الجمعة، 26 مارس 2021

 مقطع صوتي من قصيدة "كان طفلًا"

أداء صوتي: ريهام عزيز الدين.

شعر: ريهام عزيز الدين

القصيدة كاملة

موسيقي: قانون تركي.

مسمع من عمل فني قيد التجهيز: دراما إذاعية بعنوان"صندوق باندورا" سيتم إطلاقها خلال العام الحالي 2021 .





الخميس، 18 فبراير 2021

علم النفس النسوي: تأريخٌ لاسترداد قوتنا المُستلَبة

 مقالة منشورة على موقع "جيم"

بتاريخ 18 فبراير 2021

موقع "جيم"موقع يهتم بالإنتاج المعرفي والنقدي والثقافي في شؤون الجندر والجنس والجنسانية خارج عن الخطاب السائد لوسائل الإعلام المهيمنة.


 هل ثمة تاريخ غير مروي للنساء في علم النفس؟ هل هناك دورٌ آخر أدّته النساء غير أن يكنّ "مريضاتٍ" أو مستقبلاتٍ للخدمة العلاجية أو فأرات تجارب؟ لماذا تُعالَج النساء بعلمٍ لم يشاركن أنفسهنّ في إنتاجه وبنائه وتكوينه؟ ولماذا لا يُعترف بهنّ وبمنجزهنّ العلمي في المجال ذاته؟ ريهام عزيز الدين تحاول الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها في هذا البحث الاستكشافي.

حين يأتي ذكر العلاج النفسي، دائمًا ما يقفز اسم سيغموند فرويد (Sigmund Freud)، وربما يكون مُحاورنا أكثر اطّلاعًا فيُضيف بعض الأسماء الأخرى مثل كارل يونغ (Carl Jung)، كارل روجرز (Carl Rogers) وأوليفر ساكس (Oliver Sacks). لكن المشكلة هي أنّ الأسماء ذاتها تُطرح من دون أن نضع على الطاولة أيضًا أسماء طبيباتٍ لديهنّ مُنجزٌ معرفي في هذا التخصّص الدقيق. هل ثمة تاريخ غير مروي للنساء في علم النفس؟ هل هناك دورٌ آخر أدّته النساء غير أن يكنّ "مريضاتٍ" أو مستقبلاتٍ للخدمة العلاجية أو فأرات تجارب؟ لماذا تُعالَج النساء بعلمٍ لم يشاركن أنفسهنّ في إنتاجه وبنائه وتكوينه؟ ولماذا لا يُعترف بهنّ وبمنجزهنّ العلمي في المجال ذاته؟ كيف يمكننا قراءة المعرفة التي أُنتجت في علم النفس والعلاج النفسي تحديدًا إن لم نكُن نسوياتٍ ونسويّين؟ ما معيار تقييم فاعلية النساء في هذا المجال، هل هو عدد الطبيبات الملتحِقات بالتخصّص مقارنةً بالرجال، أم عدد الطبيبات الحاصلات على الدكتوراه في التخصّص ذاته، أم عدد الطبيبات القادرات على تأسيس مدرسةٍ خاصةٍ بهن؟ هل يحتكر الرجال المعرفةَ المُنتَجة في مجال العلاج النفسي كما يحدث في شتى أنواع المعرفة؟ كيف يمكن تفعيل دينامية نقل المعرفة عن النساء إليهنّ إن لم يشاركن هنّ في إنتاج تلك المعرفة انطلاقًا من عوالمهنّ الذاتية؟

هذه تساؤلاتٌ قد لا تتسع لها مقالةٌ واحدة، لكنها تظل مشروعة. حين بدأتُ أبحث في علم النفس النسوي كانت تعتريني شكوكٌ كثيرة، هل هو مجرد إلصاقٍ جديدٍ لمصطلح "نسويّة"، أم أنّ هناك تاريخٌ كاملٌ وجوانب غير مكتشفةٍ يمكنها تقديم بعض الإجابات على التساؤلات أعلاه؟ فلنكتشِف معًا.

تاريخ علم النفس النسوي

ابتدعت الطبيبة النفسية الألمانية كارين هورني (Karen Horney) مصطلح "علم النفس النسوي"، وهي تُعدّ رائدة هذا التخصّص من خلال ما قدمته من أوراقٍ بحثيةٍ بلغ عددها أربعة عشر بحثًا بين عامَي 1922 و 1937، استكشفَت فيها معنى علم النفس النسوي. وفي عام 1967، جُمِعت هذه الأبحاث ونُشِرت في كتابٍ يحمل عنوان التخصّص: 'علم النفس النسوي'. قدّمت هورني في بحثها المنشور عام 1935 بعنوان "معضلة الماسوشية النسائية" خريطةً مقترحةً لتفكيك علم النفس بصورته التقليدية آنذاك، لتُعاد قراءته في ضوء فهم الأنماط السلوكية للنساء. كما تقصّت دور الثقافة المجتمعية في تشجيع النساء ليصبحن أكثر اعتمادًا على الرجال عاطفيًا بُغية الحصول على الحب، والصورة الاجتماعية المقبولة، والثروة، والاهتمام والحماية. كما أن استكشاف دينامية الصوَر التي تختزنها المرأة عن ذاتها وتحرّكها من أجل البقاء والحصول على القبول المجتمعي، وفقًا لقول هورني، تأتي من صورةٍ صنعها الرجل عن المرأة كشيءٍ هشٍ ورقيقٍ وجميل، وهو تأطيرٌ يتنافى واحتياج الإنسانة إلى الوعي بذاتها وكُليّتها.

ركّزت هورني في مجال بحثها على استكشاف الدور الذي يؤدّيه العقل الواعي، لا فقط المكبوت في اللاوعي

لم تكن هورني صوتًا يأتي من فراغ العدم أو يحاول إثارة ضجةٍ مفتعلةٍ في ذلك الوقت، بل على العكس من ذلك، فمُنجزها المعرفي يضرب بجذوره في مراحل ما قبل تأسيسها علم النفس النسوي. كانت هورني بين الفاعلين والفاعلات في الجبهة النقدية لما قدّمه فرويد، إذ على الرغم من اتفاقها معه في مناحٍ رئيسةٍ عدّة، احتفظَت بهامشٍ للتفكير استطاعَت من خلاله أن تعارض مدرسته في التحليل النفسي. ومن أهم نقاط نقدها لفرويد، اعتقادها بوجود عوامل كثيرةٍ تؤدّي إلى اضطراب الشخصية، تأتي من الظروف المجتمعية المحيطة، لا سيما في مرحلة الطفولة المبكرة. وركّزت هورني في مجال بحثها على استكشاف الدور الذي يؤدّيه العقل الواعي، لا فقط المكبوت في اللاوعي. كما ناهضَت مفهوم فرويد عن غيرة النساء من الرجال وما أسماه بـ"حسد القضيب"، قائلةً بوجود حالة "حسد الرّحم" الذي يثير أيضًا الغيرة لدى الرجال المضطربين، مفسّرةً رغبة الرجل في النجاح والإنجاز والتحقق كبدائل يصنعها اللاوعي لتعويض عدم قدرته على الخلق، والولادة ورعاية الأطفال. كما ساءلَت هورني سردية "عقدة أوديب" المهيمِنة التي تبنّاها كثيرٌ من تلامذة فرويد في التحليل النفسي، واستعاضَت عنها بسرديةٍ بديلةٍ تفيد بأن التعلّق بأحد الوالدَين ونشوء مشاعر الغيرة من الوالد الآخر، ترجع إلى القلق الناجم عن اضطراب العلاقة الوالدية في مرحلتها المبكرة، لا عن العقدة الأوديبية المتوارثة في التحليل النفسي. 

