جائعاً غير أن معدتي بحجم قبضة اليد.

أحب أن أمنحه بعضاً من الطمأنينة بأنه لن يعود في نهاية اليوم خاوياً.

في الصباح أؤمن بصوت معلمة تقف أمام سبورة باللون الأسود تقطِّع حبالها الصوتية نعيقاً أمام حفنة من الأطفال ينظرون إليها بشغف ويقين أن كل ما تخبرهم به هو مفاتيح العالم بأكمله.

أؤمن أن الصباح يمنحها القوة الكافية كي لا ترتبك وتنظر بشفقة إلى تلك الطفلة ذات الثمانية أعوم التي تخبرها أنها رأت صورة المسيح بالأمس وأنها لا تستطيع أن تخبر والدها فقد انتهى من قراءة القرآن للتوّ وأخبرها أن تقف بجانبه على سجادة الصلاة.

يمكن لتلك الطفلة أن تضحي بمسيحها شريطة ألا تفقد محبة والدها الذي سيرحل مجدداً في صباحاتٍ لاحقة، غير أنها لن تفقد إيمانها بأن معلمتها ستخبرها كيف يدفنان سرهما القديم كي يمضي صباحٌ آخر مُترعاً بالإيمان!

في الصباح، أحاول كثيراً أن أؤمن.

حين يأتي الليل، تخفتُ كل أصوات الإيمان الزاعقة، حتى تلك التي تمرنتُ عليها، تتفتتُ إلى سائل زئبقي يتوارى في منفى بعيد.

تبدو الحياة خاويةً، تزداد الشوارع اتساعاً بعد أن أرسلت كلّ المؤمنين لديارهم آمنين.

يخبو صوت اللهاث الصباحي، تستكين العربات التي تقيأت الوسخ طيلة النهار بينما يكور المؤمنون أطرافهم الأربعة بداخل أقفاصهم الحديدية لاهثين خلف مطاردة لامرئية.

أنظر لراحة يدي، أكتشف خريطة لم أرها من قبل، تشير لي بالسير خلف خطوط الكف الرقيقة، تلتئم مع خصلات تمردت على ضفيرة بُنية أنقذتها ذات صباح من إيمان يتوعّد بالقص والعقوبة.

طريق هشّ يحملني برفق، وتستحيل كافة محاولات الإيمان الصباحي لصورة مُغبشة لامرأة لربما لن ألتقيها بعد اليوم.

أطفو بخفة ريشة سقطت للتوّ من حمامة رمادية، تحلق فوق وجه الماء.

تنظر إلي سريعاً، تنقنق، تبتسم. أسير وراءها مُغمضة العينين. هسهسة الريح حين تلامس أوراق الشجر، تستقبلني بحفاوة. ثمة يدٌ تتلقفني بطمأنينة، يدٌ لاوجه لها، لا قدمين، لاجسد.

ينسلّ عني كل ما ليس لي.

أعانق اليد.

تمتلىء العتمة بنقاطٍ من ضوء أزرق لا يتصل. تسبح. تقترب. تنظر إلي، أراها تبتسم.

تغادر، وتنفلتُ روحي طرباً.


 

الأحد، 26 ديسمبر 2021

عُلا أبو الشلاشل ...عن هذا الغضب الجميل الذي غادرنا سريعًا !

عُلا أبو الشلاشل....عن هذا الغضب الجميل الذي غادرنا سريعًا !

مقالة توثيق لتاريخ معاصر لنسويات مصريّات تركضن مع الذئاب.

المقالة منشورة على موقع شريكة ولكن، وهو موقع معني بقضايا النساء في لبنان، العالم العربي، ومنطقة شمال أفريقيا.


صورة عُلا أبو الشلاشل- صورة أرشيفية- ويكي الجندر


في المقالة السابقة من استكشاف تجارب وحيوات لنساءٍ حولنا ينتمين لقبيلة معاصرة من نساء "يركضن مع الذئاب"، ألهمتنا تجربة غادة عبد العال وتقاطعها بكل عنادٍ مع فيض الحياة الحالي. أما في المقالة الحالية، فنتتبع وجه مصري آخر، قادني إليه تتبعي لخريطة الغضب بداخلي، ولم أكن أعرف ما الذي سألتقيه في محاولتي لكرّ الخيط، غير أني التقيت "عُلا أبو الشلاشل".

