الخميس، 15 نوفمبر 2018

مسدس

قصيدة منشورة بمجلة "أوكسجين"- العدد 238- نوفمبر 2018

 مجلة "أوكسجين" مجلة نصف شهرية ثقافية إعداد وتحرير الروائي والشاعر زياد عبد الله.

*****

مسدس



في طريق العودة إلى المنزل يبدو كل شيء بلون براز شخص مريض

حين توقفنا الاشارة الحمراء للعبور نحو الجحيم بعينه

تراودني فكرة أن أوقظك من مخدعك وأنهال تصويباً على كل البشر:

الشخص المتأفف بجوار زوجة لا تخبئ كراهيتها في العربة المجاورة

عامل "الدليفري" المنخرط في سماع أغانٍ ليهز أوتار الخواء بأي فعل أو إعلان للوجود

أطفال يحشرونن روؤسهم حشراَ في نوافذ العربات ليمارسوا فعل الشحاذة

امرأة تقود عربة فارهة بمفردها يتدلي من شفتيها سلك أبيض تختلس عبره ضحكة بين الفينة الأخرى.

سأفرغ معدتك فيهم جميعاً

و سيشكرونني لاحقاً علي جميل صنيعي.

أخرجك بالفعل من حقيبتي،

أنهزم أمام اكتشافي المتأخر للجبن

أصوبه نحو نفسي

يخترقني صوت السائق هل يتوجب عليه أن يسير يمنة أو يسرة؟

أصل المنزل في تمام الساعة التاسعة،

وصول مبكر يليق باستقبال الثقل فأنا لا آوي إلى الفراش قبل الثانية عشرة

إذن هي ثلاث ساعات سنقضيها سوياَ

أضعه أمامي

أدور حوله في دوائر يقصر و يطول قطرها.

أشعر بتنميل خفيف يزحف في قدمي.

أستريح

أعدل جلسته ليتمكن من رؤيتي و أتمكن من النظر في فوهته.

تمنعني هشاشتي وخيبتي من استخدامك.

وتمنعك صلابتك في ممارسة مزيد من القسوة عليّ

يمتد الصمت بيننا طويلاً

تختمر في رأسي فكرة مدهشة

بدلا من أن يصوب أحدنا سهام الترقب نحو الآخر

فلنعقد صداقة مؤقتة

لكن كيف سنبدد الوقت بعبء الصداقة المؤقتة

سأخبرك بما أجيده

سأقص عليك حكاية

وسأسألك أن ترسمها علي هذا الجدار الأبيض

فاستمع جيدا.

لنرسم بالطبشور عل الحائط جسد رجل ..لنقل إنه في السبعين،

ارسمه طويلاً ذا شعر كثيف وعينين عسليتين

بل ارسمه طفلاً في الثامنة

كُسرت للتو لعبته المفضلة فشعر بالوحدة

بل ارسمه كبالون باللون الأصفر أفلته نفس الصبي فلم يلمس أرضاً قط.

لا تضحك عليّ كثيرا

أنا أحاول مساعدتك

فلنعد للبدء

ارسمه رجلاً طويلاً

في السبعين

شعر كثيف

عينان عسليتان

ارسمه وحيداً

يتحسس جراب مسدسه بين الفينة  والأخرى

املأ تجويفه خوفا

لربما تركته أمه يوما ما

ربما تركه الجميع

ربما أنت يا صديقي المسدس، الوحيد الذي لم يتركه

كنت صديقاً وفيا إذن

فلتصنع مكان لك على الرسم أيضاَ

هكذا

تبدو الصورة أكثر وضوحا

رجل وحيد

عيناه عسليتان

يملؤه الخوف

يتحسس مسدسه

اقتربنا كثيراً

لكن لازال هناك ما هو ناقص

شيء حقيقي ناقص!!

لربما شيء حميمي!!

لربما تركناه في خزانة المشفى الخشبية

موقنة أن هناك شيء ناقص في الرسم.

ستأتي أمي بعد قليل

وسيتوجب علينا إزالة كامل آثار الرسم على الحائط

لكن كيف يمكننا إزالة الذي لم يكتمل

فلترسم طفلة في الثامنة

تقف علي باب غرفة أوصدوا بابها جيداً

 تنظر من ثقب الباب

إلى رجل

وحيد

وخائف

ويتحسس مسدسه طول الوقت.