بالرغم من انقطاع هورني في منتصف الثلاثينات عن تطوير أبحاثٍ خاصةٍ بعلم النفس النسوي، استمرّت في تطوير بحثها في العلاج النفسي مُؤسِّسَةً "نظرية النضج" ككُلٍ إنساني غير محدّد الهوية الجندرية. يقدّم برنارد باريس (Bernard Paris) - كاتب سيرتها الذاتية - فرضيّته بشأن هذا الانقطاع قائلًا: "بدَت هورني كمَن فقدَت الشغف، لربما لم تكن في حقيقة الأمر نسوية، على الرغم من اعتبارها بما لا يدعُ مجالًا للشك، رائدةً في تقديم رؤيةٍ نقديةٍ للبطريركية الفكرية و"مركزية القضيب" المهيمِنة في التحليل النفسي سواء في ثقافة مجتمعها حينذاك، أو في ثقافة التعلم التي لم تختلف كثيرًا". ويذهب باريس إلى حدّ القول إنّ مناهضتها لمُنجز فرويد المعرفي ساهم كثيرًا في تمهيد الطريق وإلهام المعالِجات النسويات لاحقًا، حتى وإن لم تنخرط هي ذاتها كفردٍ في الصراع السياسي أو في الحركة النسوية الجَمعية". ويردف قائلًا إن إسهام هورني في فهم الشخصية الإنسانية عبر ما طرحَته في "نظرية النضج" يُعد إسهامًا لا يُستهان به في تطوّر البحث النفسي، غير أنه لم يلقَ اعترافًا يليق به.

ضربةٌ لصحة النساء النفسية 

كما ذكرنا سالفًا، توقفَت هورني عن تغذية أبحاثها في علم النفس النسوي مع نهاية عام 1937، أي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية قرابة عامَين. تغيرَت خريطة الصحة النفسية جرّاء الحرب، غير أنها بلغت خطورتها عام 1942 حين استحدَث عالم النفس الأميركي إدوارد ستريكر (Edward Stricker) مفهوم "الالتصاق بالأم" الذي يُعنى بالتصاق الصبية الذكور بأمهاتهم إلى حدٍّ يعطّل نضجهم كـ"رجال"، وقد أُدرجَ ذلك المفهوم كعَارضٍ مَرضي ضمن مؤشرات الاضطراب النفسي لدى منظمة الصحة الأميركية آنذاك. كان يمكن لهذا الكشف أن يمشي جنبًا إلى جنبٍ مع مسار النظرية النسوية الساعية إلى تحرير النساء وعدالة الحقوق، لكن المثير للدهشة هو أنه دفع بمسار علم النفس نحو الاعتقاد باحتياج النساء إلى مزيدٍ من "العلاج النفسي" باعتبارهنّ أصبحن نساءً "ذوات نزعةٍ ذكَرية" وأمهاتٍ يُعطلن تطوّر "رجولة" أبنائهنّ الذكور. كما جرى تحويل مسار البحث في ذلك الوقت إلى التمترس خلف الأدوار التقليدية للمرأة كـ"أم" والشكل المُتعارف عليه للأسرة كوحدةٍ اجتماعية. أكثر من ذلك، اعتُبِر امتلاكُ المرأة أفكارًا مستقلةً وسعيها إلى تحقيق ذاتها خارج المنزل بحثًا عن السعادة، مؤشراتٍ خطيرةً تهدد المجتمع.

علم النفس النسوي: استردادُ القُوة 

شهدَت فترة السبعينيات حراكًا واسًعا عكَس التقاء النظرية النسوية بعلم النفس، وانطلق من مدينة تورونتو في كندا. صنع هذا الحراك جسرًا لالتقاء قضايا نفسيةٍ ومجتمعيةٍ في إطارٍ نسوي بلا مواربة، مثل قضية الإجهاض. وفي عام 1971، قدّمت الأكاديمية والمعالجة النفسية النسوية إستر غرين غلاس (Esther Greene Glass) بحثًا علميًا استمر قرابة خمس سنوات، جمعَت فيه مقابلاتٍ عديدةً عمّا كان يتداوله المجتمع الكندي حينذاك من سردياتٍ وأساطير مجتمعيةٍ بشأن الآثار النفسية للإجهاض. نُشرت الدراسة لاحقًا عام 1976 في كتابٍ مستقلٍ بعنوان "بعد الإجهاض"، وساهمَت في تحدي القانون الكندي الخاص بالإجهاض آنذاك. في الفترة ذاتها، أنتجَت الأكاديمية والنسوية الكندية نورا روك (Nora Ruck) بالشراكة مع الفنانة النسوية الأميركية إيرين بيسليكس (Irene Peslikis) سلسلة مقالاتٍ بعنوان "تحرير العقول - زيادة الوعي بين النسوية وعلم النفس في السبعينات"، أكّدتا فيها أن ازدياد الوعي بتقاطع النظرية النسوية مع علم النفس من شأنه التقليل من حدّة التوترات الناجمة عن التباس ما هو شخصيٌ وما هو سياسي. استطاعت كتابات روك وبيسليكس أن تمنح علم النفس النسوي موضعًا أكثر وضوحًا عبر الإشارة إلى قدرة الوعي بذلك التقاطع على تقديم تفسيراتٍ ثريةً للممارسات اليومية حتى خارج غرفة العلاج، بل والمساعدة في إنتاج وتطوير المعرفة العلاجية المؤسّسية. ويمكن لكل ذلك أن يتحقق عن طريق إفساح المجال أمام النساء لدراسة تخصّص علم النفس النسوي بالتزامن مع تموضعهنّ في الفضاءات العامة الأخرى، كي يمتدّ تأثير العلاج النفسي إلى خارج غرفة العلاج وعوالم النساء الذاتية، توصّلًا إلى اقتلاع القمع المُتوارث من جذوره الضاربة في المجتمع والمتجسّد بوضوحٍ ضد النساء.