من هى علا أبو الشلاشل؟ وما هى نقاطها وخطوطها التي منحتني اتساعًا في الرؤية وتعريف الغضب على الرغم من بعد الشُقة بيننا، ما الذي يعنيه الغضب النسوي؟ ولماذا نحن بحاجة أن ندون عن قبيلتنا المعاصرة وبخاصة في العشر سنوات الأخيرة؟

 

 هل النساء- إجمالًا- غاضبات؟ أين يذهبنّ بكل هذا الغضب؟

ثمة فرضية أن كونك امرأة وتعيشين في الشرق الأدنى، فذلك يعني أنك غاضبة بعض الوقت، وإذا ما تفتح وعيك النسوي، فستصبحين غاضبة كل الوقت. تطل علينا الصورة النمطية عن النسويات كونهن غاضبات هستيريات، يصرخن بينما يتقدمن في مسيرة للمطالبة بالحقوق المنتهكة. ذلك أفهمه في سياقه، فالمسيرات ونضال الشارع يتطلب الصراخ. كما أفهم ايضًا أن الصراخ في حد ذاته عنصر مكون من الثقافة العربية، نحن نستخدم الصوت باعتباره أداة للقوة والسيطرة واحتلال الهواء وفرض الرأى وإخراس الآخر إن تطلب الأمر، هذا إرثنا المشترك الذي نود أن ننسلخ عنه بكل طريقة ممكنة.

أتذكر تلك الصديقة التي تقاطع مسارها معي في بلد بعيد، وأخبرتني بحيلتها كيلا يتملك منها الجنون بالكليّة، "فلتذهبي إلى حفلة لمطرب/ة ما انصهري مع الجماهير ثم أطلقي العنان لأحبالك الصوتية، اصرخي قدر المستطاع، لن ينهرك أحد، لن يخبرك أحد أن صوتك مرتفع أكثر مما ينبغي، لن يتم إلقاء القبض عليك لأن صوتك "نشازّا" بين الجموع المُباركة حولك لكل ما تكرهين وتعلمين جيدًا في أعماقك أنك تكرهينه بالكلية. كانت حيلة الصديقة من البلد البعيد منطقية وتتراصف مع الرغبة في التماهي والاختباء والتنفيس في ذات الوقت، فالنساء حتى في غضبهنّ عليهنّ البقاء ضمن ما هو مسموح ومرضي عنه ومتفق عليه، ألا يتوحشن، ألا يخرق الصوت أذن أى نوعٍ من السلطة المرهفة التي تود إبقاء كل شىء على ما هو عليه حتى يرث الله الأرض وما عليها. ولكن كيف يمكن أن نكون نسويات وغاضبات في واقعنا اليومي حين لاساحة، لامسرحٍ ، لا شارع للتنفيس عن كل هذا الغضب الذي يتكتل في عظامنا!