اكتمل الرسم

فلنزيله سريعا

ونغسل أيدينا جيداً

لنبدو أطفالا مهذبين

تفوح منهم رائحة الديتول

ويربعون أذرعهم حول صدورهم  ضرورة الأدب

أمي قادمة

وسيكون لزاما أن أخبرها أنني ما زلت أتقلد المنصب الأول في المدرسة

ليس هذا فحسب

سأخبرها بأنه تمّ اختياري لأداء دور البطولة في المسرحية النهائية

و أني قمت بحفظ النص كاملا غيبا

ستأتي أمي بعد قليل

سأخبرها كل شيء

سيتوجب علينا أن نمحو الرسم من على الحائط

يجب أن يكون المنزل نظيفا

وضيقا

حين يرن جرس الباب

سأهرع إلي الشراعة لأتبين وجهها

سأستعير وجه أبي

وأحباله الصوتية

سأغلق الباب في وجهها جيداً

سأعود منتصرة إلي أبي لأخبره، كي استحق محبتي

أخبره بالفعل

هو لا يراني

لا زال يتحسس مسدسه

هناك بصمة أصابعه و أصابعي و فوهة مصوبة نحوها

فلننتهِ من الرسم سريعا

بل نزيل بأسرع

يتوجب أن يكون كل شيء نظيفا

وضيقا

كمنزلنا

أو كمشفي

اللون الأبيض ينبعث برائحته العطنة من كل صوب

ها نحن ذا انتهينا من الرسم

فلنحتفل

سأطلب مراقصتك

سأعيد توجيه فوهتك هكذا نحو الأرض

سألف ذراعي حول خزانة الرصاصات الممتلئة

أي نوع من الموسيقا تحب أن نرقص عليها؟

آه تذكرت ليس بإمكاننا تشغيل الموسيقا

فأبي يرتبك حين يحضر اللحن

أبي يرتبك حين تحضر الحياة....أو تتخلى عنه

فلنرسم إذن

رجلاً وحيداً

وخائفاً

يرتبك

فيتحسس مسدسه بين الفينة و الأخرى.

أتعلم

لطيف أن تكون من دون أذنين

أنا أيضاً مولودة بعيب خلقي أسماه الأطباء بعد فترة "بعثرة الحواس"

أذني تحتل مكان عيناي، بينما عيناي تتجولان في مكان آخر.

فلنصنع لحناً إذن و ليكن لحنا سرياً

لا اغضب به أبي

ولا أريد أن تنهمر أمي في نوبات بكاء مستمرة جراء اتساخ الجدران

ولأن سجادة الصالون الذي لم ينفتح لأحد لم تبسط بطريقة لائقة

أو لأن اللحن يشي بقصة حب لم نخبرها بها

لنرقص إذن في لحن سري

دقت الساعة

إنها الثانية عشرة

لقد عبرنا يا صديقي

الساعة الثانية عشرة!!

الثقل يعلن حضوره المستبد

المنزل نظيف جدا

وضيق

أنت لا تزال محتفظاً بالعدد ذاته من الرصاصات.

رسمة الطبشور علي الحائط الأبيض لن يراها سوانا

ورجل وحيد

وخائف

يرتبك

يتحسس مسدسه بين الفينة والأخرى.

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

كان طفلًا

  قصيدة منشورة بمجلة أوكسجين عدد 236

مجلة أوكسجين هى مجلة نصف شهرية ثقافية برعاية الشاعر والروائي السوري زياد عبد الله


كان طفلاً في الأربعين خلفت له الحياة تجويفاً أبدياً

وضع الأطباء أحباله الصوتية في كف يده

وحفروا بمناشيرهم تجويفاً في منتصف عنقه

لم يعرف بيديه العاريتين كيف يردم حفرة

استيقظ ذات ليلة

كوّر أطرافه الأربعة

انسل داخلها

لربما صادفه أشرار قابعين هناك سلبوه طعامه وصوته

لربما ارتكن إليها كهفاً آمناً يكفيه نبذ العابرين

لقد ابتعله تجويف عنقه عشرون عاماً أو أكثر.

استيقظت اليوم باكرأ لأسرق سلماً لأصعد إلي عنقه

حين وصلت إلي مبلغ تجويف رقبته

نظرت طويلاً

غمرتني العتمة

هممت بالنداء عليه

لم تتحرك شفتاي

صوتي سقط وأنا أتسلق سلماً لعنق أبي

مددت أطراف أصابعي علني أجده في تجويفه

أصابع كفي يدي صغيرة جدا

وهو يعلم ذلك

أصابعي لا تصل إليه حيث يرقد في عتمته

ليتني استطيع أن استحضر أليس من عالم عجائبها

فتمنحني مشروباً سحريا لتستطيل أصابعي

علًني أصل إليه

أو لربما ستمنحني يداً أخرى تمتد لتربت علي جبينه

وتخبره أني آتية بعد قليل.