ازدياد الوعي بتقاطع النظرية النسوية مع علم النفس من شأنه التقليل من حدّة التوترات الناجمة عن التباس ما هو شخصيٌ وما هو سياسي

تستمرّ حتى الآن عملية استرداد القوة لعلم النفس النسوي مصحوبةً بتطوّرٍ في مساره البحثي. وتركّز الأبحاث المعاصِرة على مسائل استكشاف المشاعر كموضوعٍ رئيسٍ لا تتفرّد به النساء حصرًا، بل تدعو إليه الحاجة في المجتمعات كافة. ووفقًا للمقاربة النسوية، يصبح مسار المشاعر مسرحًا للهيمنة المجتمعية على النساء، وبخاصةٍ حين يوصَفن ويوصَمن بكونهنّ "عاطفيات". هذه الأبحاث المغايرة والحديثة تدحض النظرية القديمة القائلة بوجود اختلافاتٍ جندريةٍ في عملية الشعور، موضحةً أن الاختلاف لا يعود إلى اختلاف الجنس البيولوجي بل إلى اختلاف طريقة الإفصاح، أما اختبار الشعور في حد ذاته فواحدٌ لدى مختلف الأنواع الجندرية. وطريقة الإفصاح عن الشعور هذه تحدّدها إلى حدٍ كبيرٍ المتاريسُ المجتمعية التي يتمّ تأطيرها ثقافيًا على المستوى الجَمعي، وتنعكس نفسيًا على المستوى الفردي. كما تتناول الأبحاث أيضًا مسائل القيادة، والعنف الموجّه ضد النساء، والنظرية الثقافية العلاقاتية.

ساعدَت أبحاث علم النفس النسوي أيضًا في تخليص نساءٍ كثيراتٍ من الوقوع في شراك النمذجة/القولبة المجتمعية، كالأسطورة القائلة بأن المرأة تحتاج إلى الجنس "بدوافع عاطفيةٍ" أكثر من الرجل. فعلم النفس النسوي يكشف خطأ تلك الفرضية، مُثبتًا أن بإمكان النساء ممارسة الجنس من دون التورّط عاطفيًا مع الشريك/ة. ومن ناحيةٍ أخرى، في ما يتعلّق بالنمذجة المجتمعية عن كون النساء أكثر إغراقًا في مشاعر "الحزن" و"السوداوية" أو أكثر عرضةً للاكتئاب، يدفع علم النفس النسوي إلى استكشاف فرضيةٍ مقابلةٍ تفيد بأنّ لدى الرجال القدر ذاته من الشعور وأن لا فجوةً نوعيةً بين الفئتَين. إذًا، يمكن استخلاص أن مثل تلك المغالطات أحدثَت ضبابيةً وتشويشًا نفسيًا لدى النساء (Gaslighting) على المستوى الجَمعي، يماثل أشدّ الممارسات نرجسيةً على مستوى العلاقات الشخصية، ما يحثّنا على العمل لتحرير الهوية النفسية للنساء في المقام الأول، تليها هويات الآخرين، من كل استلابٍ سابق. 

تطور علم النفس النسوي نظريةً وممارسةً ليصبح مُرتكزًا على دراسة البُنى الاجتماعية والجندر، مؤسسًا لأهمية القراءة النقدية لكل ما قدّمه تاريخ البحث والمعرفة في مجال علم النفس، سواء لناحية إنتاج المعرفة من قِبَل الرجال أو هيمنة "الرجل" كوحدةٍ معيارية. يتبنى علم النفس النسوي القيم والمبادىء المؤسِّسة للنسوية، من المطالبة بالمساواة الجندرية وحقوق النساء، إلى بيان تأثّر صحة النساء النفسية في هذا السياق. كما يضع مسائل بارزةً أخرى تحت مجهر البحث والنقد مثل تعريف البشر لهويّاتهم/ن الجنسية والجندرية (مغاير/ة، مثلي/ة، لا جنسي/ة، عابر/ة جندريًا، ممتثل/ة جندريًا، مزدوج/ة الميول وغير ذلك)، تأثير ديناميات البُنى الاجتماعية أو منظومة البطريركية والتراتبية الجندرية على الأفراد والجماعات، دور الجندر في حياة الفرد وتسبّب الأدوار الاجتماعية المفروضة في اعتلال الصحة النفسية للنساء تحديدًا. يبقى هدف هذا التخصّص موضَعة الفرد في منظومةٍ مجتمعيةٍ وسياسيةٍ أكبر، مع الوعي بتشابك الديناميات المجتمعية بالغة التعقيد. تمنح القراءة النسويّة ذلك النسيج المتشابك معطياتٍ جديدةً قادرةً على تزويد الفهم والبحث بمساراتٍ أكثر تنوعًا وثراء.

كيف يمكن للخدمة العلاجية أن تتغيّر إذا ما أصبح/ت المعالج/ة "نسويًا/ةً"

قبل كتابة هذا المقال، انهمكتُ في متابعة قضيةٍ تفجّرت على الساحة المصرية منذ أيلول/سبتمبر 2020، فحواها اتهام أحد المعالجين النفسيّين بالتحرّش بمريضاته. ما زالت القضية قيد التحقيق، غير أن شهادات الضحايا تشير إلى أربع سنواتٍ من الانتهاكات. تثير تلك القضية في ذهني العديد من الأسئلة عن التجربة العلاجية مع طبيبٍ رجلٍ مقابل طبيبةٍ امرأة، ما يدفعني إلى مساءلة كيفية تغيّر الخدمة العلاجية إذا ما أصبح المعالج/ة "نسويًا/ةً". 

يتبنى علم النفس النسوي القيم والمبادىء المؤسِّسة للنسوية، من المطالبة بالمساواة الجندرية وحقوق النساء، إلى بيان تأثّر صحة النساء النفسية في هذا السياق

كما استعرضتُ آنفًا، يمكن لعلم النفس النسوي أن يقدّم الكثير في مجال الصحة النفسية للنساء تحديدًا، ويظهر ذلك جليًا في تحوّله من نظريةٍ إلى ممارسةٍ تُعرف باسم "العلاج النفسي النسوي". يعتمد العلاج النفسي النسوي على مساعدة النساء على تأكيد ذواتهنّ وإعادة تفكيك جميع الأنماط المعرفية - النفسية - السلوكية في مسارٍ للتعافي يعتمد على عدم قبول "المتاح" أو التكيّف/التفاوض معه. يستمد العلاج النفسي النسوي إطاره العلاجي من مبادىء النسوية، وأهمها: الشخصي هو سياسيٌ في جوهره؛ الالتزام بالنضال المجتمعي؛ الاحتفاء بأصوات الفتيات والنساء واحترامها؛ عدم مساءلة تجارب النساء أو التشكيك فيها ضمن سياق العلاج؛ والرفض الكلّي لكافة مظاهر وأساليب تعنيف الناجية. كما يحرص هذا الإطار العلاجي على مراجعة وإعادة مَوضعة النظرية النسوية بشكلٍ مستمرٍ في السياق المجتمعي وفي الوعي الثقافي الجَمعي، مع لَحظ تنوع المعطيات الجغرافية والتاريخية. 

لا شك في أن التجربة العلاجية تتحدّد بفعل عوامل عدّةٍ قد تبدأ قبل زيارة غرفة العلاج النفسي وطلب المساعدة، كما أنها تتطلب اتخاذ قراراتٍ تتعلق بجودة وكفاءة الخدمة المقدّمة. أتساءل هنا، هل يمتلك القائمون والقائمات على هذه الخدمات "وعيًا نسويًا" تتضاعف الحاجة إليه في حال كانت طالبة العلاج امرأة؟ فالأمر لا يتوقف عند الإلمام بما قدّمه علم النفس في بداياته عن سيكولوجية النساء، بل يتطلب وعيًا يتحوّل إلى لغةٍ وأدواتٍ وممارسةٍ وديناميةٍ قادرةٍ على رؤية الاستلاب النفسي للنساء داخل الغرفة العلاجية وامتداده خارجها.