أكره التأطير الضيق لفعل الغضب كسُبّة للنسويات، فهناك فرق هائل بين الغضب والعدائية، أما الأول فهو مشاعر انسانية يمكنها أن تكون بوصلة لكى نتصل بذواتنا التي تخبرنا أن فورة الغضب تعني ان في تلك اللحظة المفعمة بالتأجج ثمة شىء ما تمّ انتهاكه، هنا الغضب يأتي حماية وإرشاد لكى نعدّل المسار نحو ما يعيد إلينا الاتزان وضرورة إعادة ترسيم الحدود لما نرفض تمريره أو الموافقة عليه.أما الكراهية والعدائية هى رغبة تدميرية في سحق الآخر، ووجود تلك الرغبة وعدم الوعى بها يعني التماهي مع نفسية القاهر، يصبح الفرد مثل الشخص الذي أساء إليه، إذا ما امتلك السلطة يتحول بها مباشرة نحو "النسخة الهشة منه" هنا تصبح قوة الغضب إكراه وعدائية وتدمير، لأنها تتحول لسوطٍ ضمن عدّة القوة فيبطش ويفتك بمن لا يمتلك نفس الأداة/ الحق في النديّة أو كفّ الأذى. فأين تذهب النساء بكل هذا الغضب إذن؟ اتعثر بنساء حولي يحولن الغضب إلى ممارسة تأملية وفق الثقافة البوذية التي تتسلل إلى المجتمع المخملي المعاصر منذ عدة سنوات، اعترف أني أتورط بها بعض الوقت، لا بأس فهى تمنحني لقدرة التي احتاجها لتأمل لالم بداخلي دون أن أتورط فيما يحدث في العالم لذي يفوق قدرتي على التغيير. أتعثر بدعوات مستمرة للنساء أن يقمن "يتحزموا ويرقصوا". أردد بيني وبين نفسي "طيب حاضر" بينما صوت ساخر بداخلي يعلو "ما بكفاية بهجة وبهججة واصطناع سعادة وإيجابية سامة مش في محلها" غير أني اخمده بكثيرٍ من الرفق والرحمة، فبت أكثر اتساقًا مع أن البعض يحتاج إلى فقاعة وهم من حين لآخر، ولا بأس أيضًا.

بينما أتتبع خريطة الغضب بداخلي ومحاولات تعتيقها ، وقع في يدي كتاب لفنانة بصرية  مصرية نبتت روحها من ثورة يناير لم أعرفها من قبل غير أن الصفحة الأولى جعلتني أشعر أن وجدت شيئًا يستحق التوقف. الجملة الأولى في الكتاب تخبر القارئ/ة :

"هذا كتاب أنتجته في أحد لحظات غضبي الكبرى".[1]

ثم يتوالى الكتاب على لسان صاحبته "علا أبو الشلاشل" بقولها:

"في وقتٍ ما في 2014، في وسط نوبة غضب حادة لقيت معايا كراسة وماركر أسود للتنفيس عن الغضب، بدأت أرسم نقط وخطوط جنب بعضها. بعدها بدأت أتخيل الغضب وأرسمه. الكراسة اتحولت لمذكرات مرسومة، وثقت 3 شهور ونص. الكراسة رسمت لنفسها بداية ونهاية، يوم ما دخلت حياتي ويوم ما خلصت صفحاتها."

نقاط وخطوط- مذكرات مرسومة- عُلا أبو الشلاشل 2014

 

أعادت تلك المقدمة إلى ذاكرتي كتاب "حين يتملكها الغضب" الكتاب الحائز على لقب "أفضل كتاب لعام 2018" من قبل الواشنطن بوست، فاست كومباني، سيكولوجي توداي للكاتبة  والناشطة النسوية الأمريكية "ثريا شيمالي".  وبخاصة في بحثها الهام حول علاقة مشاعر الغضب لدى النساء وقدرتهنّ على الإبداع، بقولها: "هناك اعتقاد خاطئ أن الغضب يجب أن يتحول لفعل تدمير وخراب وعنف، في حقيقة الأمر أن مثل هذا التعريف الضيق يمكننا أن نراه يأتي بوضوح من مُخيلة ذكورية تبحث عن العراك المستمر. أما ما يحدث في عالم النساء فهو أن غضبهنّ يتحول إلى طاقة هائلة للإبداع والتي تفصح عن نفسها في قدرة النساء المبدعات على توليد الفن بكافة أشكاله، وليس ذلك فحسب بل بناء مجتمعات تشاركية."[2]

هل كانت "عُلا" تعتق الغضب وتغزله أيضًا عبر فنها وحياتها؟ كيف؟

عُلا: من الغضب الشخصي- إلى العام، من العام إلى الشخصي.

أخبرت عُلا عن ولادتها لنفسها تراصفًا مع ثورة يناير 2011، بقولها:

"يوم 31 يناير، ابتديت ساعتها يجي لي أحلام بتاعة اللي هو طب أنا على مستوايا الشخصي، التغيير دا ممكن يؤثر عليّ أنا إزاي؟ إيه الحاجات اللي هتتغير اللي ممكن تؤثر عليّ أنا؟ يعني ممكن مثلا أمشي في الشارع من غير تحرشات طول الوقت مثلا؟ دا تغيير.