فلتخبروه أني أتيت

وأني مارست أولي السرقات

وأولي خيباتي

وطرقي الأبدي علي باب حزنه

وأني أتيت

وبحثت عنه

وعدت بلا صوت ((ه)).

***

كان طفلاً في الخمسين

كان يحلم أن يصنع ماكينة لصنع الآيس كريم

أتاني صوت سيدة تدعي أنها أحبته

لقد ترك لها وعاءاً معدنيا ضخماً و ملعقة خشبية

وحلماً مبتوراً يحول فيه الغيمات إلي غزل بنات

ثم يستخلص السكر من طياتها ليغزل منه حلمه القديم

أتاني صوته يخبرني أن أحمل الوعاء و الملعقة الخشبية

وأن أكمل ما بدأه

صيد الغيمات بلون الحليب

إضافة قطرات من سكر المحبة

التقليب لما يقرب من عشرين عاماً

الاختفاء حتى ينضج المزيج

في كل ليلة أنظر إلي وعاء معدني

وملعقة خشبية

وغيمات تفوح منها رائحة قطن دم متخثر

ولا أجده

أعيد الاتصال بصوت المرأة

لا تجيب

لا أحد يخبرني ماذا أفعل كل ليلة

بوعاء معدني

وملعقة خشبية

وغيمات يتساقط منها هو

لا أحد

أستجمع أطرافي الأربعة

وأتكور في الوعاء

أمارس لعبته الأبدية في الاختفاء.

***

 كان طفلاً في الستين يحلم أن يبني بيتاً

حمل ماء قلبه، أحباله الصوتية في راحة يده

ختم والده من أربعين عاماً من التيه والشتات

استجاب لنداء قلبه في أرض عارية كروحه

غرس قدميه فأنبتتا شجرة صنوبر كبيرة

تقبع على مدخل بيته

خلع عنه كل ما لايشبهه

لم يكن حداثياً، كان يكذب

لم يكن متحضراً، كان يعي أنه يكذب

لم يكن مناضلاً، كان عاجزاً عن أن يكذب.

لم يكن...كل ما ظن أنه هو

أربعون عاماً من التيه

أربعون عاماً يرتدي وجوهاً لا تشبهه.

حفر مقبرة في الباحة الخلفية

أقام حفلاً يليق بالجلد المتساقط عنه

ردم بعظامه المقبرة

في الصباح تحولت لأشجار مانجو تطرح ثمارً لم يتذوقها أحد.

كان طفلاً في الستين يحلم أن يبني بيتاً

يسير فيه عارياً ووحيداً.

***

 كان طفلاً في السبعين يحب الله كثيراً

جمع كل ما آمن به أهل الأرض في حقيبة سوداء

أسكنها أسفل وسادته

يستيقظ كل صباح ليتناول جرعته الإيمانية

يردد في صمت تعاويذ الصبر

يحرك ما تبقي من أطرافه بإيقاع منتظم

يطوف حولها باتجاه عقارب الساعة بلا ملل

أحب الله

وما أحب نفسه

أحب حقيبة الإيمان خاصته

حين منحوني الحقيبة ذات صباح

بحثت طويلاً

لم يكن يحب نفسه

وما أحب الحياة

كان يحب الله كثيراً

كان يحب الموت أكثر.

***

 في الخامسة والسبعين بتوقيت انتظار ما لايجيء

يستيقظ صبيحة كل يوم

ماداً ذراعيه في الهواء

ظهرت السيدة صاحبة الصوت

تخبرني أن أصنع من أصابعي جسراً علًني ألتقي معه.

أتأفف من وجودها بالأصل

أكاد أخبرها

أنه يمد يديه مستقبلاً أشخاصاً قادمين

فلتصمت للأبد

وجودها دوماً غير مُرحب به

أجرجر ساقيّ وأغادرهما

أتعثر بظله حين أهمّ بعبور الشارع

يسحقني صرير عربة مارقة

في تقرير الجثة النهائي

هناك كدمات زرقاء علي الجسد

وعاء معدني ضخم

ملعقة خشبية

حقيبة سوداء

وعبارة كتبها الطبيب

"مصابة بتجويف في العنق...