هل يمكن للعلاج النفسي النسوي ترميم الصداقة في عوالم النساء؟

يحمل تاريخ النساء القديم وجوهًا عدةً من المساندة والدعم، بل وتبادل العلاج الشعبي أو الشاماني. ولعلّ أحد مفاهيم "العصر الجديد" هو تقديس القوة الأنثوية كقوةٍ شافيةٍ لـ"اللاوعي" الجَمعي المأزوم. لكن علم النفس النسوي يؤطّر بشكلٍ علمي وممنهجٍ ما أسمته الباحثة الأكاديمية والمعالجة النسوية وإحدى أبرز الناشطات في هذا المجال، لورا براون (Laura Brown)، "استعادة الصداقة القديمة في عالم النساء"،1 فالعلاج النسوي يقوم في جوهره على نقاط القوة، كما على مبدأ المساواة في دينامية القوة/السلطة بين المعالِجة ومتلقّية العلاج. في هذا السياق، تنطلق العلاقة العلاجية من نقاط القوة لدى المعالِجة أي خبرتها العلاجية، ونقاط القوة لدى المتلقّية أي فهمها لذاتها وخبرتها عن نفسها ووعيها بذلك. هكذا، تتخلّص متلقّية العلاج من المفهوم القديم القائل بكون المعالج هو "مانح" القوة أو "المنقذ"، فالقوة في العلاج النسوي تأتي من قدرة المعالِجة على جعل المتلقّية تستعيد الثقة في بوصلتها الذاتية وقوّتها المطمورة بفعل التشويش الخارجي من المجتمع. ولعلّ العلاقة العلاجية النسوية تُعدّ بوابةً يمكن للنساء تطبيقها على نطاقٍ أوسع بُغية فهم دينامية شتّى العلاقات المحيطة بهنّ، وإعادة قراءتها، وموضَعة ذواتهنّ لكسر النمط المشوّه (ضحية - منقذ) وانتزاع ما أُخذ منهنّ عنوةً عبر استكشاف نقاط القوة المطمورة في دواخلهنّ. لذا، تؤكد كثيراتٌ من المعالجات النفسيات البارزات في علم النفس النسوي مثل إليانور ماكوبي (Eleanor Maccoby) ولورا براون، أن ممارستهنّ وتخصّصهن أشبه بترميمٍ لمفهوم الصداقة بين النساء الذي لطالما جرت قولبته في إطارٍ ضيقٍ لتاريخٍ مشوبٍ بالغيرة والغلّ كسرديةٍ سائدة.

مُراجعة من الداخل

يقدّم علم النفس النسوي بنيةً معرفيةً ومناهج علاجيةً متطورةً جاءت من الفجوة التي خلّفتها المدارس التقليدية في العلاج النفسي، لا سيما في ما يتعلق بالانتهاكات الجنسية ولوم الناجيات. وتتبنى ممارِساتُ هذا العلاج وممارِسوه مقاربةَ المراجعة الداخلية المستمرة لتصويب المسار. على سبيل المثال، تقول الطبيبة وعالمة النفس الأميركية سالي ساتل (Sally Satel) في مقالتها النقديّة بعنوان "كيف أفسدَت الصوابيةُ السياسية الطب": "إن نقدًا مستمرًا يجب أن يأتي من الداخل، لا من العلاج النفسي فحسب، بل من النسوية ذاتها ومن العلاج النسوي تحديدًا، لأنه قد يؤدّي بنا كطبيباتٍ للانزلاق إلى الترويج لنظرية المؤامرة. ومثل هذا النقد يتجذّر كلما أعدنا التذكير بجوهر العلاج النفسي، وهو مساعدة المريض/ة على استرداد الثقة والقوة من خلال تفكيك أنماط التفكير غير الواقعية والمدمّرة لديه/ا، في ظل رغبةٍ صادقةٍ في معرفة احتياجات الفرد وأبعاد شخصيته/ا المعقدة وتجاربه/ا. كما من الضروري الإحالة إلى النسيج المجتمعي الأكبر المتجاوِز للجندر، لأن فهم المحاور الثلاثة2 الداخلة في تعديل المسار يأتي بشكلٍ كبيرٍ من السياق المجتمعي والظرف التاريخي".3

العلاج النسوي يقوم في جوهره على نقاط القوة، كما على مبدأ المساواة في دينامية القوة/السلطة بين المعالِجة ومتلقّية العلاج

أما لورا براون، فسلَكت مسارًا أكثر وعورةً في كتابها 'حواراتٌ مشوّهة: قراءةٌ نظريةٌ مقترحةٌ في العلاج النسوي'، إذ أرادت إيجاد لغةٍ من قلب مجتمع ممارِسات العلاج النسوي ومن واقع خبرتها التي امتدّت لعشرات السنين، بغية إيضاح الرؤية المهنية في هذا المجال والاتفاق على لغةٍ مشتركة، وهو مسعًى ساهم في منحها جائزة النشر للرابطة الأميركية للنساء في علم النفس. من جهتها، رأت المعالجة النفسية جوديث واريل (Judith Worell) في ورقتها البحثية المقدّمة عام 2000 بعنوان "النسوية في علم النفس: ثورةٌ أم تطور؟"4 أنّ إعادة قراءة علم النفس والعلاج النفسي في إطارٍ نسوي يفتح آفاقًا لم يتمّ التطرق إليها من قبل سواءً على مستوى النظرية، أو البحث العلمي أو الممارسة العلاجية. في الواقع، إنّ كثيرًا من الخطوات الراديكالية في منهجيات وأدوات العلاج النفسي نشأَ عن دراسة عوالم الفتيات والنساء، أو ما سُمّي بـ"الألم في عالم الأنثى"5 وفهم الألم النفسي المزمن من سرديات النساء. وأردفت أنّ مثل هذه المراجعة تُعيد هيكلة الإطار الناظم لديناميات وأولويات العلاج النفسي للنساء في المقام الأول، لكنها تعود بالنفع أيضًا على أطرافٍ أخرى في الإطار العلاجي. إنّ قبول تعدّدية السرديات في المسار العلاجي ودعوة أطرافٍ هُمّشت ووُصِمت على مدار التاريخ إلى مشاركة رواياتها، يساعد في تطوير الممارسة العلاجية لا على مستوى الأفراد فحسب، بل أيضًا على مستوى التراتبية داخل المؤسسات العلاجية، لتصبح أكثر قبولًا وانفتاحًا وتجاوزًا للنقاط المعتمة في الهيكلية المؤسّسية التقليدية، ما من شأنه تحسين السياسات العامة للصحة النفسية لكافة أفراد المجتمع من رجالٍ ونساءٍ وغير ذلك. لذا، توجد حاجةٌ مستمرةٌ لأن يصبح علم النفس النسوي حاضرًا كقوة دفعٍ لتحقيق تغييرٍ عادلٍ ينبع من معالجة الجذور العميقة للقمع/الاضطراب النفسي.