ممكن مثلا إجراءات القسم تبقى أرحم؟

ممكن أعمل بطاقة من غير أبقى مقلّقة 7000 مرة ونازلة والموضوع تقيل جدا على قلبي؟

لو، ما أعرفش يعني، كل الحاجات اللي لها علاقة بحياتي اليومية والمجتمع والحكومة ابتدت تنط كدا شوية في راسي. فابتديت اللي هو طب ما هي دي حياتي.

بس ساعتها كان برضه مش منطقي بالنسبة لي إن ما أبقاش جزء من الناس اللي بتغير حاجات هتؤثر عليّ أنا في الآخر.

فلو أنا عايزة أكون موجودة، فأنا لازم أكون موجودة فعليا مش موجودة باللي هو، آه أنا معاكو تمام، انزلوا انتو بقى".[3]


ظهر وجود عُلا في المجال العام بانخراطها كفاعلة وشريكة في عدد من المبادرات المجتمعية التي شكلت عمق الوعى النسوي في العشر سنوات الأخيرة وفترة الفوران الثوري على وجه الدقة، فشاركت كفنانة بصرية ومؤدية وعملت كمصممة جرافيك، ومصممة مواقع ورسامة ومحررة ومترجمة وممثلة وحكّاءة. تطوعت في مشروع جرافيتي نسوي في القاهرة في عام ٢٠١٢: طرح المشروع تساؤلات عن مدى ظهور كلمة "نسوية" وحاول أن ينقل تلك التساؤلات للفضاء العام. عملت "عُلا" مع نظرة للدراسات النسوية، إختيار للدراسات الجندرية، ويكي جندر و مشروع بصي.  أعادت تقديم غضبها ووعيها النسوي المتدفق من خلال فن المسرح، من خلال مشاركتها كممثلة وحكّاءة وحكاية ضمن مشروع "بُصّي" وهو مشروع فني يهدف إلى خلق مساحة حرة للسيدات والرجال في مصر لحكى التجارب الشخصية المسكوت عنها في المجتمع، تقوم بصى منذ 2006 بتوثيق وعرض القصص الحقيقية في شكل عروض مسرحية، في مجتمعات مختلفة فى مصر. لم تكتف "عُلا" بكونها مؤدية وحكّاءة، بل اختارت أن تؤسس لحكاية إبداعية أخرى عن طريق إطلاق وتأسيس مِشبّك، وهي منصة إبداعية محلية لربط وتشبيك جميع الفنانين/ات المصريين/ات عبر مساحة افتراضية للوصول بسهولة ويسر لكل ما يلزم لإتمام أعمالهم/نّ الفنية، انتزعت تلك الحكاية فوزًا مستحقًا عام 2012 بحصولها على جائزة القاهرة للتحول الثقافي[4] ولا زالت فاعلة حتى الآن. شاركت في توثيق الانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها النساء في المسيرات أثناء ثورة يناير 2011 من خلال عرض "على الثورة أن تكون نسويّة"، والذي عُرِض في عام 2016 ما بين القاهرة والسويد.

بالرغم من عدم تقاطعي معها في الحياة، إلا ان مثل تلك الروح المُغامرة الحرّة الجريئة الراكضة رغم أنف الذئاب والحياة بمنعطفاتها، تستطيع دومًا أن تُحلّق عبر كل الضفاف، وكيف لا وهي التي أخبرتنا عبر واحدة من رسوماتها، ألا نتوقف عن الغضب والإبداع في آنٍ واحد، ورؤية أن هناك إمكانية لحكاية أخرى بأعينٍ ترى مالايُرى!