يبدو أنها فقدت أصابعها في محاولة الإمساك بشيء."

***

الصورة من مجموعة أعمال بعنوان "لوحات العلبة" للفنان والكاتب المصري محسن البلاسي


الجمعة، 5 أكتوبر 2018

سواران من ذهب- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 5 أكتوبر 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة للشاعرة- ريهام عزيز الدين

سواران من ذهب

شاب تشي به سمرة الجنوب  يختلس النظر إلى هاتفه دوناً عن الطريق،

و حين يستبد به الشوق يدير الكاسيت بصوت قلبه المحترق “يهمك في إيه”.

العربة التي تحملنا جميعًا كصلبان خشبية سيتم إحراقها في المحطة التالية،

 تتأرجح بين يدي السائق وتعرجات الطريق،

ومسيح ضل الطريق إلى جذع النخلة علّه يجد ما فقد.

طفلةٌ فقدت دبها المفضل للتو وتبحث بين أرجل الجالسين عن ساقيّ والدها الطويلتين، تعود بخيبة

فتاة لها عينان بلون السبانخ تؤكد للصوت أنها في الطريق إليه، قد يتطلب ذلك ساعة او لربما عامين.

نمر علي صناديق زجاجية تقف بها نساء عاريات،

يخبرن المارة ان هناك تخفيضاً هائلاً علي ملابس الإحرام البيضاء،

بينما يتخشب بها أجساد رجال بلا رءوس بأعين تمّ اقتلاعها للتو.

تمتليء العربة، ثم ينسل الجميع كقطعة صوف يعاد نسجها و تنسيلها آلاف المرات

 دون أن تتحول إلى معطف يقي أحدهم برد قلبه!

في نهاية الطواف، أصل إلى بيت أمي

الطابق الأرضي تمّ تحويله إلى صندوق خشبي ذي قفل معدني صديء مكتوب عليه “يا رب”

أتعثر في ورقة بحجم اليد: تعلن البلدية اليوم عن حاجتها لتعبيد الطريق ليمر سادة جدد.

في كل مرة تأتي بلدية الحي ينسكب سائلاً أسود من فم وحش مهول يمضع مساراتنا المتعرجة ذات طفولة،

محاولات الهرب الأولى، ما تبقى من آثار أحذيتنا على طريق لن يتعرف أحدنا فيه على الآخر بعد اليوم.

تفوح من البيت رائحة كعك تمّ خبزه في صباح عمر طازج

تستقبلني أمي بنظرة معتادة من الغضب والمحبة

نقضي اليوم بأكمله نؤرخ تاريخ العجين

ألقي السلام متأخراً على ما علق مني ومن أخي على جدران البيت

في السادسة مساءا، تستقبل أمي القِبلة لتخبر الله بكل شيء

في السادسة وخمس دقائق، أتحول إلى سوارين من الذهب يستقران حول معصمها

يخبرها الصوت أن صلاتها قد استجيبت

بإمكانها منحي بالكلية لغيبٍ تجهله كلانا

كما يمكنها دوماً أن تستعير عمودي الفقري لتتكأ عليه.

الجمعة، 14 سبتمبر 2018

اتقوسّ- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 14 سبتمبر 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة الشاعرة المصرية- ريهام عزيز الدين 2018

أتقوسّ

أتسابق مع الذاكرة

كيف كنت أبدو قبل ثلاثين يوماً من هنا

أتطلع لصور لفتاة تشبهني كثيراً

يلقبونها بجمرة اللهب

ألصق أنفي بالصورة أتشممني

أشم رائحة جلد يحترق

أتفحص راحة يدي

شراييني تبدو كمواسير بناية عتيقة

 ينشع منها العطن الأخضر

كنتُ اظن أني العصا التي سيتوكأ عليها العالم

و يهش على غنمه

الفعل الوحيد الذي أجيده الآن

 أن أتقوس

أرملة في السبعين غادرها كافة أبناؤها

يتقوس فخذاها

يبس رحمها

تجمد الحليب في ثديها

تقترب من الأرض بلا مقاومة

تخفي الشعر الأبيض النافر من أذنيها بارتداء تربون سميك

تتأكد كل يوم من عدد التجاعيد بين الساعد والإبط

أتسابق مع الذاكرة

تخذلني قدمين منتفختين بفعل انحناءة من كلي معطوبة

من كنت قبل ثلاثين يوماً من اليوم؟

بأي بعض مني كنت أمنح من أحب؟

هل منحت نفسي بالكلية لأحد؟

أي مهنة كنت أمتهن؟

هل كنت معلمة

 تروي قصصاً علي صغار

يتطلعون إليها بعين يملؤها اليقين،

 بينما هي فقط تجمل وجه الحياة!