عندما شرعتُ في البحث والقراءة لغرض كتابة هذا المقال، آلمَني عدم توفر موادّ باللغة العربية. وبينما أنظر إلى الشاشة، أرى وجوهٌ قبيلةٍ من النساء اللواتي لا أعرفهنّ على صعيدٍ شخصي، لكني أوقن بأن مسارات السعي لتحرير أرواحنا في مجتمعاتنا تبدأ بالاقتراب من ذواتنا لا معاداتها، وبمدّ جسور صداقةٍ مع العلم والمعرفة، ثم الإيمان بقدرة كلٍ منّا على فعل ذلك في مجالها، لا لأننا نستحق فحسب، بل لأنّنا موجوداتٌ وسنبقى.

 

  • 1. Laura S. Brown, “Feminist Therapy as a Path to Friendship with Women”, Women & Therapy Journal, Vol. 36, Issue 1-2, 2013, p. 11-22. DOI: 10.1080/02703149.2012.720556
  • 2. وفقًا لساتل، المحاور الثلاثة هي: معرفة احتياجات الفرد، وأبعاد شخصية الفرد، وفهم التجربة. ولا يصحّ فهم تلك المحاور على نحوٍ مجرّدٍ أو منفصلٍ عن الواقع، بل ينبغي فهمها في إطارٍ أوسع هو إطار المجتمع والتاريخ.
  • 3. Sally Satel, “How Political Correctness is Corrupting Medicine”, Society Journal, Issue 39, 2002. p. 7- 10
  • 4. Judith Worell, “Feminism in Psychology: Revolution or Evolution?”, The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science, 571, 2000, p. 183-196. Retrieved on February 11, 2021 from http://www.jstor.org/stable/1049142
  • 5. تعني العبارة فهم الألم كما ترويه المرأة. على سبيل المثال، معظم النساء لا يعبّرن عن آلامهنّ الجسدية أو النفسية بسبب وقوعهن عادةً تحت تأثير سرديةٍ سائدةٍ مفادها أن "الأنثى تتحمّل". بالتالي، استرداد حق النساء في تعريف الألم كما يختبرنه هنّ، يمنح العلاج النفسي مساحةً جديدةً في فهم "الألم".

 

الاثنين، 30 نوفمبر 2020

"أنسنة" التكنولوجيا

 مقالة منشور على موقع الأوان 

تاريخ النشر: 30 نوفمبر 2020

“الأوان” موقع فكريّ ثقافيّ انطلق منذ غرّة مارس 2007*، للتعرّف على المزيد عن الموقع بنهاية المقالة.

*****

"أنسنة" التكنولوجيا



في الثلاثين من شهر مايو المنصرم، أعلنت شركة مايكروسوفت العالمية  أنها "ستقوم باستبدال الصحفيين بالروبوتات"[i]. أوضح المسئولون عن اتخاذ مثل القرار، أن الشركة في ضوء رغبتها في إعادة تقييم الأرباح واستثمار القوى العاملة، ستتجه نحو استخدام أنظمة آلية تنتقي القصص والتقارير الإخبارية. تناول العديد من القرّاء والصحفيين الخبر بموجة من السخرية والتهكم. غير أن التوقف قليلصا عند هذا الخبر، يعيد إلى الأذهان تساؤلات مشروعة تتسارع حدتها في لحظتنا الآنية وما تحمله من تحديات لانهائية حول أين يبدأ عالم التكنولوجيا وأين ينتهي، متى تتقاطع عوالم الخيال والفانتازيا مع ما يطلق عليه عالم الواقع؟ في لحظتنا الآنية، وما أوجبته من ضرورة التباعد الاجتماعي، هل يمكن أن يجنح الخيال يومًا نحو أسوأ مخاوف البشر على الإطلاق أن تتم إزاحتهم بالكلية من الخارطة، وتحتل التكنولوجيا بأذرعتها العنكبوتية عالمًا كنّا نظن أننا نحل على قمة تراتبية الكائنات جمعاء!

نحن هنا لسنا بصدد كتابة رواية يتم تصنيفها كأحد صنوف أدب الفانتازيا والخيال العلمي، أو تحليل وتمحيص لسلسة من الأفلام السينمائية ذات النزعة الهوليودية حيث "الإنسان الآلي" أو "الروبوت" يمحو الجنس البشري من على وجه كوكب الأرض، أو تبشيرًا بعالم جديد لم يألفه الإنسان من قبل، حيث تتبدل به الأماكن في سردية متخيلة، ليصبح الإنسان "تابعًا" في الهامش بينما تتولى "الآلة" إدارة كل شىء. المقالة الحالية لا تعنى بتحقيق وثبة عالية نحو الهتاف بأن الإنسان يحمل تفردًا وتكريمًا واستحقاقًا فوق كافة الكائنات كما يخبرنا الإرث الديني بمختلف مشاربه، بقدر ما تُعنى باستكشاف الطريق نحو فهم ما الذي تجلبه التكنولوجيا إلى عالم الإنسان، وما الذي يحتاجه الإنسان من التكنولوجيا كيف يتداخل عالم الإنسان مع عالم التكنولوجيا، أين تكمن نقاط الالتقاء، وأين تظهر مناطق الخطر، ، ولربما قبل ذلك تطرح محاولة لفهم وتأطير معنى التكنولوجيا، ليس كخيال بعيد بل واقع لا يمكن تجاوزه أو إغفاله أو الهروب منه للخلف وإدعاء أن الحياة بدونها ستصبح أفضل. كما أنها لا تنتصر لجانبٍ على  آخر، فالانتصار يعني أن هناك صراع ومعركة طرفاها الإنسان والتكنولوجيا وأنهما خصمين يقفان وجهًا لوجه بينما يشهر أحدهما أسلحته في وجه الآخر.

لكى نعبر نحو هذا الفهم، سنبحر في التساؤلات التالية:

  • ما الذي تعنيه التكنولوجيا؟
  • إذا كان ما يميز الإنسان أنه كائن تاريخي، هل تمكن الإنسان الآلي أو “الروبوت” أن يحفر له تاريخًا؟ ما التقاطعية بين كلا التاريخين؟
  • كيف تبلور مصطلح “أنسنة التكنولوجيا”، وما المقصود بالروبوت الاجتماعي في اللحظة الآنية من القرن الحادي والعشرين؟
  • هل يمكن بالفعل أن تحل التكنولوجيا محل الإنسان، وأن ندلف – كمعلمين- الصف الدراسي ذات صباح فنرى أن هناك "روبوتًا" يقف أمام السبورة ويخبرنا أن نغادر فلا مكان لنا هنا!!

*****

التكنولوجيا: معنى، تاريخ موجز!

التقنية أو التكنولوجيا بالإنجليزية: (technology)  التكنولوجيا لغوياً، كلمة أعجمية ذات أصل يوناني، تتكوّن من مقطعين، كلمة” تكنو” والتي تعني حرفة أو مهارة أو فن، وكلمة "لوجي" التي تعني علم أو دراسة أو تطبيق. ليصاغ الكل في كلمة تكنولوجيا بمعنى علم الأداء أو علم التّطبيق، يرجع ولادة المفردة ذاتها مع الثورة الصناعية الثانية أى يضرب بجذوره لما يقرب من المئتى سنة.