رسم أرشيفي- علا أبو الشلاشل – إنكتوبر 2016

 

في الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي حلّت الذكرى الرابعة لرحيل الفنانة البصرية المصرية والناشطة النسوية "علا أبو الشلاشل". لم تحتفي بها جوجل، ولا وسائل التواصل الاجتماعي، لربما كان الأمر مقصورًا على دائرة ضيقة من الأصدقاء/ ات وشركاء/ات العمل المُلهم خلال رحلتها التي غادرتنا سريعًا. لابأس، لدىّ كتاب "نقاط وخطوط"، وفي في التاسع والعشرين من الشهر الحالي، سيحل يوم مولدها. فلنعيد تأريخ ذاكرتنا النسوية الجمعية لكيلا تتحول لطقوسٍ جنائزية، فلنحتفل بكل الملهمات في يوم مولدهنّ، فلنعبر إليهنّ بكل تجربتهنّ في تذوق الحياة ومحاولتهنّ لترويض الغضب بداخلهنّ. فليتحول التاسع والعشرين من أكتوبر احتفالًا بكل ما خلّفته "عُلا أبو الشلاشل" التي يبدو أنها نجحت في تعتيق كل هذا الغضب في فنٍ جميل وبكل طريقة ممكنة لعالمٍ أرحب خارجها، وأن قدميها أينما حلّت أنبتت حياة.

 

علا أبو الشلاشل- سلام وروح وريحان- صورة أرشيفية من مجموعة مشبك



[1]  أبو الشلاشل. عُلا. (2014). نقاط وخطوط- مذكرات مرسومة. متاح على الرابط: https://genderiyya.xyz/r/2/2d/%D9%86%D9%82%D8%B7_%D9%88%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7_-_%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D9%85%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%A9.pdf

تمّ زيارة الرابط بتاريخ: 10 أكتوبر 2021.

[2] Cain. Abigail quoting Chemaly, S. (2018). How rage can lead to creative breakthroughs. Available at: https://www.artsy.net/article/artsy-editorial-rage-lead-creative-breakthroughs

Retrieved on 10th Oct., 2021.

[3]  بودكاست مقابلة مع عُلا أبو الشلاشل: المرأة الذاكرة. (2015). متاح على الرابط: https://audioboom.com/posts/3544251-. تمّت زيارة الموقع بتاريخ 10 أكتوبر 2021.

[4] مشروع نسوية. بيوغرافيا. متاح على الرابط: http://www.womanhood-egyptian-kaleidoscope.com/biographies. تمّ زيارة الموقع في 10 أكتوبر 2021.


الجمعة، 10 ديسمبر 2021

تُفاحتا آدم- قصيدة

 تُفاحتا آدم

قصيدة منشورة بجريدة أخبار الأدب، الصادرة عن الهيئة المصريّة العامة للكتاب بجمهورية مصر العربية.

عدد رقم 1481 


تُفاحتا آدم

أخبرنا المعلمُ أنَّ آدم لم يبتلع التفاحةَ كاملةً  

بَقيت خطيئتُه مُعلقةً في عُنقه

ولا سبيل للمغفرةِ على ما ارتكب!

هممتُ بالسؤالِ: هل تشعرُ التُفاحةُ القابعةُ في عنقِ آدم منذ بِدءِ الخليقةِ بالملل؟

يومًا ما سيبتلع آدم ريقًا كاملًا

يتجرعُ عصيرًا طازجًا من حباّت العُنب

لربما لَفظَ التفاحةَ خارجَه أو دفعها دفعًا لتستقر في أعماقه ولا تشي به مجددًا

بَقى آدمُ مُعلقًا من عنقه بخطيئته

وبَقيت الدهشةُ مُعلقةً في رأسي للأبد.

 

حين تكوَّر ثدياي ذات صباح

ظننتُ أنّي ابتلعتُ الليلةَ الفائتةَ مع كوب الحليب تفاحتين لا واحدة!

بكيتُ كثيرًا حين تأملتُ عُنقِي أخواي، تستقرُ التفاحةُ في منتصف العُنق تمامًا

بينما تفاحتا آدم لديَّ ضلَّتا الطريق.