هل كنت إمرأة هاربة من الجنوب

 تبحث عن أبيها والله في أزقة المدينة!

هل كنت أمًا فقدت جنينها قبل أن يتشكل؟

هل كنت نبية تبشر بقراءة الطالع للاأحد؟

هل كنت عاهرة أبيع الجسد

في أحد البارات الرخيصة لمن يمنحني وعدًا بعدم التخلي

 ثم يرحل؟

هل أفضل أن يقبلني الرجال علي شفتي أو عنقي أم سرتي!!

 أم أني انصعت لقبلة أمرأة خمسينية راودتني عن نفسي ولم أنهرها؟

هل أفقد الوعي حين أتجرع الخمر؟

أي نوع من الخمر يذهب برأسي؟

هل أفضل القهوة؟

أم أحقن ذراعي بالنيكوتين؟

هل بحثت عن الله؟

هل بحث الله عني؟

قبل ثلاثين يوماً من هنا

هل كنت بالفعل؟

أم يتهييء إليّ أني كنت؟

ضوء أبيض بمقدمة رأسي يغمرني

يمحو كل شيء

سوي فعل أوحد

أتقوس

كأرملة في السبعين

تخفي تجاعيدها جيدا بطبقات من كريم رديء الصنع.

السبت، 8 سبتمبر 2018

سيجارة- قصيدة

 قصيدة منشورة على موقع الكتابة الثقافي بتاريخ 8 سبتمبر 2018

موقع الكتابة الثقافي مُلتقي الكُتّاب العرب والمصريين.


صورة للشاعرة المصرية- ريهام عزيز الدين 2018

سيجارة


علمتني السيجارة الأولي الانكفاء علي خوفي

الآن أبدو أكثر استعداداً لمواجهة العالم

انتهيت للتو من تمارين القسوة

يمكنني أن أنظر للخوف في العين مباشرة

أشده من شعره الأسود الطويل

ألف خصلاته العالقة بحنجرتي

أتلذذ بتعذيبه ببطء

بينما أنظر إليه بعينين باردتين.

**

علمتني السيجارة الأولي العبور

فما بقيتُ معلقة بين عالمين

الجسر الذي أمضيت عمراً أقطعه

جيئة و ذهاباً

تساقط

حاملاً بعضاً من قدمي

التي ظننت يوماً أنهما راسختان

كجذر شجرة أحملها وشماً فوق ظهري.

**

علمتني السيجارة الأولى

أن أراقب البطء

كنقاط محلول ملحي تتساقط في أوردة ضيقة

لرجل سبعيني عجزت أن أقرضه رغبتي في الحياة

أراقب المحاولة الأولي في الفشل

الشفتان موضوعتان على المبسم

تقضمان تفاحة الغواية

امتلاء الفم بخيبة

تنتهي بسعال

 يشي بسرقة الحلوي لطفلة في الثامنة.

**

النَفَس المسافر بداخلي

يرتطم بمحاولات لثم الحياة

ابتلاعها علي عجل

وتقيؤها أيضا بنفس ذات الخديعة

دون أن أسمح لها أن تخترقني بالكلية

الخوف أن يحترق حلقي

الخداع الطفولي بإنقاذ العالم

أحبه قليلاً

وأحب  أكثر احتراق شفتي بالغواية.

**

الرغبة الأخيرة لمحاولة التأكد من إمكانية الحياة

بالاحتراق الكلي

ومراقبة

الرماد الذي يتكوم في المنفضة

ببطء

التأرجح بين دخان أرسم به دوائر

يمكنني الآن أن أطلق سراحها

وقبول الخسارة

فما يتبقي منها

رماد

سأفرغه لاحقاً في مكبٍ أكبر

حين تنتهي السيجارة الأولي

سأتأكد من محو آثارالغواية

لأبدو طفلة تفوح منها رائحة الديتول

سأعيد تكرار أناشيد البراءة في أذن أمي

كي تقر عينها

أراقبني وانا أخطو فوق متاريس صوتها بداخلي

تنتهي

السيجارة

وانتهي

وأعلم أني

أقبض علي الريح

وأني أحترق ببطء.