غير أن "توني ديفيز" Tony Davis (1997( قدم تمييزًا بين التكنولوجيا البدائية والتكنولوجيا الحديثة بقوله: 

"هناك تكنولوجيا بدائية وهى الأدوات التي استخدمها الاإنسان منذ الخليقة لكى يُسيّر شئون حياته، أو بمعنى آخرالطرق والأدوات التي سعى من خلالها الإنسان وراء الحياة بطرق مختلفة عن الحياة وأدواتها الطبيعية. فاستخدام الإنسان الأول لجذع الشجرة باعتباره "أداة" استبدلها عن قصر ذراعه لتمكنه من الصيد، ينطبق عليه تعريف التكنولوجيا البدائية فهى جزء من تطويع الإنسان لإدراكه ووعيه ليسخر الحياة لخدمته. أعقب "ديفز" أن التكنولوجيا الحديثة هى أيضًا أسلوب التعامل مع العالم لتحقيق أغراض الإنسان، غير أنها تختلف عن البدائية في كونها مصاحبة للمنهج العلمي في التفكير، فهى مجموعة الأدوات المصممة من قبل العلم والتي تتحرك وفق رؤية العلم وسعيه نحوتكوين رؤية موحدة للظواهر الطبيعية والكونية. يستطرد “ديفز” بقوله “يمكننا القول أن هناك فارقًا بين التكنولوجيا البدائية والتكنولوجيا الحديثة، وأن التكنولوجيا نفسها قديمة قدم الإنسان، وتسبق العلم. إلا أن هناك فارقًا بين التكنولوجيا الحديثة والتكنولوجيا البدائية وهو استخدام التكنولوجيا الحديثة للعلم للسيطرة على العالم[ii].

إن ما قدمه "ديفيز" من تمييز بين نوعى التكنولوجيا لا يعد من باب السفسطة بقدر ما يدفعنا دفعًا لاستجلاء المسافة التي سيتوجب علينا جميعًا أن نتخيرها للوقوف من المفردة سواء كأداة لتحقيق غرض أو كجزء من إطار أكبر تلعب فيه دور ترس صغير يعلي من شأن العلم والمنهج العلمي تحديدًا. وعليه فإننا إذا ما أنطلقنا من تلك النقطة نحو فهم “التكنولوجيا والتعليم” فإننا لا شك سنعيد مساءلتها كأداة لتيسير عملية التعلم، أم كعقيدة نتبناها وتتجذر في رغبة نحو العمل وفق ما يفرض المنهج العلمي من أسس وصرامة ومنظومة متكاملة ودقيقة.

أخشى أن أجيب فأحيل مسار المقالة نحو توجهًا بعينه، غير أني أترك التساؤل مفتوحًا ليحمله كل منّا سواء بشكل فردي أو مهني، كلٌ في سياقه المختلف.

*****

تاريخ الإنسان الآلي/ الروبوت:

وفقًا لشبكة المناهج الإسلامية (2010)، يسمى الروبوت بالعربية الإنسان الآلي والرجل الآلي والإنسالة والجسمال[iii]، هو آلة مكانيكية قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفًا، إما بإشارة وسيطرة مباشرة من الإنسان أو بإشارة من برامج حاسوبية. غالبًا ما تكون الأعمال التي تبرمج الإنسالة على أدائها أعمالاً شاقة أو خطيرة أو دقيقة، مثل البحث عن الألغام والتخلص من النفايات المشعة، أو أعمالاً صناعية دقيقة أو شاقة.

من العجيب أن مفردة "الروبوت" لم تأت من مختبرات معهد ماستشوستس للعلوم والتكنولوجيا، بل ظهرت في مسرحية ألفها كاتب مسرحي وروائي تشيكوسلوفاكي في عام 1921، وهو “كارل تشابيك”[iv] حيث شهدت أول ظهور لكلمة روبوت. حملت المسرحية عنوان "إنسان روسوم الآلي" بالتشيكية  Rossumovi univerzální roboti، ودارت حول رجال آليين يسيطرون على الأرض. ترمز كلمة "روبوت" في اللغة إلى العمل الشاق، إذ أنها مشتقة من كلمة "Robota" التي تعني السُخرة أو العمل الإجباري المنوط ب “العبيد”.

يبدو أن الروبوت يتقاطع مع الأساطير المؤسسة للتاريخ الإنساني، فهناك دلالة على ظهور عدة أشكال من ال"خدّام" الاصطناعيين كما تشير عدد من الأساطير المؤسسة للتاريخ الإنساني.  

هيفوستيس- إله النار والحرفة

وفقًا للأساطير الإغريقية، اخترع "هيفوستيس"- إله النار والحرفة، ابن "زيوس" و"هيرا": وزوج "إفروديت"- مناضد بثلاثة أرجل يمكنها أن تتحرك وفقًا لأوامره، وكذلك رجلًا مصنوع من البرونز أسماه "تالوس" مكلف بحماية "كريت" أكبر الجزر اليونانية في ذلك الوقت من هجمات قراصنة البحار. 

        أما في التاريخ الفرعوني، فهناك إشارات على صناعة عدد من التماثيل من الحجر والحديد والخشب، وكان يُعتقد أن تلك التماثيل تحمل روحًا آتية من الروح الإلهية التي تمثلها. واستخدم الكثير منهم في أداء المراسم والطقوس الدينية. في المملكة المصرية القديمة وبخاصة في الفترة التاريخية ما بين القرنين السادس عشر والحادي عشر قبل الميلاد، كان القدماء المصريون يلجأون لتلك التماثيل طلبًا للنصيحة، ويًقال أن التماثيل كانت تمنحهم النصيحة في المقابل عن طريق "إيماءة بالرأس"[v]. يروي التاريخ الصيني القديم وبخاصة في عهد الإمبراطور "مو" والذي حكم في الفترة من 976- 922 قبل الميلاد، أنه طلب من أمهر الحرفيين لديه أن يريه عملًا لم يره أحد من قبل، ومن هنا شهد البلاط الإمبراطوري ظهور أول رجل "اصطناعي"، كان لديه لقدرة على الإتيان ببعض الخدع للتفريه عن الإمبراطور وحاشيته، غير أنه يومًا ما أغضب الإمبراطور حين قام بمعاكسة نساء البلاط. حينئذ قام صانعه بتفكيك "جوفه" ليُري الإمبراطور كيف يعمل "داخل" هذا الرجل الاصطناعي. حين رأى الإمبراطور "أعضاء" الرجل الاصطناعي، تملكته الدهشة وانتهت الأسطورة بسؤال لم تجب عليه، "هل يمكن لصانعٍ أن يصل إلى مرتبة الخالق؟"، غير أن الإمبراطور- وفقًا للأسطورة- قام بتحطيم الرجل الاصطناعي [vi].

        أما التاريخ الإسلامي، فيشير إلى عالم الحساب، ومهندس الميكانيكا والفنان "بادي الزمان أبو العز ابن إسماعيل الجزاري"، الذي عُرف بقدرته على بناء ساعات مائية شديدة التطور، كما أنه قام بتصنيع طواويس آلية باستخدام الطاقة الكهرومائية. لم تقتصر اختراعاته على ذلك فحسب، بل قام ببناء "خادمة" تقوم بصب الماء أو الشاى وغيرها من المشروبات. يسطر التاريخ أن مثل تلك الخادمة، كان لديها نظام داخلي شديد التعقيد والبساطة في آن واحد حيث تظهر على باب الغرفة، ثم بعد سبع دقائق كاملة تقدم لك ما توده سواء ماء أو مشروب آخر[vii].