 

في البدء حشرتهما حشرًا في رداءٍ قطنيٍّ كيلا يشيان بخطيئةٍ مُحتملة

كطفلين وُلدا للتوِّ لم يَكفَّا عن الصراخ إعلانًا للجوع

حين لاحظ الجميع تكورهما بالرُّغم من محاولاتِ الإخفاءِ المضنية

أخبرتني أمي حينئذ أنَّي ما عدتُ أنتمي إلى عالم أخواي

لم أعرف أحدٌ في عالمي سوى أخواي، 

ولدين يكبرانني بعدة سنوات ولدينا خطايا سريةٌ مشتركة.

 

أقفُ بمُفردي في عالمٍ أجهلُه بالكُليّة

غير أن أمي طمأنتني أنه مٌترعٌ بالدماء.

 

نَبَتَت أسفلَ أظافري كراهية

وددتُ لو أستطيع زحزحتهما قليلًا ليعودا للعنق 

فأعودُ لعالمي الوحيد الذي أعرفُه.

 

في مُربعٍ ضيقٍ يقفُ كلاهما ينظرُ للآخر بطَرَف عينه 

محاولاتٌ متتالية لإسكاتِ مخاوفَ ستُطِلُّ برأسها لامحالة

ينهمكان في تَفحُصِ أرضيَّة المصعد المُعلَّقِ بين عالمين

تقتربُ منه خُطوةً واحدة

تَكشفُ عن عُنقه

تُقبلُه في المنتصف تمامًا

تومضُ ذاكرتُها بعالمٍ صبيانيٍّ مُحبب، ودَّعته بقُبُلاتٍ

تنثرُ فوق رأسه تُرابًا يمنحُه طقوسَ قوةٍ عابرة

يُخبرُها أنه أحبها منذُ أزمنة.

 

يصلُ المصعد

يتحسسُ كلاهما السير في حديقة أنبتت للتوّ

تبتلعهما الأغصان الباسقة

تضغط على يده بخوفٍ طفوليٍّ قديم

يمنحُها وعدًا بألَّا يتيها مجددًا في عوالمَ لا ينتميان لها

يُقسمُ بالقُبلة المختومة بعنقه بالبقاء

تبتسمُ وهى ترى خطيئته تتجسد ثانية

رأت قبل أن يرى

الحديقةُ، لا تتسع

تُفلتُ يده

تركضُ خلف تفاحتين سقطتا للتوّ.

****

اللوحة المصاحبة للفنان المصري جميل شفيق


الأحد، 5 ديسمبر 2021

لا تحدق في عينيّ جريح- قصيدة

 لا تحدق في عينيّ جريح

قصيدة منشورة في مجلة أوكسجين

العدد 268


تحذرنا أسطورةٌ هندية قديمة من النظر في عيني غزال جريح!

يُقال إن الطريدة لا تغمض عينيها، بل تحدق طويلاً في عيني قاتلها.

المقلتان المتحجرتان تلتقطان انعكاس الخوف ثم تعتقه بأناة.

تحذرنا الأسطورة من النظر طويلًا في عيني من يحتضر،

سنرثُ عنه سره القديم،

وندبته التي أخفاها بحذق

ستلتصق كجُرح سكين أسفل العين اليمنى، كوصمة أبدية.

سيعرفها القليل من العابرين

الحاملين لندبة ورثوها للتوّ

جراء التحديق في عيني جريح.

الأسطورة الهندية تخبرنا ألا نطيل النظر في عيني غزالٍ يحتضر،

ستبتلعنا الشفقة، سنرتدُ إلى عوالم أثيرية لن نعود منها سالمين،

سنبدو كمن ابتلع للتو لحظة رعب رجلٍ آخر

يقف أمام غزال يحتضر

تقطر الدماء من كلتا يديه

مخفياً هلعه من أن يدنو منه

 ويأكله نيئاً.

 

في المساء

يجلس أمام المدفأة

يبكي طويلاً جراء فعلته

وهو يعلم أن الخوف سيتسرب من سرته

ويهوي عليه بقبضته المؤجلة

.............

وكلما غادر مقعده الدافئ

خلّف وراءه بقعة دم

وغزالاً لم يُغمض عينيه.

 

*****

الصورة من كتاب "عند منعطف النهر" للفنان والشاعر السوري إسماعيل الرفاعي، والصادر أخيراً عن "الميادين للنشر".