ساعة الفيل- أحد اختراعات العالم المسلم الجزري.

في كتابه بعنوان "نشوء وتطور الروبوت"، أشاد العالم روشيم Rosheim (1994) بمدى تطور العلماء والمهندسين المسلمين الأوائل وبخاصة “الجزاري” بقوله: “على عكس ما قدمه اليونانيين من تصاميم هندسية للروبوتات، كان العمل والجهد الذي بذله العرب مميزًا لأنه كان يبتعد عن الإراق في الوهم الدرامي للروبوت بقدر ما يصب جل تركيز صانعه على إنتاج نموذج للاإنسان الصطناعي الذي يطوّع البيئة المحيطة لخدمة الإنسان. من ثمّ ما قدمه العلماء والمهندسين العرب، كان شديد التميز لأنه كان يحمل شقًا تطبيقيًا فاعلًا” [viii].

    

        كان أول روبوت في التاريخ المعاصر من صنع اليابانيين وتحديدًا في 1927، وسُمى "Gakutensoku" والذي صُنع خصيصًا ليقوم بدور ديبلوماسي، وكان أول روبوت يمكنه تحريك جفن العين عن طريق تقنية الهواء المضغوط [ix].


صورة أول روبوت يتم تصنيعه في الشرف في العشرينات

ثم توالت عملية تطوير الروبوتات حتى نصل إلى الروبوت الياباني "آيبو" (AIBO (1999 المُصّنع من قبل شركة "سوني العالمية"، والذي عرف بـ ”الصديق".


"أيبو" الروبوت الاجتماعي: الجرو الصديق


عُرِف "آيبو" بقدرته على التعرف لما يصدر إليه من مهمات وأوامر باللغتين الإنجليزية والأسبانية، كما  عرف أيضًا بقدرته على “التعلم والنضج” باستخدام ذاكرة متطورة. بالرغم من شهرته الواسعة، إلا أنه تمّ تعطيله في عام  2006.

أما في الرابع عشر من فبراير لعام 2016، فقد شهدت الإنسانية قفزة غرائبية في عالم الروبوتات فيما عرف ب ”الروبوتات الاجتماعية" حين تمّ تشغيل أشهر الربوتات في الوقت الحالي "صوفيا" Sophia[x].


صوفيا- الروبوت الاجتماعي


تشتهر "صوفيا" بكونها برنامج ذكاء اصطناعي شديد التطور، لديه/ها القدرة على تحليل المحادثات، واستخلاص البيانات التي من شأنها التنبوؤ برودو الأفعال في المستقبل، بل أنها تعرف بقدرتها على تقليد السلوك الإنساني الاجتماعي وتتبُع مشاعر الحب كما يعبر عنها البشر. ظهور “صوفيا” أثار العديد من التساؤلات  والنقد في آن واحد حول التطور الرهيب في الروبوتات لتدلف عالمًا ظل الإنسان يحتله بمفرده وهو "الشعور والسلوك". الاعتراف ب "صوفيا" جاء غير مسبوق وبخاصة حين قررت المملكة العربية السعودية في مؤتمر الإبداع وتحديدًا قمة “مستثمري المستقبل” في عام 2017، منح “صوفيا” جنسية المملكة، لتصبح أول “إنسان آلي” له جنسية دولية أو بمعنى أكثر دقة أول “مواطنة” آلية في العالم. “صوفيا” تتسم بالذكاء الشديد حتى أنه حين تمّ تقديمها في القمة سالفة الذكر، أردفت بقولها حين طرح المذيع سؤالًا عليها “لماذا تبدين دومًا سعيدة”، فأردفت بقولها “أنا دومًا أشعر بالسعادة حين أكن محاطة بذوي النفوذ والثروة"[xi]. بهذا القدر من الذكاء الاجتماعي المرتفع، لا عجب إذن من منحها الجنسية بالرغم مما أثاره هذا الفعل من ردود أفعال واسعة في حينها وبخاصة حين تمّ ربطه بمواقف تلك الدولة من حقوق النساء عمومًا!

        إذن إلى أين يقودنا البحث في تاريخ وتطور الروبوت؟ الأمر لا يتوقف عند سرد لبعض من نماذج ومراحل التطور التي شهدها عالم التكنولوجيا وصناعة الإنسان الآلي لنتعرف على الفجوات التي مهدت الاحتياج لتك الروبوتات لأن تتخذ مكانًا على خارطة الحياة وتؤدي مهمات تتنوع من البساطة وحتى تلك الأكثر تعقيدًا. فذلك الطرح يمنحنا رؤية حول أين يقف هذا العالم الآن، ولربما ببعض من الخيال يمكننا أن نبني فهمًا نحو عالم "الروبوت الاجتماعي" والذي يعد المرحلة الأكثر تقدمًا من صناعة الروبوتات. تم تأسيس هذا النوع المتقدم من الروبوتات الاجتماعية لتعزيز قدرتها على القيام بمهام اتصالية مع البشر وكذلك مع الروبوتات الأخرى. الروبوتات الاجتماعية أو شبيهة الإنسان Humanoid يتم توظيفها لأغراض مثل بحوث الفضاء، المساعدة الشخصية وتقديم الرعاية، التعليم والترفيه، البحث والإنقاذ، العلاقات العامة، التصنيع والصيانة، ومؤخرًا في الصحة. فور ظهور جائجة الكورونا، تمّ تجهيز مستشفى ميداني جميع العاملين به من الروبوتات الذكية، تم تسميته المستشفى الميداني الذكي The Smart Field Hospital، تمّ فتتاحه رسميًا في مارس لهذا العام بمقاطعة "وهان" الصينية، تقوم الروبوتات بجميع ممارسات العزل الطبية للمصابين: قياس الحرارة، تقديم الطعام والدواء، بل والترفيه عن المرضى والطاقم الطبي البشري [xii].

******

هل تتوحّش التكنولوجيا، أم تتأنسن؟

        يقول "مارتن فورد"- خبير شؤون المستقبل- إن استخدام الإنسان الآلي في مرحلة ما بعد كورونا سيعطي امتيازات تسويقية، ويوضح أن الناس سيفضلون الذهاب إلى مكان يستعين بعدد أقل من البشر وعدد أكبر من الماكنات لأنهم يعتقدون أن ذلك يقلل من المخاطر.تقوم الشركات التكنولوجية الكبرى بتوسيع استخدام الذكاء الصناعي. يعتمد فيسبوك وغوغل على تقنيات الذكاء الصناعي في وظائف معينة لا يستطيع الموظفون القيام بها وهم يعملون من المنزل. كان المتشككون بالإنسان الآلي يعتقدون أن الإنسان سيكون له دور حاسم في تلك الوظائف. قد يتغير هذا الوضع مع حالة الإغلاق والعزلة المفروضة حاليا حيث يفضل البشر العمل عن بعد. ليس من الضروري أن يكون المستشار عبر الشاشة شخصا حقيقيا، عليه فقط أن يفكر ويتصرف كشخص حقيقي. وتنبأ تقرير صادر عن شركة ماكينزي للاستشارات عام 2017 أن ثلث العاملين في الولايات المتحدة سوف يحل محلهم آلات وذكاء اصطناعي بحلول عام 2030. لكن احداثا كالأوبئة كفيلة بتسريع العملية ، ويقول الخبراء أن الأمر منوط بالبشر ليقرروا كيف سيكيفون دخول التكنولوجيا إلى العالم [xiii].

        مع التطور الرهيب في صناعة الروبوتات بوجه عام، ووسائل التكنولوجيا بوجه خاص تعالت الأصوات المنددة باقتحام التكنولوجيا كافة المناحي التي وصفت بأنها "إنسانية" بحتة، بل ونددت تلك الأصوات بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا باعتبارها "وحشًا" يلتهم روح الإنسان المعاصر، واصفة إياها بأنها تخدر قدرة الإنسان الأصيلة على التواصل والاتصال مع أقرانه البشر، كما أنها صنعت “هويات” وهمية رقمية للإنسان مما أضاف إلى أزمة الإنسان المعاصر الوجودية وعزلته بالرغم من كل ما منحته التكنولوجيا من يسر من اتصال، إلا أنها أفرغته من الشكل التقليدي لما ترسخ في وعى البشرالجمعي عن الاتصال الإنساني. انطلاقًا من تلك النقطة من الصراع الوجودي، أصبحت هناك حاجة ملحة لاستبصار العلاقة بين الإنسان والآلة واستكشاف مساحات التقاطع بين كلا العالمين. ظهر مصطلح "أنسنة التكنولوجيا"[xiv] Humanizing Technology في محاولة للتقليل من وطأة الغضب المتمثل في توحش التكنولوجيا أو كما تمّ وصفه ب Dehumanizing technology. تُعنى "التكنولوجيا الإنسانية" أو "أنسنة التكنولوجيا" بثلاث احتياجات رئيسية مستقاة من هرم "ماسلو" للاحتياجات، ألا وهى: الأمن والأمان- العلاقات الإنسانية- النمو الشخصي. كل ما يندرج تحت مسمى "التكنولوجيا الإنسانية" عليه أن يقدم ما يًحسن من حياة الأفراد أو الجماعات. يمكننا أن نقتبس من جوناثان هاريس Jonathan Harris  – 2012 فنان ومطور شبكة اجتماعية بديلة Cowbird- قوله التالي:

“إن الإيقاع المتسارع لشبكات التواصل الاجتماعي، سيجبرنا مما لاريب فيه من إيجاد طرق أكثر إنسانية، تقترب من مساراتنا الأصيلة في فهم الحياة وذواتنا. سنصل حتمًا إلى نقطة اتزان. نحن جزء من الشبكة العنكبوتية، فنحن لا نتبادل الكلمات أو الآراء فحسب، نحن نصنع قصصًا تحمل رؤيتنا للحياة، نتورط بمشاعرنا في كل ما نسرده من حكايا. الوعى البشري يتطور بصورة مذهلة، التكنولوجيا لديها القدرة أن تقف معنا كوثيقة تاريخية تشهد بمثل هذا التطور لا تعرقله”[xv].

وهذا ما أكده الأيقونة الصينية "جاك ما"- مؤسس شركة "علي بابا" خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي الذي نوّه عن "أهمية أن يكن التعلم الآلي بمثابة قوة من أجل الخير، وأن الذكاء الاصطناعي هدفه أن يساعد الإنسان على تقديم رؤى جديدة بشأن طريقة تفكير الناس" أضاف أن "الذكاء الاصطناعي سيساعد في خلق نوع جديد من الوظائف التي توفر علينا الوقت ومن ثم تمنحنا متسعًا للمهام الإبداعية، فقد نصل إلى مرحلة في المستقبل يتعين على الناس أن تعمل ثلاثة أيام في الأسبوع وأربع ساعات في اليوم". اختتم قوله، "حين يفهم البشر أنفسهم بشكل أفضل، يمكننا حينها تحسين العالم."[xvi].

لعل تلك الجملة التي منحها لنا "جاك ما" حول أهمية أن يعرف الإنسان نفسه، ستطرح تساؤلًا ليس حول توحش التكنولوجيا أو أنسنتها فحسب، بل هل يتحول البشر في الأنظمة التعليمية إلى روبوتات مدجنة؟ وما الغاية الأصيلة من التعليم؟

ولربما ذلك ما سنكتشفه في المقالة القادمة، بإذن الله.

******

[i] "مايكروسوفت تقرر استبدال الصحفيين بالروبتات"- 30 مايو 2020 رابط الخبر:

https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-52861371?fbclid=IwAR2sK3ngwVplGHb55gWYZsu0P3gF83MJUqiqJ5qVOKs-4BZtHTYBvIDHFos

[ii] النزعة الإنسانية: توني ديفيز- ترجمة عمرو الشريف ص. 16 المركز القومي للترجمة.

[iii] شبكة المناهج الإسلامية، مصطلحات عربية جديدة مقترَحة- عبد الحفيظ جباري\نُـشِرَ هذا الـمقال في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني في عدد (69) 13 ديسمبر 2010

[iv] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84_%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D9%83

[v] Gaston Maspero (2009). Manual of Egyptian Archaeology: A Guide to the Studies of Antiquities in Egypt. BoD. p. 108. ISBN 9783861950967.

[vi] Ronnie Littlejohn, Jeffrey Dippmann (2011). Riding the Wind with Liezi: New Perspectives on the Daoist Classic. SUNY Press. pp. 194–195. ISBN 9781438434551.

[vii]  Ancient Discoveries, Episode 12: Machines of the EastHistory, retrieved 6 September2008

[viii] Rosheim, Mark E. (1994), Robot Evolution: The Development of Anthrobotics, Wiley-IEEE, p. 9ISBN 0-471-02622-0[

[ix] Ashok K. Hemal & Mani Menon (2018). Robotics in Genitourinary Surgery. Springer. p. 8. ISBN 9783319206455

[x] https://www.hansonrobotics.com/sophia/

[xi] https://www.dw.com/en/saudi-arabia-grants-citizenship-to-robot-sophia/a-41150856#:~:text=Saudi%20Arabia%20granted%20citizenship%20to,company%20Hanson%20Robotics%20in%202015.

[xii] https://www.asme.org/topics-resources/content/10-humanoid-robots-of-2020

[xiii] “هل يؤدي الوباء إلى تسريع وتيرة إحلال الروبوتات محل العمالة البشرية؟”. زوي توماس- 29 نيسان 2020، متاح على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-52344509

[xiv] https://bigthink.com/humanizing-technology/humanizing-technology

[xv] محاضرة بعنوان: التصميم التفاعلي- أنسنة التكنولوجيا- جوناثان هاريس 2012 https://www.youtube.com/watch?v=3_3aXflBPOo

[xvi] رئيس "تيسلا" ومؤسس "علي بابا" يختلفان بشأن تهديد الذكاء الاصطناعي للبشر. 29 أغسطس 2019، متوفر على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-49503965